أسس الرئيس أوباما، الذي يغادر البيت الأبيض رسميا، في يناير/ كانون الثاني المقبل، مدرسة جديدة في التعامل مع العالم العربي، مفادها نقد نظامه السياسي بشكله السائد. وقد قلل أوباما بإصرار من التدخلات العسكرية في الإقليم للحد الأدنى، لدرجة أنه طلب من بعض أقرب وزرائه ومستشاريه الكف عن التحدث عن التدخل العسكري، إلا إذا جاء عبر وزير دفاعه. أوباما استمر في توجيه ضربات من طائرات بدون طيار في اليمن، وفي مناطق أخرى في الشرق الاوسط (العراق)، كما وعقد أكبر صفقة مع إيران بشأن السلاح النووي. لقد مارس أوباما تدخلا أقل كلفة وبلا تحمل مسئوليات من دون مشاركة أطراف أخرى رئيسية. وتمثل مقالة جيفري غولدبيرغ الطويلة في الأتلانتيك في أبريل/ نيسان الماضي وعنوانها «مبدأ أوباما»، والناتجة عن تعايش الصحافي مع الرئيس، جولة في غاية الأهمية لطريقة تفكيره. لقد أسس أوباما لمبدأ لن يخرج عنه الرئيس الجديد، هذا هو جوهر الأمر.
وتكشف المقالة، التي تكتسب أهمية خاصة في هذه المرحلة، كم ازدادت قيمة آسيا؛ بسبب التعليم والاقتصاد والتقدم بالنسبة للولايات المتحدة، بينما تحول الشرق الاوسط للمكان الذي يأتي منه العنف بسبب الايديولوجيات المتطرفة والأنظمة السياسية بما فيها الحليفة، في هذا هو أكثر رئيس أميركي حتى اليوم تداخل مع تعقيدات الحالة العربية وانتقدها بشدة. إن تحول الإقليم العربي لمزيد من العنف بعد التفاؤل الذي أثاره الربيع العربي بإمكانات التحول الديمقراطي، ثم الفشل الأميركي في ليبيا بعد تغير القذافي، أعطى أوباما نظرة سوداوية تجاه الشرق ومستقبله وأنظمته السياسية. وهذا بالتحديد جعله يعتقد بضرورة التركيز على قضايا ومناطق أخرى في العالم. لهذا فالرئيس أوباما من الرؤساء القلائل الذين تحدثوا بعليائية عن النظام العربي السياسي. هذه النظرة يمكن تعميمها بصورة أوسع لتشمل معظم صناع القرار الأميركي بما فيه الكونغرس بكل مكوناته، وهذا بالتحديد يفسر القوانين الأخيرة التي أقرها الكونغرس بشأن الحادي عشر من سبتمبر 2001. لقد تغيرت النظرة الأميركية للنظام العربي بصفته نظاما يفرز الأزمات والعنف وانتهاكات الحقوق.
ومازال النقاش مطروحا حتى اليوم بشأن عدم تدخل الولايات المتحدة في سورية بعد قيام النظام (قبل 3 سنوات) بتوجيه ضربة بالأسلحة الكيماوية لمناطق في الغوطة قرب دمشق، لكن ما وقع في سورية جاء بعد ليبيا والفوضى التي وقعت فيها، فقرار أوباما في سورية مثل تفاعلا مع البرلمان البريطاني الذي صوت على رفض التدخل، كما اكتشف أوباما ان الرأي العام الأميركي من خلال الكونغرس هو الآخر لا يريد التدخل. شعر أوباما قبل ساعات من قرار توجيه ضربة عسكرية أنه على وشك أن يقع في فخ. في سورية نجح الرئيس الأميركي في نزع السلاح الكيمياوي بلا أدنى تدخل، وانطلق من أن التدخل الروسي فيما بعد هو توريط لروسيا وإمعان في استنزافها.
أوباما البراغماتي تعامل مع مصر بعد انقلاب الجيش لمنع رهنها لروسيا ولعدم التأثير على إسرائيل، لكنه استقل عن إسرائيل والدول السنية الحليفة (كما يسميها المقال) بالكامل في صفقته مع إيران، وتعامل مع دول عربية شتى وفق ضرورات حفظ التوازنات في الشرق والتخفيف من العنف. لهذا دخل في حلف ضد الدولة «داعش» لكنه لم يكن في قيادة هذا الحلف. أوباما، وبخلاف بوش الابن، غير دور الولايات المتحدة كبوليس يحمل صفارة التدخل عند نشوب كل حريق. السؤال الأهم: كم سيبتعد الرئيس الجديد عن مدرسة أوباما وخاصة في ظل رأي عام أميركي لم يعد يشعر بأن التدخل العسكري المباشر في الشرق الاوسط مفيد.
لن يختفي أوباما عن الساحة، فهو أول رئيس ملون، وهو رئيس مثقف يقف على النقيض من رؤساء سابقين. لقد ترك أوباما بصمة تثير نقاشا في الشأن الخارجي بين مؤيد ومعارض. على الأغلب سيستمر ما أسسه أوباما عنصرا أساسيا ومحركا للسياسة الخارجية الأميركية.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 5177 - الثلثاء 08 نوفمبر 2016م الموافق 08 صفر 1438هـ
خلاص بوي مبدأ أوباما أصبح من الماضي البعيد راح يندفن وياه ولا أحد راح يتذكر أوباما نفسه حتي يتذكر مبدأه .