تناولت بعض الأقلام الصحافية في بعض الصحف المحلية ما يدور في خطب وبيانات علماء المذهب الجعفري في مملكة البحرين بشأن قانون أحكام الأسرة (الشق الجعفري)، بالكثير من التجني عليهم، وما يثير الدهشة والاستغراب أن تلك المقالات لم تكن تناقش تفاصيل وحيثيات الموضوع بشكل علمي وهادئ، وإنما تطرحه بنفس متشنج وبعبارات غير لائقة أخلاقيّاً، فلو ناقشت ملاحظات وآراء علماء الدين مناقشة علمية بعيداً عن كل المؤثرات النفسية والأيديولوجية والسياسية، لكان أجدر لها بكثير من الأسلوب الانفعالي الذي اتبعته في الكتابة عن هذا الموضوع الديني الحساس، القلم الرزين والهادئ والرشيد والحكيم يناقش الأفكار المطروحة وليس يهاجم الشخصيات التي طرحتها، ويتلفظ عليهم بأسوأ الألفاظ النابية وينعتهم بأقبح النعوت.
من غير اللائق أن يتحول القلم إلى أداة تجهيل للناس، وتشويش وتحريف للأفكار المخالفة لفكرته، القلم العاقل الواعي الذي يحترم ويقدر كل حرف يكتبه للناس، ولا تجره عاطفته أو نوازعه النفسية أو توجهه السياسي والأيديولوجي إلى متاهات مذهبية ليس لها أول ولا آخر، فالناس في بلدنا يعلمون أن بعض الأقلام قد تصاب في حال تقدمها في العمر بالخرف الثقافي أو عدم السيطرة على نزعاتها النفسية السلبية تجاه الأشخاص الذين يختلفون معها في المشرب الاعتقادي والأيديولوجي، من أجل هذا نجدهم يتعاملون مع مثل هذه المقالات وكأنها لم تكن.
وتأكيد أو نفي إصابة بعض الأقلام بمرض الخرف يتطلب من علماء النفس الكثير من البحث والدراسة المستفيضة، لكي يصلوا إلى الأسباب التي جعلت تلك الأقلام عاجزة عن التحلي بالحكمة والحلم عند تناولها موضوع كقانون أحكام الأسرة (الشق الجعفري).
من الأمور الأساسية التي يجب أن تعرفها تلك الأقلام، أنها غير متخصصة في هذا المجال الشرعي أولاً، وليست مؤهلة نفسيّاً ومعنويّاً لمناقشة هذا الموضوع المهم ثانياً، وغير قادرة نفسيّاً على استيعابه من الناحية الشرعية التي يعتقد بها الجانب الجعفري ثالثاً، فالعلماء المحسوبين على المذهب الجعفري لم نسمع منهم أنهم لديهم أية مشكلة مع الرغبة في إصدار قانون أحكام الأسرة (الشق الجعفري) بتاتاً، كل ما في الأمر أنهم يتحدثون عن أساليب وآليات إصداره وتطبيقه على أرض الواقع، لعلمهم أنه لا يوجد مادة دستورية تمنع أية جهة رسمية أو غير رسمية في المطالبة مستقبلاً بتعديل أو حذف أو إضافة أية مادة قانونية فيه، من وجهة نظرهم الشرعية أن هذا الحال يعطي الحق للمجلس النيابي على سبيل المثال في أية دورة تشريعية أن يطالب بالتعديل أو الحذف أو الإضافة في بعض مواده، فهم باختصار يقولون إن وجود مادة دستورية تضمن لأبناء المذهب الجعفري بعدم السماح لأية جهة التصرف في بنوده، تعطيه قوة ومنعة، وقالوا في هذا الشأن مرات كثيرة، إنه إذا ما توافرت الضمانات الدستورية اللازمة لعدم المساس بأحكام الأسرة الشرعية الخاصة بالمذهب الجعفري تعطيهم الفرصة للتعاطي معه بإيجابية.
إن تطاول بعض الأقلام من دون وجه حق، مخالف للدستور والقانون ولكل النواميس الأخلاقية والإنسانية، والتباكي الكاذب على حقوق المرأة البحرينية المتبعة للمذهب الجعفري، والقول إن القانون إذا ما تم تطبيقه تنتهي كل مآسي وعذابات المرأة البحرينية الجعفرية، ليس دقيقاً في مجمله، المتابعون لآراء علماء المذهب الجعفري في البحرين لم يسمعوا منهم ما يشير إلى أنهم يرفضون تقنين قانون أحوال الأسرة، ووضع جميع المسائل الفقهية الخاصة بالأسرة على شكل بنود قانونية، التي من خلالها تعالج كل الأمور المتعلقة بشئون الأسرة، وتبيان الحقوق الشرعية لكل أفراد الأسرة، الرجل والمرأة والأولاد والبنات بالتفصيل الدقيق، وهم مع توافر كوادر شرعية متخصصة في فقه الأسرة، متمكنة تمكناً كاملاً في تطبيق تلك الأحكام الشرعية بصورة صحيحة، لكي لا تحدث الأخطاء أو الإشكالات الشرعية غير المقصودة، التي لا يحمد عقباها، في الزاوج والطلاق والنسل والميراث والوصية وغيرها مع القضايا المرتبطة بأحوال الأسرة.
أين المشكلة في رأي علماء الطائفة الجعفرية؟ هل المشكلة أنهم يريدون للقانون أن يكون متكاملاً في أبعاده الشرعية والتشريعية والإنسانية والاجتماعية والأخلاقية، لكي يكون عاملاً أساسيّاً في سعادة ورفاهية وسلامة ورفعة الأسرة البحرينية، ويكون خالياً من أية شائبة غير محمودة العواقب؟ نأمل أن تتأمل الأقلام المعنية طويلاً قبل كتابة كل كلمة أو عبارة في هذا الموضوع بالذات، هل ما تكتبه يصب في صالح الأسرة البحرينية كما تدعي أم لا؟ فإذا كانت فيها مغالطة أو مضرة نفسية أو معنوية ولو بنسبة ضئيلة لأي فئة في المجتمع البحريني، عليها أن تفكر ألف مرة قبل نشرها في الأوساط المجتمعية، هذا إذا ما كانت تقصد الخير والمنفعة للناس جميعاً، وليس التأليب وإثارة النفوس على بعضهم البعض، بأساليب يضحك عليها كل العقلاء الواعين المحبين لوطنهم، فلتعلم تلك الأقلام جيداً أن علماء الدين ليس من طبعهم الدخول في سجالات شخصية مع أي إنسان، فهم من طبعهم يوضحون المفاهيم والمصطلحات الإسلامية بأفضل الأساليب الأخلاقية، لمن يطلب منهم التوضيح للفهم والاستيعاب، وليس من أخلاقهم الإساءة لأي شخص أو فئة في المجتمع، لأنهم يعتقدون أن ذلك السلوك السلبي تنبذه الشريعة الإسلامية جملة وتفصيلاً، من يقول غير هذا الكلام عليه أن يبينه بالدليل والبرهان وليس بكلام مرسل ليس له اعتبار عند العقلاء.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5192 - الأربعاء 23 نوفمبر 2016م الموافق 23 صفر 1438هـ
احسنت استاذي العزيز و نأمل ان تقوم السلطات المعنية في بلدنا العزيز باتخاذ الاجراءات اللازمة ضد من تجاوز حدود الاخلاق و الادب في ما تطاول به على كبار علماء الطائفة الشيعية ونعتهم بنعوت هو اقرب لها منهم . النقد والنصح لا اشكال فيهما ابدا ولكن لا و الف لا للتطاول على علمائنا من قبل شخص لا يفقه كوعه من بوعه
عندما لا يستطيع صاحب القلم أن يتحكم في انفعالاته فإنه لا يصلح أن يكون كاتبا، لأن ما سيكتبه لا يعدو كونه تفريغا لتلك الانفعالات والتشنجات النفسية، أي أنه يكتب ما تمليه عليه انفعالاته لا ما يمليه عليه عقله، وهؤلاء لا يزالون أطفالا وإن كبرت أحجامهم!