العدد 5188 - السبت 19 نوفمبر 2016م الموافق 19 صفر 1438هـ

شعائر عاشوراء البحرين... بحث تاريخي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

استضاف منتدى جدحفص الثقافي ندوةً للباحث التاريخي الأستاذ سالم النويدري، بعنوان «شعائر عاشوراء البحرين»، مساء الأحد الماضي (13/11/2016)، بحضور جمع كبير من المهتمين.

الباحث قسّم الموضوع إلى محورين: «الشعائر الحسينية المنصوص عليها»، و»فعاليات التعزية في البحرين وتاريخها». وبدأ بتوضيح كلمة «الشعائر»، استناداً لما أورده صاحب تفسير «الميزان»، المفكر والفيلسوف العلامة محمد حسين الطباطبائي، بأنها «العلامة»، كما في الآيتين: «إن الصفا والمروة من شعائر الله»، «والبُدنَ جعلناها لكم من شعائرِ الله»، فـ «شعائر الله الأعلام التي نصبها الله تعالى لطاعته»، وقد جاءت مطلقةً غير مقيّدة، إلا أن هناك معايير شرعية يجب أن تحكمها، كما قال الباحث.

هذا من ناحية التأصيل الشرعي قرآنياً، أما من ناحية أحاديث أئمة أهل البيت النبوي، فاكتفى الباحث بذكر حديث واحد عن كل جانبٍ من جوانب إحياء عاشوراء، بدءًا بالرثاء الذي انطلق بعد فترة وجيزة من واقعة كربلاء، واشتهرت أسماء في هذا الميدان، مثل دعبل الخزاعي وسليمان بن قتة التيمي والكميت بن زيد الأسدي. إلى جانب الرثاء، هناك أحاديث تحضّ على الوعظ والإرشاد (أحيوا أمرنا... بتعليم علومنا وبثّها في الناس)، وزيارة الحسين (ع) لإحياء ذكراه، حتى ولو كان عن بعدٍ لمن تعذّرت عليه الزيارة. وكان الهدف ربط القواعد الشعبية لمدرسة أهل البيت بقيادتها وأفكارها وقضيتها لإبقاء مبادئ الإسلام حيّةً في القلوب. فهذه المراسم التي يشاهدها العالم على الفضائيات هذه الأيام، من مجالس خطابة ووعظ وشعراء ومنشدين (رواديد)... لها بعد تاريخي وعقائدي أصيل، تستند إلى مواقف ونصوص أئمة أهل البيت النبوي الشريف.

في المقابل، هناك مراسم وطقوس استجدت على عملية إحياء عاشوراء، بعضها بدأ أيام الدولة الفاطمية في مصر وشمال إفريقيا، وبعضها أيام الدولة البويهية في العراق والشام، وبعضها أيام الدولة الصفوية في فارس. في مقدمة هذه المراسم المواكب التي تخرج إلى الشوارع، وموكب «الزنجيل»، وأصلها كلمة فارسية «زنجير» تعني «السلسلة»، حيث بدأ ذلك في مدينة الكاظمية بالعراق العام 1941 ومنها انتشر. إلى جانب «الشبيه» سواءً كان تمثيلاً لجوانب من الواقعة، أو عمل بعض المجسّمات.

إلا أن المعلومة المثيرة التي كشف عنها النويدري، هي أن «موكب الموسيقى»، بدأ على يد رضا شاه. وهو كما تعلمون، شخصٌ أميّ كان يعمل جندياً في جيش الشاه أحمد، آخر ملوك القاجاريين، وانقلب عليه وأسّس دولةً تحمل اسم بهلوي، بمساعدة الاستعمار البريطاني العام 1925، وخلعه الإنجليز والروس في 1940، ونفوه إلى جنوب إفريقيا، بعدما بدأ يغازل الألمان. ونصّبوا مكانه ابنه الشاب محمد رضا بهلوي، الذي حكم برعايةٍ أميركيةٍ حتى أسقطه الشعب الإيراني في ثورة 1979. وكان رضا شاه ينزل مع مجموعةٍ من الجنود القوقاز فيعزفون لحناً جنائزياً، فدخلت منذئذٍ في منظومة العزاء! وتم استيرادها للبحرين في الستينيات، وعارضها بعض رجال الدين، إلا أنها استمرت حتى نهاية السبعينات، وبروز ما عُرف يومها بـ «الصحوة الدينية»، لتعود مجدّداً مع بداية الألفية الجديدة.

على أن الممارسة التي كانت وستظل الأكثر جدلاً، التطبير، وأصلها من الطَبَر (نوعٌ من السلاح أشبه بالفأس الكبير)، وعُرفت بالقامة، نسبةً لقائم السيف (مقبضه). وقد بدأ -كما يقول الباحث- بين الأقوام التركية في إيران، وانتقل للمدن الدينية في العراق قبل ما يزيد على مئتي عام فقط، فاستحسنه قومٌ وعارضه آخرون، وظل مثار جدلٍ وخلافٍ حتى اليوم، لما يمثله من تشويهٍ لحقيقة وأهداف ثورة الإمام الحسين (ع)، وتنفيرٍ للشعوب الأخرى خصوصاً في زمن الفضائيات المفتوحة، حيث استُغلت لإلصاق تهم الخرافة والوحشية بمذهب أهل البيت.

هنا يلتقي الباحث مع ما توصل إليه الدكتور علي شريعتي (رحمه الله) قبل خمسين عاماً، من كشفٍ لبدايات هذه الظاهرة التي دخلت على التشيع أيام الصفويين، حيث أسسوا وزارةً باسم «وزارت تعزيت»، في ظلّ صراعهم المحموم مع العثمانيين، وكانوا يرسلون الوفود إلى المناطق الواقعة شمال إيران لمشاهدة مراسم العزاء المسيحية في أرمينيا وجورجيا، والعودة لاستنساخها وتطبيقها حرفياً في إيران.

النويدري أشار إلى أن ملاحظة مهمة، وهي أن أكثر هذه المراسم المستجدة، الطارئة، تبدأ أولاً في المنامة، وهو أمر طبيعي كونها العاصمة، حيث تستقبل هذه الظواهر، ومنها تمتد إلى بقية المناطق والقرى. وللبحث تتمة.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5188 - السبت 19 نوفمبر 2016م الموافق 19 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 23 | 4:11 م

      المشكلة ان بعض الجهلة يدافع عن التطبير وكأنه يدافع عن الإمام الحسين نفسه؟ ؟
      لا أعرف كيف يمارس بعض البشر طقوس غريبة ودامية ضد أنفسهم واولادهم الصغار أحيانا وهم لا يملكون اي دليل شرعي عليها ينطلقون من العواطف فقط

    • زائر 19 | 9:44 ص

      اشكرك الكاتب على هذا المقال

    • زائر 18 | 8:00 ص

      أحسنتم سيدنا العزيز نحن نتحمل الجزأ الأكبر في توعية الناس لما ورد على تشيعها مما هو أصيل فكل دخيل نضع نصب أعيننا كونوا زينا لنا.. حببوا الناس إلينا.. بانتظار التتمة

    • زائر 16 | 4:13 ص

      ياالله خذ كأنك يابوزيد ماغزيت !
      والله في ناس تقرأ المقال بالمقلوب

    • زائر 12 | 1:27 ص

      مقال جميل اكثر من رائع
      ننتظر التكملة
      دمتم سالمين

    • زائر 8 | 11:53 م

      أحسنت سيدنا أول مرة أعرف ان عائلة الشاه بهلوي لها أفضال لاتنسي علي الشعائر الحسينية والمدهب الجعفري وهو إدخال التطوير في اسلوب العزاء باستخدام الموسيقي الحزينة . ندعوا لاستمرار هدا النهج ولا كن يمكن التخفيف من نغمة الحزن فيها حتي تبدوا عصرية أكثر .

    • زائر 20 زائر 8 | 10:54 ص

      من قال لك بان عائلة بهلوي لها افضال على المذهب الجعفري؟ من اين استنتجت ذلك؟. مقال السيد قاسم واضح وصريح. هو يعرض معلومات تاريخية ولم يقل ان بهلوي له افضال على الشيعة .وتاريخ هذه العائلة مشين ومعروف في محاربة الدين والمذهب.

    • زائر 21 زائر 8 | 12:35 م

      من قال لك فيه مدح للشاه؟
      صدق فيه ناس ما تفهم المكتوب.

    • زائر 6 | 11:32 م

      مودة آل البيت من أعظم الشعائر،،، لدرجة أن الله لا يسئلنا عن شيء أكثر من المودة في ذوي القربى للنبي ص
      المودة هي الآية الثالثة والعشرون من سورة الشورى في القرآن الكريم؛ وهي التي يستدل بها الشيعة على إثبات إمامة أهل البيت (ع). والآية هي:
      قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى سورة الشورى: آية 23
      فمودة آل البيت من أعظم الشعائر بطلب من الله بنص القرآن الصريح

    • زائر 4 | 10:52 م

      احسنت استاذ قاسم

    • زائر 3 | 9:53 م

      العزاء للامام الحسين ثواب في حدود المعقول اما المشي على الجمر والزجاج وماشابه فلا يجوز

اقرأ ايضاً