لمت أحد كبار المسئولين على إهماله احد أقربائه وهو من خيرة المثقفين ومن قدامى خريجي جامعة بيروت الأميركية منذ أكثر من ثلاثة عقود حتى بلغ مستوى من الوضع النفسي والكآبة أن احتاج إلى إدخاله المصحة. قلت له: هل يجوز ذلك، وقد توليت مسئولية طويلة عريضة؟ أجاب بكلام مقنع: لم أفعل ذلك إلا لأنه قريبي حتى لا يقال عني إنه يقرّب أهله. قلت في نفسي مثل هذا الإنسان الرائع والواجهة التي تشرّف الدولة صار ضحية حسه الوطني والتضحية من أجل خلق بلد ديمقراطي له مكانته على خريطة الخليج والأمة العربية فكان جزاؤه الاعتقال وبقاءه عاطلا مع أن هناك عناصر لا تبلغ مستواه تبوأوا مراكز قيادية.
وعندما سألت أحد العارفين بإحدى المؤسسات عن المبلغ الذي تتقاضاه قريبة مسئول في وزارة عن عمل غير راقٍ فأعطاني رقما خياليا (عدة مئات من الدنانير عن كل عمل صغير). مناضل يستثنى من عمل، حتى بعد أن كبر وأصبح من بين المنتمين إلى واحدة من الجمعيات المعتدلة ذات التقويم الواقعي للأمور والنظرة الناضجة للقضايا السياسية فقط لأنه (من هَلِه)، وفي الوقت ذاته نجد من المسئولين من يوظّف احدى قريباته ويحدّد أرفع الأجور لهن.
يقول العارف في المؤسسة الحكومية ان العمل نفسه يكلف من مصدر آخر اقل من عشرة في المئة مما تحصل عليه قريبة المسئول. تصوروا الفرق معي عدا التكاليف الاخرى المصاحبة. أليس هذا العمل نهبا للمال العام؟ أليس في هذا تصرف لا يليق من مسئول كبير أن يحرج نفسه ويرضى أن يكون حديث الناس في المجالس والمنتديات؟ ثم لماذا يكون هذا العمل حكرا على قريبة هذا المسئول؟
في اعتقادي أن عفة المسئول بتجاهله الظلم الواقع على واحد من أقاربه عمل غير إيجابي وغير صحيح، فإذا كان يشعر بالإحراج أن يكون في نطاق مؤسسته فعلى الأقل أن يساعده بتوظيفه في مؤسسة أخرى، وكذلك، فإن التجاوز أمر يفرض سؤالا هو: أليس هذا نهبا واضحا لأموال الدولة من دون وجه حق؟
العدد 521 - الأحد 08 فبراير 2004م الموافق 16 ذي الحجة 1424هـ