حدثان ديمقراطيان حدثا هذا العام فاجآ العالم وفجعاه بنتائجهما، وتركاه فاغراً فاه بانتظار أن يستعيد توازنه؛ لكي يتعامل ويتعايش مع نتائجهما التي ستكون هي الحاكم القادم للتغيير المرتقب منهما.
الحدث الأول هو التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في يونيو/ حزيران الماضي. والآخر هو فوز ملياردير العقاراتدونالد ترامب على منافسته المحاميةهيلاري كلينتون لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية لأربعة أعوام مقبلة.
الحرب الانتخابية بين المتنافسين ومن ورائهما، حطت أوزارها، وعلى الكاسب والخاسر معاً أن يحضّرا نفسيهما للآتي. وكلا الحدثين لن تقتصر نتائجهما على دولتيهما التي تمت فيهما الممارسة الديمقراطية بالتصويت وفازت فيه الإرادة الشعبوية، بل ستمتد هذه النتائج في هذا العالم المتشابك المصالح إلى أبعد من نظر الناخب الذي قال كلمته ونام، ليترك العالم يتدبر أمره فيما سيتبع هذه الكلمة.
هذه الشعوب التي صوتت للخيار الذي صدم العالم، وأفزعه من سوء الاختيارين كما تراه النخب، لم تكن ترى بالتأكيد ما يراه العالم من حولها من مخاوف، بل إنها ذهبت إلى صناديق الاقتراع بكل اقتناع لتقول خيارها الذي ترى فيه الأفضل لمستقبلها ولمستقبل أبنائها ولوطنها ككل. كما أنه ليس بالضرورة أن يكون قرار هذه الشعوب خاطئاً وبشكل مطلق، فهامش غير المتوقع قد يرتفع مع الوقت، كما يتكئ اليائسون على هذا الأمل الأخير، ذلك لأن الكاسب والخاسر، في هذه المجتمعات المتحضرة، عليه أن يعمل بإخلاص لإنجاح فرصة الكاسب التي اختارتها له غالبية الشعب، كما دعت هيلاري كلينتون في كلمتها مؤيديها المصدومين بهزيمتها أمام منافسها ترامب.
لكن هذا لم يمنع المراقبين والمحللين من البحث في هذه الظاهرة التي تكررت مرتين هذا العام، إذ أصبح انصياع هذه الغالبية باطمئنان لما يبدو مفزعاً لغيرها، يثير مخاوف عالمية على مستقبل الديمقراطيات وشعوبها. وكان ما يسمى بـ «سياسة ما بعد الحقيقة» هو المتهم الأول من وراء «تضليل» هذه الشعوب.
وسياسة ما بعد الحقيقة وتسمى أيضاً «سياسة ما بعد الحقائق» هي الاعتماد على مخاطبة مشاعر الناخبين أكثر من تزويدهم بالحقائق، ويذهب البعض إلى تكرار معلومات خاطئة حتى يظن من يسمعها أنها صحيحة، ومن المعلومات التي باتت تُستخدم وكأنها من الحقائق، في المثال البريطاني، ما أٌعلن عن أن بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي يكلّفها 350 مليون جنيه إسترليني أسبوعياً، وعلى رغم عدم وجود سند لذلك عندما حاولت محطة «بي بي سي» التأكد منه لإعادة نشره في أخبارها، وظلت هذه المعلومة الخاطئة تتكرر حتى ثبتت في ذهن العامة كحقيقة. وبشكل مشابه في المثال الأميركي فإن 70 في المئة مما كان يذكره الرئيس ترامب في خطبه كان كذباً، وذلك بحسب موقع «بوليفاكت» الفائز بجائزة بولتزر ونقلتها عنها صحيفة «نيويورك تايمز»، أما صحيفة «الجارديان» فقد رصدت 18 كذبة في موضوعات أساسية، كسياسات الإرهاب، وخطة الضرائب لمنافسته كلينتون، وخطة رعاية الأطفال، وموازنة الناتو، بالإضافة إلى أكاذيب عن حياته الشخصية وأمواله وإفلاساته.
في سبتمبر/ أيلول الماضي نشرت مجلة «أيكونومست» البريطانية موضوعاً عن «فن الكذب» وتطرقت إلى أسباب اعتبرتها قد مهدت لسياسة ما بعد الحقيقة من بينها «النظر إلى مساءلة المؤسسات على أنها قيمة ديمقراطية، وكذلك الشك في القادة على أنه خطوة نحو الإصلاح». وأفسحت المجال للتأثير لغضب الناخبين من استئثار النخبة لأنفسهم بالاهتمام وازدهارها على حسابهم.
وسياسة ما بعد الحقيقة ليس بالضرورة أن تكون محاولات لإقناع النخبة أو مؤيديها، بل قد يتم العمل على المتحيزين لموضوع ما لتعزيز تحيزهم كاللعب - في النموذج البريطاني - على رفع مخاوف الناخبين من الخطر الأمني الذي كان سيسببه تدفق آلاف اللاجئين من البلدان الأوروبية، والعبء الذي سيشكلونه على الاقتصاد والوظائف.
وما ساعد على انتشار وهيمنة سياسات ما بعد الحقيقة، ثورة التواصل الاجتماعي حيث تنتشر المعلومات بسرعة كبيرة، ويصعب اتباع المعلومات الخاطئة بمعلومات تصحيحية. كما يشار إلى الكم الهائل من وكالات قياس الرأي والأبحاث التي من الممكن تأجيرها لإنتاج معلومات غير صحيحة؛ لكنها تصب في صالح من تعد لأجله.
المهتمون سيبحثون طويلاً في كيفية تشكّل الخيار الشعبوي، الذي ليس معلوماً إلى أين سيتجه بالبلدين المقترع على مستقبلهما، وسنتابع معهم عن كثب التطورات ونتحدث في مجالسنا عن هذه التحولات الخطيرة في الأنظمة الديمقراطية العريقة والحديثة، كما ننقد فيلماً سينمائياً لا نملك تقنيات إنتاجه.
أحد الأصدقاء الفيسبوكيين علّق ساخراً على رسالة نشرتها على حسابي بـ «الفيسبوك»، بعد إعلان نتائج الانتخابات الأميركية وفوز ترامب، قلت فيها: «إن الشعب الأميركي اختار ما يناسبه وعلى العالم أن يضبط إيقاعه بناءً على ذلك»، فعبّر الصديق عن دهشته لهذا الحماس الذي كنا نتابع به الانتخابات الأميركية، وكأنها انتخاباتنا.
أقول لهذا الصديق: «لأننا من ذوي الخبرة الطويلة فيما يسمّى بسياسة ما بعد الحقيقة، قبل أن تصاب بها الديمقراطيات الحديثة، وبنتائجها أيضاً، ولأننا متأثرون ولسنا مؤثرين، فإننا نتابع وبحماس قليل الحيلة، من الجانب الآخر من العالم، ليس جغرافياً فحسب وإنما حضارياً أيضاً، لنتلقى ملامح المستقبل كما يرسمه لنا المقترعون».
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 5184 - الثلثاء 15 نوفمبر 2016م الموافق 15 صفر 1438هـ
انا اتمنى الله يعطيني عمر واشوف انهيار بريطانيا بس
الله يعينكم ياترامب الكل يتكلم عنك بالتشائم وانت الي بتنظف المنطقة من الارهاب والي كان يصفقون لكلينتون طلعت صفويه هههه