ماما، أنا ذاهبة لألعب..
- لا تلعبي بروبك الأبيض، سيتسخ بسرعة..!!
لكن ليلى خرجت دون أن تبدّل روبها، ركضتْ إلى ساحة الحارة حاملةً صندوقاً كرتونياً مفتوحاً من الجهتين، وضعته في منتصف الشارع كأنه شاشةُ تلفاز كبيرة، ثم وقفت خلفه مهللةً "زمرّدة، كوكب للبنات فقط" ضحكت وسارت متبخترة كأنها فلة، حتى تجمّع حولها في لحظات كل صبيان الحي -أقزامها السبعة- وبدأوا يهتفون باسمها، ثم صاح سامر من خلف الشاشة الكرتونية فارداً ذراعيه "أكشن، كوكب الإثارة والغموض" وأخذ يدور ويطير مقلّداً غريندايزر، مطلقاً من فمه أصواتاً شبيهة بأصوات الصواريخ المشعّة والقذائف، قبل أن يأتي أحمد الرياضي بحذائه المتهرِّئ رافعاً كرته مغنياً "رياضة، كوكب التحدي والقوة"، ثم رمى الكرة، تشقلب وركلها فطارت بعيداً مع حذائه في الهواء.
ضحكوا جميعهم عليه، لكن فجأة صرخت ليلى مرعوبة "قد أتوا، اهربوا اهربوا..."!!
سُمح للمصورين بأن يدخلوا بسرعة مع كاميراتهم كي يلتقطوا الصور قبل أن تبدأ "التريكسات" بمحو الجريمة، التقط مصور أميركي صورةً احترافية للرصاصة التي اخترقت رأس الأم التي تحتضن ليلى بروبها الأبيض، أما المصوّر البريطاني فقد ركّز أكثر على جمجمة سامر المهشّمة وذراعه العالقة المقطّعة تحت الركام؛ بل حرّك الجثة كأنه يحرّك طبخة كي تبدو اللقطة ألذ وأكثر حزناً، والمصوّر الروسي قرّب الكرة والحذاء من جسد أحمد ثم استرق له عشرات اللقطات التي توضح أن أرجله ضاعت بين الحجارة وجسده بات يحتاج إلى تخييطٍ كحذائه، لتخييط لا يتقنه فلاش الكاميرا.
لا تخافوا، فالموتى قد يستيقظون، قد يلعبون أحياناً.!
تفرّق الأطفال، تفرّق أصدقاء الحارة الواحدة والمدرسة الواحدة في الصور، أمسى كل واحدٍ منهم يُحمّض ويُطبع ويُنسخ الآن في دولة مختلفة، ليلى وأمها في واشنطن على الصفحة الأولى لصحيفة "نيويورك تايمز"، وسامر في لندن على تقرير لمنظمة "اليونسكو"، وأحمد في موسكو على صورة في مكتب وزير الخارجية الروسي ستستخدم كورقة ادانة خلال الاجتماع المقبل مع نظيره الأميركي، لكن ها هي ليلى الشقيّة، تمدّ عنقها من كل نسخ تلك الصحيفة العالمية، تصفر وتنادي رفاقها "هيا لنلعب".
استيقظ كل واحد من الأطفال على صوتها، رفع الأنقاض عنه، لملم أشلاءه، نفض عن ثيابه تراب الحرب ثم خرج من الصورة وتبعهم، ارتدى سامر زي "غريندايزر" ثم فرد ذراعيه فوق "بيغ بن" وأخذ كل البريطانيين يتابعونه مذهولين، أما الوزير الروسي فقد احمرّ خجلاً حين خبط تلك الصورة بيده على طاولة الحوار أمام وزير الخارجية فوجدها خاوية من جثة ذاك الطفل المشوّهة، لأن أحمد كان قد خرج منها وأخذ يتشقلب كالكابتن ماجد بحذائه المخيّط وكرته فوق الكرملين!
"أتى موعد كوكب زمردة"، صفّقت كل جثث الأطفال السوريين ببهجة، خرجوا من الصور والشاشات ومن تحت التراب ثم اصطفوا كالأقزام بانتظار قدوم فلّة، لكن ليلى لم تكن قد أتت بعد، نادوها، صرخوا، صرخت كل الجثث التي حصدتها الحرب "ليلى، ليلى"، لكن لم يجب على ندائهم أحد، فقرروا جميعاً الطيران حول العالم للبحث عنها.
على الصفحة الأولى لصحيفة "نيويورك تايمز"، كانت ليلى قد غسلت وجهها وسرّحت شعرها، ثم همّت بالخروج من الصورة كي تلعب مع رفاقها، لكن أمها التي تلقّت رصاصة في الرأس مدّت فجأة يدها من تحت الأنقاض وأمسكتها، ثم أخذت تصرخ بها:
- ليلى، تعالي إلى هنا، قلت لكِ ألّا تلعبي بروبك الأبيض، سيتسخ بسرعة!
لا تخافوا، فالموتى قد يخرجون من الصور، قد يلعبون أحياناً حتى لو اتسخت أكفانهم البيضاء!
قصة رائعة واحساس نبيل
رائعة
جمييييل راااااااااائع مؤثرة جدا تستحق الفوز