تتناثر صفحات تاريخ المسيحيين العراقيين في بقايا متفحمة على أرضية دير يرجع للقرن الرابع قرب الموصل كان مقاتلو تنظيم داعش نهبوه خلال سيطرتهم التي دامت عامين وانتهت في اليومين الماضيين.
حرق أعضاء التنظيم في دير مار بهنام مجموعة من الكتب اللاهوتية وكشطوا نقوشا باللغة السريانية التي تحدث بها المسيح ونسفوا منحوتات عن مريم العذراء وراعي الدير.
وأزال أعضاء التنظيم صلبانا وحاولوا محو أي ذكر لبهنام وهو نجل ملك أشوري تقول الأسطورة الشعبية إنه شيد الدير للتكفير عن قتل ابنيه بعدما اعتنقا المسيحية.
وقال دريد إلياس قائد كتائب بابليون وهي فصيل مسيحي ساعد في استعادة الموقع في تصريح لرويترز خلال زيارة الإثنين (21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) "كان هدفهم الأساسي تدمير التاريخ المسيحي والحضارة في سهول نينوى".
وسهول نينوى منطقة مترامية الأطراف إلى الشمال والشرق من الموصل وتعد فسيفساء للمجتمعات العرقية والدينية التي لها جذور تعود إلى بلاد ما بين النهرين.
واستهدف تنظيم داعش أتباع هذه الأقليات ومواقعهم الدينية في المنطقة منذ سيطرته في 2014 على مساحات كبيرة من العراق وسوريا المجاورة في هجوم خاطف.
في ذلك الوقت أصدر داعش تحذيرا يخير المسيحيين بين دفع الجزية أو اعتناق الإسلام أو القتل. وفر معظمهم إلى إقليم كردستان وبينهم عدد قليل من الرهبان الذين تركوا مار بهنام بملابسهم فقط.
ومع سعي تحالف من قوات عراقية قوامه مئة ألف فرد لإخراج التنظيم من الموصل بدأ يتم بالتدريج توثيق حجم الدمار في المناطق المسيحية المجاورة.
وقال إلياس إن رجال التنظيم حولوا مار بهنام وهو أكبر دير في العراق إلى مقر لشرطة الحسبة التي تطبق قواعد صارمة على العامة ومنها منع التدخين ومنع الرجال من حلق لحاهم ومنع النساء من كشف وجوههن.
وحول المتشددون غرفة استقبال إلى عيادة وغرف نوم الرهبان إلى مراكز لاحتجاز المذنبين. وعجت زاوية نائية في المجمع بعشرات من أطباق الأقمار الصناعية التي قال القائد إن التنظيم صادرها من سكان في مناطق قريبة.
وغطت رسومات للتنظيم جدران الدير ومنها شعاره "باقية وتتمدد".
وبعد خمسة أسابيع من انطلاق حملة الموصل التي كانت تضم جالية مسيحية كبيرة العدد أصبحت المدينة شبه محاصرة لكن الحكومة لم تسيطر سوى على عدد قليل من الأحياء الشرقية.
ودمر القتال بلدات وقرى بأكملها بينما تعني الألغام التي زرعها التنظيم وبعضها داخل وحول الدير أن بعض السكان سيحتاجون إلى أشهر وربما سنوات قبل العودة إلى ديارهم.
العين بالعين
كتائب بابليون المدعومة من بغداد هي نوع القوات التي يسعى حلفاء العراق الغربيين لإشراكها في حملة الموصل لضمان تأمين الدعم المحلي للتراجع المتوقع للتنظيم.
وحصل المقاتلون المسيحيون في دير مار بهنام الاثنين على ملابس عسكرية وحملوا صلبانا خشبية كبيرة في شاحناتهم الصغيرة ورفعوا لافتات منها رايات تستخدمها الفصائل الشيعية العراقية.
وقال إلياس إن وحدته قاتلت إلى جانب الجيش العراقي لاستعادة الدير وقرية خضر إلياس التي يقع بها الدير. لكن القوات النظامية غادرت الموقع منذ استعادته وتركت لرجال إلياس مهمة السيطرة على المنطقة.
وبعد جولة لرويترز في الموقع في ظل سماع إطلاق نار من مسافة بعيدة رحب إلياس بستة متطوعين جدد في كتائب بابليون وقدم لهم ملابس وأسلحة مقابل تعهد بسيط بحماية المنطقة.
وينضم إليه الرجال -وهم جزء من عدد متناقص من المسيحيين العرب بالشرق الأوسط - بدافع الرغبة في الحفاظ على بقاء طائفتهم بعد تهديد تنظيم الدولة الإسلامية بالقضاء عليها إلى الأبد.
وقال إلياس "نثبت للعالم أن المسيحيين ليسوا ضعفاء. نحن أقوى مما تصوروا".
وقال لرويترز إن قواته دمرت حتى الآن ثلاثة أو أربعة منازل يعتقد أنها تخص مقاتلي التنظيم في خضر إلياس لإبعادهم عن العودة.
وقال وهو يقف فوق الدير مشيرا إلى أحد هذه الأبنية "هناك (منازل) أخرى. سنذهب إليها الواحد تلو الآخر وعن كل منزل مسيحي نسفوه سننسف منزلا في المقابل".
وتابع قائلا "هذه هي الحرب. العين بالعين والسن بالسن".