لا تمثّل التحديات المرتبطة بالتغيّر المناخي خطراً على دول دون غيرها، بل إنها تتصدّر قائمة المخاطر المهدّدة للتعايش والسلام العالمي المنشود على كوكب الأرض. الأمر الذي دعا برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى التحرك منذ العام 1979 لتنظيم أول مؤتمر بشأن المناخ في جنيف بالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وذلك لإيجاد الحلول الكفيلة بإنقاذ البشرية؛ إذْ كان لابد للطاقات البشرية العالمية أن تتوحّد من أجل كسب هذه التحديات، ثمّ كانت قمّة ريو الشهيرة أو قمة الأرض العام 1992 وهي قمة من أجل البيئة والتقدم في ريو دي جانيرو بالبرازيل.
ثمّ تسارعت وتيرة اللقاءات الدولية فأنشئفريق الخبراء الحكومي الدوليّ المعني بتغير المناخ (IPCC) في العام 1988 من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وينشر هذا الفريق منذ 1990، تقريراً تقريباً كل 5 سنوات.
وقد دقّ فريق الخبراء الحكومي الدولي في تقريره الأخير ناقوس الخطر، حين كشف عن الأثر لتغيرات المناخ على سطح الأرض والمحيطات، وتأثيراته المباشرة على انخفاض في الغطاء الثلجي، والفقدان الملاحظ لكتلة مهمة من الصفائح الجليدية، كما لاحظوا ارتفاع مستوى سطح البحر، وتركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي ما جعل العقود الثلاثة الماضية أكثر دفئاً من سابقتها، وأكثر دفئاً من جميع العقود السابقة، وجاء في التقرير الخامس للفريق: «من المحتمل قدوم موجات حرارة بشكل متكرر ومتزايد مع استمرارها لفترات أطول... ومع ارتفاع درجة حرارة الأرض، نتوقع أن نشهد المزيد من الأمطار في المناطق الرطبة حالياً، والعكس في المناطق الجافة».
وعلى ضوء تلك التقارير ومتابعةً لنتائجه، ينعقد سنوياًمؤتمر الأطراف COP، وهو مؤتمر دوليّ يسعى للمحافظة على توازن النظام البيئي لكوكبنا المهدد جراء ظاهرة الاحتباس الحراري التي لم يسبق لها مثيل بحسب الدراسات المنجزة خلال الخمسة وعشرين سنة الماضية.
في هذا السياق، تتنزلقمة مراكش 22 COP؛ حيث إنها تأتي مباشرة بعدقمة باريس 21 COP الشهيرة التي اعتمد فيها أوّل اتفاق عالمي بشأن المناخ بالإجماع، وخاصة بعد مصادقة الولايات المتحدة الأميركية والصين أخيراً على بنود الاتفاق، باعتبارهما أكبر دولتين متسببتين في انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراريّ، ما يعطي دفعاً قويّاً لتسريع نفاذ هذا الاتفاق. ويهدف اتفاق باريس إلى الحدّ من ارتفاع درجات الحرارة العالمية (أقلّ درجتين مئويتين مقارنة بعصور ما قبل الصناعة 1800م) وهو ما يتطلب خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 50 في المئة بحلول العام 2050 وبنسبة 100 في المئة بحلول العام 2100.
وتأتيقمّة مراكش 22 COP المنعقدة ما بين 7 و18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 لإجراء بنود اتفاق باريس؛ إذ سيواصل ما بدأه مؤتمر باريس 21 COP وينتظر أن يكون مؤتمر أفعال تترجم الكثير من المحاور المتفق عليها في باريس إلى أرض الواقع، من ذلك تقديم الأطراف لبرامج تشجع على الاقتصاد الأخضر، للاستفادة من فرص النمو وفرص العمل المرتبطة بها للحفاظ على استدامة نماذج التنمية لدينا، وتحسين فرص الوصول إلى التكنولوجيات الخضراء، وشروط استخدامها وتطويرها للحد من انبعاثات الكربون. ويربط مصطلح «الاقتصاد الأخضر» بين الاقتصاد والبيئة، ويُعرف بشكل عام بأنه نموذج جديد من نماذج التنمية الاقتصادية السريعة النمو، والذي يقوم أساسه على المعرفة للاقتصاديات البيئية، وهو يناقض نموذج ما يعرف بالاقتصاد الأسود والذي أساسه يقوم على استخدام الوقود الاحفوري مثل الفحم الحجري والبترول والغاز الطبيعي.
وكسابقيه من مؤتمرات الأطراف، يلعب المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية دوراً في توجيه قرارات المؤتمر؛ وذلك بدفاعه المستميت طيلة المؤتمرات السابقة عن قضايا الحدّ من آثار التغيرات المناخيّة، ونادى المجتمع المدني إلى تكثيف التضامن العالميّ للتحرّك من أجل إعادة صناعة نموذج جديد للبشريّة، يضمن للأجيال الحالية واللاحقة حقها العيش بسلام في هذا الكوكب. وقد تحرّك قطبُ المجتمع المدني لمؤتمر مراكش داخل القارة الإفريقية منذ شهر أغسطس/ آب الماضي من خلال جولات بين أكثر من عشر دول ليحشد المجتمع المدني الإفريقي للمشاركة القوية والحضور البارز في 22 COP بمراكش؛ ذلك أنّ القارة الإفريقية، كما الدول الجَزَرية، هي الأكثر عرضة للتهديدات المناخية.
كما تحرّكت القيادات الدينية قبل بضعة أيام من افتتاح الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف COP22؛ حيث اجتمعت مجموعة من القيادات الدينية والروحية والمفكرين والناشطين وممثلي المنظّمات العاملة في مجال مكافحة آثار تغير المناخ يوم 3 نوفمبر في فاس العاصمة الروحيّة للمغرب وذلك في إطار الطبعة الثانية لقمة الضمائر من أجل المناخ. وشكل هذا اللقاء مناسبة لنساء ولرجال يمثلون مختلف الخلفيات والحساسيات الروحانية من أجل المشاركة في حوار رفيع المستوى بين الثقافات الديانات بشأن قضية المناخ.
إن انعقاد هذا المؤتمر في المغرب يؤكد حرص دول الجنوب على أمن وسلامة هذا الكوكب، وهو إلى ذلك مناسبة لإبراز جهود المغرب فيما يتعلق بالتخفيض من التغيرات المناخية، خاصة بعد إطلاق «نداء طنجة»، وإعلان الملك محمد السادس، أن هدف بلوغ نسبة 42 في المئة من الطاقات المتجددة لسد الحاجيات الوطنية في أفق سنة 2020، قد تم رفعه أخيراً إلى 52 في المئة بحلول سنة 2030.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5176 - الإثنين 07 نوفمبر 2016م الموافق 07 صفر 1438هـ
ياريت المشرق يتعلم ويطور من المغرب والعكس، عندها لن نكون الدجاجة التي تبيض للغرب الإمبريالي. بالتوفيق للإخوة في المغرب العربي.
باختصار .. يا شعوب العالم اتحدوا .. فإنّ مستقبل الأبناء في خطر..
المحافظة على البيئة "فريضة" على كلّ إنسان.
الخطر داهم وسلاحكم الوحيد هو السلاح الأخضر
شكرا للأستاذ سليم أكتب يا أستاذنا
لعلّ الضمير العالمي يستفيق من سباته
كل التوفيق للأخوة المغاربة في التنظيم
نرجو أن يسود السلام هذا الكوكب ومن عليه