قبل أيام لفتني خبر في صحيفة «ذا تلغرف» البريطانية تحت عنوان: «The 15 countries that have gone unconquered the longest «. تفاصيل الخبر تشير إلى أن هناك 15 بلداً في العالم لم تُستَعمَر أو تُهيمِن عليها قوة أجنبية منذ زمن طويل. أقل تلك الدول هي البرازيل، حيث أنها تحرَّرت من السيطرة الخارجية منذ 194 عاماً، وأكثرها بريطانيا التي لم تُستعمَر منذ 950 عاماً.
ومن الأشياء اللافتة أن واحدة من تلك الدول الخمس عشرة هي دولة عربية بل وخليجية أيضاً وهي سلطنة عُمان، حيث لم تخضع لأيّ حكم أجنبي منذ 273 عاماً. ما يعني أنها متقدمة في التحرُّر من الهيمنة الأجنبية على البرازيل (التي يعود تاريخ تحررها من الاحتلال البرتغالي إلى العام 1822) وعلى كولومبيا وتشيلي والأرجنتين وسويسرا وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية والنيبال.
في ثنايا التقرير استوقفني ورود اسم مملكة بوتان ضمن القائمة. فـ بوتان لم يستعمرها أحد منذ العام 1634؛ أي منذ 382 عاماً. كما أن تحرّرها لم يكن هِبَة من المستعمر؛ بل جاء بعد معركة طاحنة، واستطاعت أن تحافظ على استقلالها منذ ذلك الأوان على رغم أن سكانها اليوم لا يزيدون عن الـ 700 ألف نسمة، ومساحتها الجغرافية لا تزيد عن 38 ألفاً و816 كيلومترا مربعا.
دعونا نستفيض في الحديث عن هذا البلد. شخصياً لم أزر بوتان؛ لكنني وقفت على مقربة منها قبل سنوات. كنت في زيارة لشمال الهند وتحديداً في أوترانتشال حيث يفصلها عن بوتان جمهورية النيبال. ويجمع كل هذه الدول ثقافة تمتزج فيها الديانتان الهندوسية والبوذية، واللتان تشكلان الهوية الثقافية لأغلب الشرق الأدنى، فضلاً عن الجغرافيا التي تتأزر بجبال الهمالايا العملاقة.
ذلك الحزام الجغرافي والثقافي يموج بين قوتين أساسيتين هما الصين والهند. وباتت السياسات الداخلية والخارجية لتلك الدول كالنيبال وبنغلاديش وميانمار وبوتان وسيرلانكا تتأثر بذلك التنافس. لكن، وعلى رغم ذلك الزحام استطاعت دول صغيرة في ذلك المحيط، أن تؤسس لنفسها شكلاً مستقلاً للحكم والإدارة، بمعزل عن تغوّل تلك القوتين أو وصايتهما.
فمثلاً جمهورية النيبال هي بلدٌ كان الحكم فيه ملكي منذ العام 1768، ثم تحوَّلت إلى النظام الجمهوري في العام 2008. حدث هذا على رغم مجاورتها الصين التي تُحكَم من حزب شيوعي واحد وفريد ولا تقبل التعددية السياسية، فضلاً عن تناغمهما في العقيدة البوذية الواحدة، إلاّ أن النيباليين قرروا وطبقوا مشروعهم السياسي المختلف عن الصين.
مملكة بوتان هي أيضاً قررت أن تُغيِّر من شكل حكمها. ففي ديسمبر/ كانون الأول من العام 2005، أعلن الملك (السابق) سينجاي وانغشوك أنه سيجري تعديلات على شكل الحكم في بلاده، ويُحوِّله من ملكيّة مطلقة إلى ملكية برلمانية، ونقل معظم صلاحياته لمجلس الوزراء. بعد ذلك الإعلان بثلاثة أعوام وتحديداً في مارس/ آذار من العام 2008 نُظِّمت انتخابات تشريعية حرة في بوتان.
كان ذلك حدثاً كبيراً في بيئة محافظة. ومن الأشياء التي تُذكَر في هذا المضمار أن تفكير الملك البوتاني كان أسبق حتى من مجتمعه الذي يحكمه. وقد صرَّحت الأحزاب الرئيسية في بوتان بذلك فعلاً، وأنهم تفاجأوا من قرار الملك جيجمي سينجاي وانجتشوك بتحويل الدولة إلى ملكية دستورية.
أيضاً تبدلت قناعات كثيرة في المجتمع البوتاني بفعل ذلك التغيير. فلم يعد القصر الملكي وعائلته صندوقاً مغلقاً أمام الناس، بل بات مفتوحاً أمامهم. وباتت أعراف العلاقات الاجتماعية تنساب بشكل أفقي وتأخذ شكلاً ممتداً بين الشعب البوتاني، كان أبرز تجلٍّ في ذلك التحوّل هو زواج الملك (الحالي) جيجمي خيسار وانجتشوك من جتسون بيما، التي لم تكن أكثر من مواطنة بوتانية ليس لها علاقة بالملك ولا بأبناء الذوات، بل طالبة جامعية من عامة الناس، لتصبح السيدة الأولى.
أتذكر أن الملك جيجمي المتخرج من أكسفورد، والذي تنازل له والده عن العرش قبل عقد، قال أمام حشد من الإعلاميين في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2011 عندما زُفَّ إلى جستون: «أنا سعيد. إنها إنسانة جميلة وذكية، بيننا قاسم مشترك كبير، هو حبنا وولعنا بالفن». لقد أدهش البوتانيون محيطهم الذي كان يعتبرهم خطأ بمثابة «جمهورية موز» أو حديقة خلفية للدول الكبرى في جوارهم، لكنهم أثبتوا أنهم مختلفون بتميّزهم وقراراتهم «الهادئة».
ومن الطرافة أن نقول بأنهم فاجأوا العالم حتى في كرة القدم. فهم الذين صنفتهم الفيفا كأضعف فريق رياضي في العالم (المرتبة 209 من أصل 209 من الفرق) استطاعوا في مارس/ آذار 2015 أن يهزموا فريق سيريلانكا المتمرّس، حتى قال مدربه إن فريقه «دفع ثمن الاستخفاف بـ بوتان. اعتقدنا أن منتخب بوتان سيكون صيداً سهلاً، إلاّ أن الأمور بَدَتَ مختلفة تماماً في الملعب. كانوا الفريق الأفضل واستحقوا الفوز».
بوتان التي لم يدخلها التلفاز إلاّ في العام 1999، ولم تصدر فيها صحيفة يومية سوى في العام 2008، تُوزَّع في المناطق النائية على ظهور الجياد، ولم يكن فيها سوى 12 ألفاً قادرون على القراءة حتى ثماني سنوات خلت، باتت اليوم مثالاً لقرارات التحديث الصلبة والحقيقية التي تحاكي الدول العريقة ولكن بحكمة وهدوء.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5178 - الأربعاء 09 نوفمبر 2016م الموافق 09 صفر 1438هـ
@
أستاذي الكريم مملكة تايلند لم تستعمر أيضا.. الله يحفظ بلاد سيام الحبيبه.
لا فضّ فوك هو تعليم وتصويب ولكن بصورة ذكيّة للبعض الذين طالعوا العالم بترهاتهم يريدون تزوير التاريخ الذي لا زال العالم يعيش آثاره .
مشكلة غباء البعض انهم يجلبون البلاء لأنفسهم بمحاولة انكار حقائق ساطعة كسطوع الشمس فيصابوا بمقتل في مصداقيتهم ويصبحوا كذّابين
خل النائب المثقّف والفهيم والفطحل الذي خرج علينا بإنكار استعمار البحرين لكي يصحّح بعض معلوماته هذا ان لديه معلومات
إضاءة
شُكراً للكاتب الأستاذ محمد، على هذه الإضاءة الوافرة و اللطيفة على (دولة بوتان) .. ونتمنى على أنظمة العالم الغير سويّة الإحتذاء بهم.
لا يستخفن أحدا عندما تتوفر الطهارة والإيمان أي طهارة النفس والإيمان القلبي السوي المخلوق يبدي شراكته مع مخلوقات من جنسه ليتوادوا ويتحابوا ويتقاسموا العيش سوية فأيما عبدا طغى وتجبر هلك والشواهد بالقرآن الكريم وتجارب الحياة لوقتنا القريب ناصعة شكرا لك ع الإسقاط الجميل أيها الكاتب الجميل
ألم تستعمر بريطانيا عمان؟
وتنسحب منها في نوفمبر 1971
لا لم تستعمرها بريطانيا ما جرى في ذلك العام هو تسلم السلطان قابوس الحكم بدل ابيه
إستعمرتها الجن