للتاريخ منطقه الخاص، فلفترة ليست قصيرة سنكون في الشرق كما هو في الغرب تحت تأثير نتائج الانتخابات الأميركية التي توجت دونالد ترامب رئيسا. إن المدخل لفهم ما سيقع في الفترة القادمة مرتبط بطبيعة توجهات الرئيس الجديد، إذ سيكتشف الكثير ممن صوتوا لترامب انه لن يقدم الحلول التي وعد بها، بل سيكون مخلصا لطبيعة التحالفات التي أنتجته ولتركيبة المؤسسة المالية التي يقودها، سيكون ترامب نصيرا كبيرا للمصالح المالية الكبرى وللطبقات المتحكمة بالمال، وهو في هذا سيعمق من أزمة الرجل الابيض المتوسط والفقير، كما ويزيد من تراجع الطبقات الوسطى والدنيا، كما وسيفجر علاقة الأقليات بالأغلبيات. سيخلق ترامب غضبا داخليا وعنفا وأجواء لم تعرفها الولايات المتحدة منذ عقود حرب فيتنام وثورة الملونين في ستينات القرن العشرين. الشعبوية الترامبية صفة من صفات المرحلة، فهو يهاجم أعداءه وكأنه يقود ثورة للطبقات الشعبية، لكنه في الأساس سيترك من لا صوت لهم من الطبقات الشعبية ضحية لشعاراته.
شعبوية ترامب ستثير معارضيه، وهذا سيدفع المعارضة الأميركية الديمقراطية نحو الراديكالية ما سيساعدها على تجديد خلاياها. في البداية سيتخلص الحزب الديمقراطي من قادة الحزب القدامى لصالح قادة لديهم من الكاريزما والتجديد ما يساعدهم على شحن العقول والقلوب. لهذا فمن اليوم فصاعدا سيكون الصوت الأقوى في الساحة الأميركية لشعارات التحدي والتصدي التي يتخللها الطرح الشعبوي المعارض للعنصرية والمنحاز للطبقات الشعبية. وهذا سيتضمن النزول للشارع كما والسعي لتحقيق مكاسب في انتخابات البرلمان والكونغرس القادمين (2018). إن إعادة بناء روح المجتمع الأميركي الذي يسعى رأس المال المتحالف مع الاتجاه العنصري للسيطرة عليه (مستغلا قدوم ترامب رئيسا) سيتطلب بناء جديدا للنقابات واستنهاض تحالفات ممتدة في الشارع وفي المجتمع.
لكن ترامب سيواجه معوقات أخرى ستعمل لمصلحة المعارضة الأميركية لسياساته. ترامب سيجد تحديات كبرى مع الشباب، فهذه الفئة بنسبة أكبر لم تصوت لصالحه. الجيل الشاب حقيقة ديمغرافية، وفشل ترامب سيكون مرتبطا في جانب منه بضعف قدرته على مخاطبة الشباب، فهذا الجيل، وبنسب أكبر من الجيل الأكبر عمرا، يؤمن بالتعددية والتنوع بين البيض والسود والمرأة والمسلمين واللاتينيين، إنه يؤمن بالعدالة وبالحقوق، بينما يجد صعوبة في التعامل مع خطاب عنصري إقصائي تجاه الأقليات. الجيل الأميركي الشاب يعتبر التغير قضيته وسينطلق من خطر العنصرية عليه.
لكن ترامب سيتواجه بنفس الوقت مع ديموغرافيا الأقليات والأغلبيات، وهذا معوق آخر سيحرك الأوضاع ضده. فالقوة الصاعدة في نسب السكان من الملونين واللاتينيين والمسلمين وغيرهم من الأقليات ستقف أمامه بصلابة. الأميركيون من أصول لاتينية يتجاوزون 17 في المئة من السكان «55 مليونا» بينما الملونون الأفارقة 12 في المئة من السكان وعددهم «45 مليونا». البيض في الولايات المتحدة تراجعوا عدديا عن 65 في المئة من السكان وذلك بفعل التحول الديموغرافي المستمر بلا توقف من أصل 320 مليون مواطن أميركي هو تعداد الولايات المتحدة.
التغيرات المقبلة في الولايات المتحدة ستترك أكبر الأثر على العالم العربي، فبينما يحتفل قطاع من النظام السياسي العربي بصعود ترامب سيكتشف قريبا أن ترامب يضيف حريقا أكبر على الحرائق القائمة في الشرق الاوسط. من جهة أخرى، سيتأثر العالم العربي بحراك الأميركيين في الشارع وبحركة الديمقراطيين في مواجهة سياسة الأسوار والعنصرية.
سيجد العالم العربي أن الأميركيين يعيشون ربيعا خاصا بهم، وأن صعود اليسار الأميركي في داخل الحزب الديمقراطي وخارجه سيؤسس لمدرسة في المقاومة المدنية والتغير السياسي في مواجهة النفوذ والفساد وتهميش الطبقات الشعبية. هذه مدرسة ستشعر بمشكلات العدالة في العالم وخاصة في المسألة الفلسطينية. هذا الوضع سيترك أبلغ الأثر على الحراكات السياسية العربية والعالمية. إن نهوض المجتمع الأميركي من خلال تحالفات تستند على كل الفئات لصالح العدالة والحريات والحقوق والاحتواء سيتحول لظاهرة عالمية لا تقل بقوتها وزخمها عن ظاهرة حركات التحرر الوطني والاستقلال في ستينات القرن العشرين.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 5200 - الخميس 01 ديسمبر 2016م الموافق 01 ربيع الاول 1438هـ