العدد 521 - الأحد 08 فبراير 2004م الموافق 16 ذي الحجة 1424هـ

أسلحة الدمار الشامل في العراق: كذب وخداع وتزوير

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

نادى الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير بالحرب ضد ما أسمياه نظاما إرهابيا في العراق يملك أسلحة للدمار الشامل بوسعها تهديد أمن العالم. وقامت واشنطن ولندن بحملة واسعة للتحذير من خطر هذه الأسلحة. بعد أكثر من نصف عام على نهاية المعارك الرئيسية كشفت الصحف الإسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية كانت تعلم أن العراق لا يملك أسلحة للدمار الشامل، لكنها لم تعمل في تصحيح معلومات الأميركيين والبريطانيين. كذلك الأمر اعترف مسئول سابق في الحكومة البريطانية أنه طلب منه العمل لهدف تضخيم كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة واستغلال اتصالاته مع رؤساء الصحف البريطانية لتهويل الكذبة من أن العراق يملك أسلحة كيماوية وبيولوجية ويعمل في بناء القنبلة الذرية. حتى اليوم تفتقد واشنطن ولندن أدلة تثبت صحة الاتهامات المفبركة ما يجعل حرب العراق فريدة من نوعها في تاريخ البشرية لأنها قامت على أساس كذبة كبيرة.

سفير الولايات المتحدة السابق جوزف ويلسون وأحد أبرز الملمين بحوادث إفريقيا داخل الإدارة الأميركية، ففي نهاية التسعينات أشرف على قسم السياسة الإفريقية في البيت الأبيض. ظهر ويلسون على شاشة التلفزيون الألماني ضمن برنامج (فرونتال 21) الناقد وكشف عن تفاصيل محرجة لواشنطن ولندن. عن قضية الأدلة المزورة قال ويلسون ان كل شيء بدأ بمكالمة هاتفية وردته من المقر الرئيسي لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـ «سي آي إيه» في لانغلي القريبة من واشنطن، إذ طلب منه الحضور للحديث مع مسئولين في الجهاز عما يعرفه عن تجارة اليورانيوم خصوصا في النيجر. وحين جلس ويلسون أمام محدثيه تبين له الدافع الحقيقي وراء استدعائه. سمع ويلسون من أحد الجالسين أن جهاز استخبارات دولة صديقة للولايات المتحدة حصل على معلومات مفادها أن العراق يعمل في بناء القنبلة الذرية.

بطلب من نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني الذي كان وزيرا للدفاع حين وقعت حرب الخليج الثانية 1990/ 1991 بدأت الـ «سي آي إيه» تبحث عن أدلة تثبت صحة هذه المعلومة. أضاف ويلسون: في نهاية الاجتماع سئلت إذا كنت على استعداد للسفر إلى النيجر لتقصي الحقائق وأبديت موافقتي.

في فبراير/شباط 2002 وقبل أكثر من عام على وقوع حرب العراق، وصل جوزف ويلسون بتكليف من الـ «سي آي إيه» إلى النيجر إذ تقع المناجم في عمق الرمال وفي بطن الصحراء تمتلئ أرضها بمادة اليورانيوم (المادة الرئيسية التي تستخدم في صنع القنابل الذرية). منذ بداية التحريات التي بدأها السفير الأميركي السابق تبين له أن الجهة التي تشرف على مراقبة المناجم، ليست حكومة النيجر وإنما المستعمرون الفرنسيون. وقد ولد هذا لديه الانطباع وبصورة عاجلة: إذا حاولت حكومة النيجر سرا بيع العراق أو أية جهة أخرى كميات من اليورانيوم فإن هذا ليس ممكنا من دون موافقة الجهة التي تشرف على عمل المناجم في صحراء النيجر: الفرنسيون.

بوسع الفرنسيين أن يقدموا الدليل القاطع على أن اتهام النيجر ببيع العراق كميات من اليورانيوم لا يستند على أساس من الصحة. بهذا الشعور عاد المبعوث الأميركي إلى واشنطن إذ فوجئ بأن الـ «سي آي إيه» ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وقسم المخابرات التابع لوزارة الخارجية الأميركية، أعدوا تقريرا رفعوه إلى الرئيس بوش، يؤكدون فيه صحة رواية يورانيوم النيجر وحين أطلعهم ويلسون على الحقيقة التي حملها معه نفر منه محدثوه وأبلغوه أن استنتاجه ليس صحيحا. وقال غريغ تيلمان وهو موظف كبير عمل في وزارة الخارجية الأميركية حتى سبتمبر/أيلول الماضي: لقد قمنا بتحذير وزير الخارجية كولن باول في مطلع شهر مارس/آذار 2002 وطلبنا منه عدم الأخذ بهذه الرواية لعدم ثبوت صحتها إذ كنا نتحسب أن باول سيطلع عليها في تقارير أجهزة استخبارات أخرى وربما من الرئيس بوش نفسه.

بعد نصف عام بدأ مفتشو الأمم المتحدة عملية بحث مكثفة عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق. في الوقت نفسه بدأت القوات الأميركية والبريطانية عملية الانتشار استعدادا للحرب. كل يوم جديد كان مفتشو الأمم المتحدة يحصلون من واشنطن ولندن على معلومات جديدة تشير إلى وجود الأسلحة المزعومة تارة في قافلة عربات نقالة وتارة في منزل أحد العلماء العراقيين وتارة داخل أحد قصور الرئيس السابق صدام حسين. لكن المفتشين لم يعثروا على ما يؤكد المعلومات التي كانت تغدق بها أجهزة الاستخبارات.

وظهر في البرنامج رئيس المفتشين الدوليين السابق هانز بليكس، وقال لدى سؤاله عن شعوره حين كان يرى المفتشين يتنقلون مثل كلاب الصيد داخل أراضي العراق: لقد صعقت للطريقة التي عاملتنا بها واشنطن ولندن وشعرت لأول مرة بأسى لأن الأدلة التي كانت تظهر لاحقا أنها باطلة، صادرة عن أفضل أجهزة استخبارات في العالم، فما الذي ننتظره من غيرها؟ وأضاف بليكس يقول في برنامج (فرونتال 21): كان الأميركيون والبريطانيون على قناعة تامة أن العراق يملك أسلحة للدمار الشامل لكن ليس لديهم فكرة عن مكان وجودها. بعد أسابيع حصل مفتشو الأمم المتحدة على ما سمي أدلة جديدة عثرت عليها الاستخبارات الأميركية إذ قدمت للرأي العام على أنها حقيقية وهامة عرضت الأمم المتحدة للسخرية لكن الأدلة الجديدة أيضا كانت مزورة وملفقة ابتدعت لتدعم قرار الحرب.

وكان اسم عليلي الحاج حبيبو قد ورد في محضر اتهام العراق بشراء كميات من اليورانيوم من النيجر وأن المذكور وهو وزير خارجية سابق، لعب دورا بارزا في العملية إذ تم إطلاعه حين ظهر في البرنامج على رسالة تحمل توقيعه إذ أبدى استغرابه بشدة لأن الرسالة ليس لها صلة بالعراق فهي عائدة إلى محضر اتفاق بين جمهورية النيجر ودولة الإمارات العربية المتحدة عن قرض تم توقيعه في شهر يوليو/ تموز العام 1988.

وحين طلب الأميركيون الاطلاع على ملفات وزارة الخارجية قاموا بلطش الرسالة وقاموا بتزوير المضمون واحتفظوا بالتوقيع غير أن المضمون الجديد أصبح اتفاقا موقعا بين حكومة النيجر والعراق لتزويد الطرف الثاني بكميات من اليورانيوم. عملية تزوير من الطراز الأول. لكن خطأ الشاطر بألف. إذ ان تاريخ الاتفاق المزعوم كان العاشر من أكتوبر/تشرين الأول العام 2002 وهذا مدعاة استغراب ودهشة كبيرين لأن حبيبو كان قد تخلى عن منصب وزير الخارجية قبل أحد عشر عاما. وقال ان أحدا لم يسأله عن القضية مع العراق وان أحفاده أبلغوه بما يجري الحديث عنه بعد اطلاعهم على القضية بواسطة الإنترنت وغمرتنا جميعا دهشة كبيرة.

وحين ألقى بوش خطابه عن وضع الأمة في يناير/ كانون الثاني العام 2003 أمام مجلس الشيوخ الأميركي (كونغرس) طلب تأييد قرار الحرب. في هذا الوقت كانت القوات الأميركية قد انتشرت ووضعت يدها على الزناد على رغم عدم توفر سبب مقنع للحرب ضد العراق. وقال تيلمان ان الاستخبارات الأميركية درست مضمون الخطاب جيدا لأنها كانت تخشى أن يتضمن أخطاء من شأنها أن تحرج الرئيس خصوصا كذبة اليورانيوم من النيجر. أكد تيلمان أنه خلال إطلاع مضمون الخطاب مسبقا على رئيسي البرلمان ونائب الرئيس عادت إلى المضمون كذبة اليورانيوم لكن هذه المرة قال بوش ان الحكومة البريطانية حصلت على معلومات تقول ان صدام حسين حاول أخيرا الحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم من إفريقيا. وأضاف بوش: من أجهزة الاستخبارات الأميركية بلغنا أنه حاول شراء فوهات من الألومونيوم لإنتاج أسلحة نووية.

جوزف ويلسون أيضا سمع خطاب بوش وقال مستعيدا ذلك اليوم: اتصلت بأحد أصدقائي بوزارة الخارجية قلت له: هل تتذكر زيارتي للنيجر؟ وتابعت قائلا: آمل ألا يكون قصد الرئيس هنا النيجر. إن ما كان يخشاه ويلسون حصل فعلى رغم تحذيرات مسئولين بوزارة الخارجية الأميركية تضمن خطاب بوش كذبة النيجر. وحين كشف ويلسون بعد نهاية الحرب عن الحقيقة وراء كذبة النيجر حاول البيت الأبيض الانتقام منه. فقد كشفت صحيفة «واشنطن بوست» أن زوجة ويلسون عميلة في جهاز الـ «سي آي إيه». إن الكشف عن اسم عميل في هذا الجهاز أمر يعاقب عليه القانون في الولايات المتحدة لأنه يعرض حياة العميل إلى الخطر. واعترفت الصحيفة لاحقا أنها حصلت على هذه المعلومة من موظفين كبار في الحكومة الأميركية

العدد 521 - الأحد 08 فبراير 2004م الموافق 16 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً