العدد 518 - الخميس 05 فبراير 2004م الموافق 13 ذي الحجة 1424هـ

هوامير متنفذون يغزون سوق السمك

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

قال مفكر عربي أردني في أحد مقالاته الجريئة وهو يحكي عن هوامير المال العام وكيف يتعاطون بسياسة «التكويش» على طريقة غوار الطوشة «كل من ايده إله»: «المعاناة الحقيقية هي أن الوظائف الحكومية باتت من نصيب أبناء الوزراء وبناتهم، ورئاسة مجالس الشركات وإداراتها أصبحت في يد أبناء المسئولين، ورؤساء الوزارات المقالين. ولم تعد تبحث عن وظيفة أو عقد أجنبي أو مشروع استثماري إلا وتجد ابن المسئول يخيّم على رأسه وبرواتب مغرية... ولم تخلُ الأمور من الفضائيات وشركات التطوير والكمبيوتر، والاستثمار والوكالات الأجنبية والاتصالات التي سعت إلى توظيف من هذا النوع». (صحيفة «العرب» تاريخ 4/2/2004).

قبل العيد جاءني أحد الأصدقاء، وألمح إليّ ساخرا من وضعنا وفي يديه هامور كبير، فقلت له: ما أكبر هذا الهامور؟ من أين اشتريته؟ فقال هازئا بسخرية لا تخلو من ألم: اشتريت الهامور من عند الهامور! ضحكت وقلت له: ما تقصد من قولك هذا؟ فقال: هل تعلم أن هناك غزوا كبيرا من قبل متنفذين من ضباط ومسئولين حتى لسوق السمك؟ قلت له: كيف؟ قال: لقد اشتريت هذا الهامور من عند بائع آسيوي يبيع «الهوامير والسمك»، فقلت له: هل هذا ملكك؟ فقال: «لا، أنا يعمل لأجل أرباب شيخ كبير». سألت بعض البائعين عن ذلك، فقالوا لي: صح النوم يا حجي، الروبيان صار بسعر الذهب وعمليات التحويش ومزاحمة المواطنين الفقراء وصلت حتى إلى البحر، بل وصلت إلى درجة بيع البقل والخس والطماطم، خليها على الله... الناس ما عندها لقمة تاكلها والجشع وصل إلى درجة مزاحمة الناس في السمك وبيع الخضراوات والهوامير!

هنا ضحكت، فتذكرت قول ذلك المواطن من منطقة الحد لأحد الصحافيين: «لو ترفع كاشية من أية مؤسسة رسمية ستسمع الأرض تقول لحقوني»، لكثرة ما انتشر الفساد. ما يجري في سوق السمك من حديث يفوق الخيال طبعا. وأتمنى من كل شارٍ لهامور أن يسأل البائع: لمن هذا السمك؟ إلا إذا خاف على الرزق!

وسؤالنا يبقى مصيريا: ماذا بقي للناس؟ البحر يمتلكه متنفذون ومقسم على طريقة الكوتا، بحر الدير وسماهيج وزعت أراضيه، وأهل القرى ذاتها محرمون منه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المحرق. والبحر في المنطقة الغربية مصادر بأكمله، وبعضه بيع على شخصيات خليجية، وأهالي المالكية والهملة وكرزكان ينظرون إلى بحرهم من بعيد وهم يشهدون الفلل تتوسع يوميا ولا إسكان لهم.

البلدية نائمة منذ عامين، والقمامة تحولت إلى جزء من السياحة على شاطئ البديع. ذهبت مع أبنائي قبل يومين إلى شاطئ البديع لنشم هواء نقيا وإذا الصخور والأتربة وصور القمامة في كل مكان، فتساءلت: أين هو الوزير؟ فقلت ربما يكون مسافرا أو في إجازة، وعند نظري إلى كثرة التراب تذكرت غلاء مواد البناء، فقلت في خاطري: أين هو وزير التجارة؟ واستدركت: أنه ربما يكون هو الآخر في إجازة، وربما لا يعلم أيضا أن إقامة المعارض الاستهلاكية قبل العيد قد تؤدي إلى خراب بيوت الكثير من المواطنين التجار! لكن قلت: ربما الوزير في إجازة، فالتجار الصغار ضحية للكبار.

بعد ذلك قدت سيارتي نحو محطة «البنزين»، وهنا انقدح في ذهني سؤال ملحّ: لماذا كل الوزارات تُنتقد إلا وزارة النفط؟ ولماذا لا يعمل النواب على البحث عن معلومات واقعية عن هذه الوزارة وخصوصا أن الأسئلة كثيرة من قبيل: كم هو احتياطي البحرين من النفط؟ وهل توجد شفافية في معرفة كل صغيرة وكبيرة - وبالأرقام - عن وزارة النفط؟ وهل يوزع النفط بطريقة عادلة من أجل المصلحة العامة؟ لماذا لا يعمد النواب إلى تقديم أسئلة دقيقة عن النفط وعن سياسة هذه الوزارة وعن مسئوليها... إلخ، على أن يحصلوا على إجابات شافية لا إجابات إنشائية هلامية؟ وأتمنى أن تتم - أيضا - مساءلة الوزير محمد المطوع عن طرق التعيين ومعايير التعيين في الوزارات، وأن تسأل الدائرة القانونية عن قانونية ما يجري، فهل أن ما يقع من تمييز في مؤسساتنا الرسمية هو ضمن قاعدة الاشتغال أم الانشغال؟

أسئلة كثيرة تدور في خلدي وأحبّ ما لدي هي الوثائق والأرقام، فهي هوايتي العلمية المفضلة. صحيح أنني أحزن كثيرا عندما أرى أرقاما كتلك التي حدثت في التأمينات والتقاعد، لكن هي في الحقيقة توصل - علميا - إلى معرفة عمق الجرح ومدى اتساعه، وتذكرني هذه الفضائح بغبائنا الاجتماعي، إذ إننا مازلنا ننشغل بالأمور التافهة... خلاف على شارع وخلاف على مأتم، «نبكي على بصلة والبيْدر كله ملهوف!»

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 518 - الخميس 05 فبراير 2004م الموافق 13 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً