حملت الدورة السابعة والثلاثون للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تشرّفت البحرين باستضافتها خلال الأسبوع الماضي بين طياتها ملفات اقتصادية حيوية لا تقل أهمية عن الملفات السياسية الحساسة التي تم مناقشتها، وعلى رأسها الاتحاد الخليجي الذي سيكون الملف الاقتصادي في واقع الأمر هو قلبه النابض وأبرز ملامحه، فلا يوجد توحد سياسي دون توحد اقتصادي واتفاق على أبرز الملفات والتشريعات الاقتصادية.
هذا الاهتمام الواضح من قبل قادة دول مجلس التعاون بالملف الاقتصادي، من شأنه أن يدعم بكل وضوح مسيرة العمل الخليجي المشترك، وصولاً إلى التكامل الاقتصادي المنشود في مختلف القطاعات الحيوية. ومن شأنه أيضاً أن يسرع بحلم «الاتحاد الخليجي» الذي بات مشروعاً واضح المعالم، سيكون للتعاون الاقتصادي والمضي قدماً في إنجاز خطوات الوحدة الاقتصادية دور بارز في إتمامه أو غلقه دون الوصول للنتائج المرجوة لا قدر الله.
بنظرة سريعة على البيان الختامي يتبين لنا ورود عدد ليس بقليل من البنود الاقتصادية، وهو ما يؤكد على ما ذكرناه سالفاً، من أهمية الملف الاقتصادي كعمود خيمة للاتحاد الخليجي، وسأحاول مختصراً أبرز النقاط التي وردت لدعم التكامل الاقتصادي الخليجي، ولعل أول ما يلفت الانتباه في البيان، هو التأكيد الواضح على حاجة دول مجلس التعاون لإنشاء هيئة الشئون الاقتصادية والتنموية لدول المجلس، بهدف تعزيز العمل الخليجي المشترك، وأكد البيان حاجة دول المجلس إلى تكتل اقتصادي يضعها ضمن أكبر اقتصاديات العالم، ويعزز من فاعلية الاقتصاد الخليجي وقدرته التنافسية والتفاوضية، ويؤكد مكانة ودور دول المجلس في الاقتصاد العالمي.
وتكتل اقتصادي مثل هذا، هو خطوة مباشرة نحو تحول دول مجلس التعاون إلى واحدة من أكبر عشرة تكتلات اقتصادية في العالم، رغم تبعات أزمة الهبوط المستمر لأسعار النفط وخفض الإنفاق الحكومي، لكن تبقى دول الخليج قوة اقتصادية عالمية كبرى، بحكم احتياطات النفط، ومستويات النمو، وقوة الإنفاق المرتفعة للمواطنين، وهناك الكثير من الدراسات والإحصاءات المتعلقة بإنفاق السائح الخليجي مثلاً مقارنةً بأي سائح آخر في أي بقعة من الأرض، والتي تصل أحياناً إلى 3 أو 4 أضعاف.
ثانياً تأكيد المجلس الأعلى لدول التعاون في بيانه على أهمية التزام الدول الأعضاء بتنفيذ مشروع سكة حديد دول مجلس التعاون، وقرّر إحالته إلى هيئة الشئون الاقتصادية والتنموية لوضع الآلية اللازمة لاستكمال تنفيذه في موعده المحدد، تحقيقاً لرؤية خادم الحرمين الشريفين.
ثالثاً اعتمد المجلس مجموعة من القرارات الاقتصادية المهمة، يأتي على رأسها الموافقة على تبادل المعلومات الائتمانية بين دول المجلس، وفق خطة العمل قصيرة الأجل، والإطار الشامل لآلية تسهيل تبادل المعلومات الائتمانية بدول المجلس.
وكذلك مشروع ربط أنظمة المدفوعات بدول مجلس التعاون، وتأسيس وبناء نظام ربط لأنظمة المدفوعات بدول المجلس، وتفويض مؤسسات النقد والبنوك المركزية بدول المجلس بتملك وإدارة وتمويل المشروع من خلال تأسيس شركة مستقلة. وهو ما سيسهم في ربط أنظمة المدفوعات، وتسهيل تقديم الخدمات المالية لمواطني دول الخليج خلال تنقلاتهم بين دول المجلس، مثل عمليات الدفع الإلكتروني من سداد الفواتير والتحويلات المالية، بالإضافة إلى تسهيل مقاصة وتسوية المعاملات المالية العابرة للحدود بشكل آمن وفعال. وهذا المشروع من المفترض أن يحقّق تطلعات مواطني دول المجلس في توفير بيئة آمنة وسريعة للتحويلات المالية، ويعد هذا الربط خطوة إيجابية للغاية في طريق اعتماد «العملة الخليجية الموحدة»، وهي الخطوة التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي قبل إقرار اليورو عملة أوروبية موحدة.
وكذلك وافق المجلس الأعلى على قانون (نظام) مكافحة الغش التجاري لدول مجلس التعاون، بوصفه قانوناً (نظاماً) إلزامياً. وبالنظر إلى هذه المجموعة من القرارات في إجمالها، نجدها تؤسّس لعملية تسهيل نقل الاستثمارات بين جميع دول التعاون، دون عوائق وتسهل من العمليات المصرفية وتوحد التوجهات المصرفية في دول مجلس التعاون. وهي خطوات مهمة جداً على صعيد ملف التكامل ومن ثم الاتحاد الخليجي.
وجود البحرين على قمة مجلس التعاون الخليجي للدورة الحالية، يحتم علينا الإشارة إلى نقطتين رئيسيتين، الأولى تتعلق بدفع الملفات الاقتصادية المهمة التي تتبناها البحرين أو طالبت بها على مدى السنوات الأخيرة إلى مقدمة جدول الاهتمام، والمطالبة بالتطبيق الموحد للكثير من القرارات التي صدرت أو ستصدر. وثانياً، وهذه نقطة مهمة للغاية، تتمثل في الدراسة الجيدة والمتأنية لجميع القوانين وخاصة الاقتصادية منها التي ستصدر محلياً في الفترة القادمة، بحيث يراعى فيها المواءمة مع توجهات قادة دول مجلس التعاون نحو الاتحاد الخليجي، وبالتالي الابتعاد عن القوانين المتطرفة اقتصادياً أو تلك التي لا تحظى بتوافق خليجي عام، للإبتعاد عن التضارب التشريعي المتوقع في مثل هذه الحالات، والاقتراب من نقاط التوافق والاتحاد في مضامين هذه القوانين، والقضاء على عشوائية الطرح، إلى جانب ضرورة الاستئناس برأي القطاعات ذات الاختصاص قبل إصدار القوانين.
في نهاية حديثي، لا داعي لأن أؤكد على خصوصية وحساسية المرحلة التي تعيشها جميع دول مجلس التعاون حالياً، فالجميع يرى من حولنا بحراً متلاطم الأمواج يضرب في المنطقة بأسرها، شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً، ولكنني أؤمن بوعي قيادة دول مجلس التعاون نحو الاتحاد والتضامن، وقدرتها على التصدي لتحديات إقليمية وعالمية كبيرة.
لا أشك أبداً في أنه بالوحدة والعمل المشترك ستستطيع دولنا من المضي قدماً في طريق النمو والنجاح، والعبور من عنق الزجاجة الراهن.
إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"العدد 5209 - السبت 10 ديسمبر 2016م الموافق 10 ربيع الاول 1438هـ