الأم العجوز تجلس بجوار "البلكون"، مسندة رأسها إلى الشيش الخشبي القديم، تبدو في عينيها مسحة حزن، ونسائم ليل خريفية تأتي إليها، تحرك شراشف شالها الأسود المُحكم حول رأسها ورقبتها، كانت شاردة، تنظر إلى صورة ابنها بالزي العسكري، المثبتة فوق الحائط، تتأمل قسمات وجهه، ابتسامته الصافية،عينيه اللامعتين...
في ليلة مثل هذه الليلة منذ سنوات طويلة، رحل وتركها وحيدة.
مالت بجزعها إلى الداخل، ضوءٌ ضعيف يغمر الشقة الصغيرة، ينعكس فوق قطع الأثاث، والحوائط ذات الطلاء المتآكل، شهقت في ألم، حين نظرت إلى المقعد الذي كان يجلس عليه، أحست بالشقة صامتة باردة.
تذكرت حين كان يجلس معها يحكي لها وتحكي له، وحين كان يوقظها كل صباح يقبل جبينها ويديها.
في هذه اللحظة وفي مكان بعيد ، كانت روح الابن تهبط من السماء، حزمة من ضوءٍ أبيضٍ شفاف، سكنت، ثم تشكلت كهيكل إنسان، أخذت الروح شكل رجلٍ يبدو معلقاً في السماء.
القمر كان بدراً، يضئ الصحراء، ينتشر ضوءه ويطفو فوق الأشياء، هبطت الروح في هدوء كورقة شجر، استقرت فوق الرمال، تذكرت الروح لحظة خروجها من الجسد، شعرت بنشوة، وهي تتذكر تلك اللحظة التي أصبحت بعدها روحاً شفافة.
أملت الروح الصحراء المتسعة، رأت أقدام الجنود لا تزال منطبعة فوقها، كل الأعوام السابقة لم تمحِها، مدّت يدها تداعب الرمال، حين تحركت الرمال، انبعثت رائحة جميلة، عبقت المكان، وانتشرت الرمال المضيئة ترفرف حول الروح، كأنه احتفال... لم تشعر الروح بالوقت الذي مضى، لكنها تذكرت أن عليها أن تغادر المكان إلى مكان آخر تحبه أيضاً.
صعدت الروح إلى أعلى، ابتسمت، حين نظرت إلى المدن حول القناة، رأتها تنام ساكنة هادئة آمنة، رفرفت الروح في سعادة، حلقت في السماء... مسحت الأم العجوز وجهها بكفيها، وهي تبدل قدميها لتريحهما.
ضيّقت الأم عينيها فجأة، حين رأت ضوءاً مبهراً، يلمع في السماء، رأت الضوء يقترب منها، يقترب أكثر، ملأ الضوء "البلكون" الخشبية، فاض كَسيلِ مياه، أخترق الشقة، يلون الأشياء... بلون فضي، حدقت الأم منبهرةً، جالت حزمة الضوء الفضية أرجاء الشقة، وقفت فوق المائدة، اهتز مقعد الابن مع الضوء، ابتسمت الأم وأحست بأن المقعد يبتسم، تجمعت حزمة الضوء، وقفت أعلى صورة الابن، استطالت، تقوست، مرت من خلال زجاج الصورة، رأت الأم وجه ابنها أكثر ضياءً، أحست به فرحاً، شعرت للحظة أنها ليست صورته، بل وجهه الحقيقي يبتسم لها.
تراخت أجزاء جسدها، وكأنها خُدرت، غالبها النوم فوق مقعدها.
حين استيقظت الأم، وقفت تنظر داخل الشقة حائرةً... لكنها متأكدة أنه بجوارها، يعيش معها، يأتي من وقتٍ لآخر يؤنس وحدتها.
جلست بجوار "البلكون"، ونسائم صباح خريفي تداعب شراشف شالها الأسود، لكن وجه الأم الآن أصبح أكثر سعادةً ورضا.
الواقعية السحرية لا تحاول نسخ الواقع بقدر ما تفهم الغموض الكائن خلف الاشياء ...قصتك صديقى حاولة فيها ان تمزج الواقع بالخيال وبالفعل طغى الخيال حتى ظهرت قدرتك على عمل ينتمى لقصص الواقعية السحرية ولكن العمل يحتاج لحذف بعض السطور حتى لا يشعر القارئ انك تحاول صنع واقعية سحرية بل عليك من اول سطر ان تقدم العمل منتهى ليصل للكاتب فلسفتك وفكرتك واستخدامك لأدب امريكا اللاتينيه وهى الواقعية السحريه ,,,,فعلا انت ذكى وتحتاج للقراءة الكثيرة وقتها ستخرج بعمل رائع مثل ماركيز ..تحياتى لقلمك