حذر أستاذ الموارد المائية بجامعة الخليج العربي وليد زباري أن الاستمرار في إدارة نهج الترابط بين قطاعات المياه والطاقة والغذاء في المنطقة العربية بشكل منفصل سيعرض الدول العربية للخطر وسيؤدي إلى فشل العديد منها في تحقيق هذه الأهداف وسيكون مصحوباً بتكاليف عالية جداً.
وقال خلال دراسة موجهة بالأساس نحو صناع السياسات ومتخذي القرار في قطاعات المياه والطاقة والغذاء في المنطقة العربية؛ أي الوزراء والوكلاء والمديرين التنفيذيين، تم تقديمها في اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء المياه العرب في جامعة الدول العربية، وأن جامعة الخليج العربي قامت بالدور الرئيس في الدراسة ممثلة لجميع دول مجلس التعاون بعنوان «ترابط أمن المياه والطاقة والغذاء في المنطقة العربية»، أن الدراسة شددت على ان هناك علاقة ترابط بين أمن المياه وأمن الطاقة وأمن الغذاء وهي علاقة وثيقة. وفيما يلي نص الحوار التي أجرته «الوسط» مع وليد زباري:
إلى ماذا توصلت الدراسة؟
- توصلت الدراسة إلى العديد من الاستنتاجات، وهي 6 موجزات للسياسات، خلاصة وتوصيات محددة وقد تكون الخلاصة الرئيسية للدراسة هي أن تطبيق تفكير ونهج الترابط بين قطاعات المياه والطاقة والغذاء في المنطقة العربية يمكنه أن يسهم بشكل كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية والتزامات الدول العربية في تحقيق اقتصاد منخفض الكربون وكفاءة الموارد، وبأن الاستمرار في النهج القطاعي في إدارة وتخطيط هذه القطاعات بشكل منفصل سيعرض الدول العربية للخطر وسيؤدي إلى فشل العديد منها في تحقيق هذه الأهداف وسيكون مصحوباً بتكاليف عالية جداً.
إذاً، إلى ماذا خلصت الدراسة؟
- الخلاصات تتمحور حول: أن العلاقة بين أمن المياه وأمن الطاقة وأمن الغذاء في المنطقة العربية هي علاقة ترابط وثيقة، أكثر من أي منطقة في العالم، وبأن علاقة الترابط هذه تزداد حدة مع الوقت في المنطقة العربية؛ بسبب زيادة الطلب على الموارد الطبيعية (النمو السكاني، تغير أنماط الاستهلاك، انخفاض كفاءة ادارة الموارد) وكذلك بسبب التأثيرات المتوقعة لظاهرة تغير المناخ.
كما أن أي محاولة لتحقيق الأمن في أي من هذه القطاعات الثلاث بطريقة مستقلة وبدون الاخذ في الاعتبار المقايضات مع القطاعات الأخرى سيؤدي حتما لتعريض أمن القطاعات الثلاثة واستدامتها للخطر.
وهناك حاجة لإحداث تحول جذري في سياسات القطاعات الثلاث من إدارة العرض إلى كفاءة استخدام الموارد وإدارة الطلب والتحول نحو انماط استهلاك مستدامة، وتطبيق السياسات والتشريعات والأدوات الاقتصادية لضمان تلبية الاحتياجات الاساسية بأسعار مدعومة ومنخفضة وفي نفس الوقت فرض تعرفة تعكس الكلفة الحقيقية للاستخدام المفرط لهذه الموارد، وأخيراً ضرورة انشاء مجتمعات عربية تتسم بمعدلات انتاج كربون منخفضة وكفؤة في استخدامها للموارد.
وهناك خلاصات أيضاً، منها إن السلسلة تحتوي على 6 موجزات للسياسات يتطرق كل واحد منها إلى موضوع معين في هذا الموضوع الهام. الأولى تنظر إلى علاقة الترابط، والثانية إلى التحديات والمخاطر والفرص، والثالثة إلى الترتيبات المؤسسية المطلوبة لتنفيذ نهج الترابط، والرابعة تنظر إلى قدرة نهج الترابط في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والخامسة تتطرق إلى ما هو مطلوب لبناء القدرات لتطبيق نهج الترابط، والسادسة تطرح مجموعة أمثلة من الوطن العربي في كيفية تنفيذ الترابط من خلال مشاريع تقنية بواسطة القطاع الخاص.
توصيات الدراسة
وإن الدراسة تعطي توصيات عملية واضحة ومحددة لصانع السياسات والقرار حول ما يحتاجه لوضع السياسات والقرارات لتنفيذ الترابط على المستوى الوطني، مع توضيح ذلك بعدد من الأمثلة من الدول العربية التي حققت الكثير وخفضت التكاليف من خلال تنفيذ نهج الترابط بين القطاعات الثلاثة.
وإن موجزات السياسات «policy briefs» موجهة لصانعي السياسات ومتخذي القرار على مستوى الوزراء والوكلاء العرب والمنظمات العربية المختصة، يتم فيها توضيح علاقة الترابط الثلاثي بين هذه القطاعات الحيوية الثلاث، وأهمية اتباع تفكير ونهج الترابط في حوكمتها وإدارتها بشكل متكامل للتقليل من المقايضات بينها بحيث لا يكون تحقيق الأمن في احدها على حساب القطاعات الاخرى، وزيادة التآزر وتكامل السياسات فيما بينها لتحقيق استدامتها المشتركة. وكل ذلك تتم مناقشته في إطار أهداف التنمية المستدامة واتفاقية باريس لتغير المناخ، وإطار السنداي المتعلقة بتقليل مخاطر الكوارث التي تم إطلاقها جميعا والموافقة عليها من قبل دول العالم في العام 2015.
وكما أن موجز السياسات الأول بعنوان فهم ترابط المياه والطاقة والغذاء والمخاطر المصاحبة، وفيه يتم توضيح العلاقات المتداخلة ودرجة اعتماد القطاعات الثلاثة على بعضها بعضا والمخاطر الحالية والمستقبلية المصاحبة لهذا الاعتماد، وما هو مطلوب لتقليل هذه المخاطر على المستوى الاقليمي والوطني.
وان موجز السياسات الثاني يتطرق إلى التحديات والفرص التي تواجه تحقيق الأمن والاستدامة في كل قطاع من القطاعات الثلاثة وتركز على قضايا كفاءة الموارد وما يتطلبه ذلك من إجراءات وآليات لتحقيقه.
وان موجز السياسات الثالث يتناول موضوع حوكمة الترابط ودور المؤسسات لتحقيق نهج الترابط التكاملي بين القطاعات الثلاثة، ويقترح إصلاح المؤسسات الحالية لتستطيع مجاراة العلاقة المتبادلة والمتسارعة بين القطاعات الثلاثة ليس بالضرورة بإنشاء مؤسسات جديدة، وإنما من خلال تمكين المؤسسات القائمة حاليا وتعديل صلاحياتها.
وان موجز السياسات الرابع يبحث علاقة الترابط وكفاءة الموارد والتنمية المستدامة، ويتطرق إلى موضوع الدعم العام غير الموجه للقطاعات الثلاث، الذي يخدم الاغنياء أكثر منه الفقراء، ويعتبر من أهم أسباب انخفاض كفاءة استخدام الموارد في المنطقة العربية، ويطرح خيارات السياسات العامة المطلوبة في مجالات السياسات السعرية والتشريعية والتقنية والتوعوية.
وان موجز السياسات الخامس يتطرق إلى احتياجات بناء وتطوير القدرات لإدارة الترابط بشكل فاعل في المنطقة العربية وتم تقديم توصيات لتنمية القدرات على ثلاثة مستويات وهي مؤسسات القطاع العام، والمؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني، كما يتم في موجز السياسات هذا استعراض الأدوات المتاحة لمحاكاة الثلاثة قطاعات ونمذجتها وتحليل العلاقة بينها للمساعدة في اتخاذ القرار.
وان موجز السياسات السادس يقدم دراسات حالة في التقنية والابتكار للترابط من مختلف مناطق الوطن العربي، وتشمل أنظمة الطاقة المتكاملة لمياه البحر والزراعة في الإمارات وعمان وقطر، وتوليد طاقة الرياح في المغرب، واستخدام الطاقة المتجددة لمعالجة مياه الصرف الصحي في الأردن، وتحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية في السعودية، وانتاج الطاقة من المخلفات الزراعية في السودان، وانتاج الطاقة من مرادم النفايات البلدية الصلبة في لبنان. ويبين أهمية تبني هذه التجارب الرائدة والارتقاء بها وتكرارها على مستوى الوطن العربي، كونها تمثل أحد اهم الخيارات المستقبلية لتوسيع قاعدة الموارد الطبيعية.
ماذا بعد؟
- لقد وضعت الدراسة العديد من التوصيات التي يجب القيام بها لتطبيق نهج الترابط في مجال فهم الترابط، ومواجهة التحديات وتحويلها لفرص، والترتيب المؤسسي المطلوب لتطبيق نهج الترابط، والخطوات المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة واتفاقية باريس لتغير المناخ من خلال نهج الترابط، وبناء القدرات سواء للتنفيذيين أو الاكاديميين أو القطاع الخاص، وفي كيفية تحفيز القطاع الخاص للمساهمة في تطبيق نهج الترابط. وعلى الدول العربية منفردة أن تعول على الجوانب الوطنية والعمل على الجوانب المشتركة الإقليمية، فمثلا الترتيب المؤسسي هو شأن محلي على الدول النظر إليه، بينما التدريب وبناء القدرات في مجال الترابط سيكون أكثر جدوى لو تم التعامل معه كشأن إقليمي وبشكل مشترك على مستوى الدول العربية.
وحالياً هناك دراسة معمقة تنظر إلى الترتيب المؤسسي وبناء القدرات المطلوب على المستوى الوطني في ثلاث دول هي: مصر والأردن والمغرب، وتحاول المساهمة في وضع الترتيب المؤسسي الافضل لتنفيذ نهج الترابط، وهذا لا يعني إنشاء وزارات جديدة للترابط وإنما إيجاد آليات التنسيق وتعزيز التعاون بين هذه القطاعات الحيوية الثلاث.
التغير المناخي... أزمة
ماهي نسبة الترابط بين العلاقة بين أمن المياه، الطاقة، والغذاء؟
- تبين موجزات السياسات أن العلاقة بين أمن المياه وأمن الطاقة وأمن الغذاء في المنطقة العربية هي علاقة ترابط وثيقة، وهي مرتبطة أكثر من أي منطقة في العالم، وبأنها تزداد حدة مع الوقت في المنطقة؛ بسبب زيادة الطلب على الموارد الطبيعية نتيجة النمو السكاني وتغير أنماط الاستهلاك وانخفاض كفاءة ادارة الموارد، ويضاف على ذلك تأثيرات ظاهرة تغير المناخ المتوقعة على المنطقة من حيث زيادة معدلات الحرارة وانخفاض معدلات الامطار. وتبين أن أي محاولة لتحقيق الأمن في أي من هذه القطاعات الثلاثة بطريقة مستقلة وبدون الأخذ في الاعتبار المقايضات مع القطاعات الأخرى سيؤدي حتما لتعريض أمن القطاعات الثلاثة واستدامتها للخطر، وبأن هناك حاجة لإحداث تحول جذري في سياسات القطاعات الثلاثة من إدارة العرض إلى كفاءة استخدام الموارد وإدارة الطلب والتحول نحو انماط استهلاك مستدامة، وتطبيق السياسات والتشريعات والأدوات الاقتصادية لضمان تلبية الاحتياجات الاساسية بأسعار مدعومة ومنخفضة وفي نفس الوقت فرض تعرفة تعكس الكلفة الحقيقية للاستخدام المفرط لهذه الموارد، وأخيرا ضرورة انشاء مجتمعات عربية تتسم بمعدلات انتاج كربون منخفضة وكفؤة في استخدامها للموارد.
كما تبين الدراسة ان تحقيق الأمن الزراعي ممكن إذا تم النظر إليه من منظور إقليمي بين الدول العربية وبناء على الميزة النسبية للدول، فمثلا دول مثل السودان والمغرب وسورية لديها الميزة النسبية في المياه والزراعة والمناخ الزراعي، ودول مثل مصر لديها الميزة النسبية في العمالة الزراعية ودول مثل دول المجلس وليبيا لديها الميزة النسبية في التمويل والطاقة، وإذا ما اجتمعت جميع هذه الدول في مشاريع زراعية عملاقة وعملت بنظام القطاع الخاص الكفء فإنها ممكن ان تحقق نسب كبيرة في الاحتياجات من المواد الأساسية للغذاء.
خطر المياه...
هل هناك خطر على المياه؟
- خطر تناقص المياه موجود حاليا، ولولا القدرات المالية وتوافر الطاقة في دول المجلس لما تمكنت دولنا من تلبية متطلبات سكانها وزراعاتها وصناعاتها المتنامية من المياه. ولذا فإن المحافظة على الطاقة هو أساس الامن المائي، وهذا ما تحاول هذه الدراسة إيصاله إلى صناع القرار وهو ان قطاع المياه هو مستنزف لقطاع الطاقة (وكذلك قطاع الزراعة مستنزف للاثنين المياه والطاقة)، وبأن المحافظة على المياه من الهدر واستخدامها بكفاءة سيؤدي إلى المحافظة على الطاقة في دول المجلس، وفي مملكة البحرين هذا الأمر يجب أن يأخذ أهمية أكبر عن دول المجلس الاخرى بسبب محدودية موارد الطاقة لديها.
مشاركات البروفسور وليد في مثل هذه المؤتمرات لها طعم خاص عن غيره من المشاركين، ودائما نراه يطرح المواضيع بشكل سلس وواضح يسهل على المستمع والقارئ تتبعها،
وكم تمنيت مشاركتي في مثل هذا الحدث المميز الذي يستهويني دائما، لولا عدم معرفتي بموعده ومكان عقده. وما أودّ إضافته لما تفضل به أخي د. وليد حول هذا الموضوع أن مثلث المياه والطاق ةوالزراعه ذي الأضلاع المتساوية في الأهمية والتي أصبحت مترابطة في دول مجلس التعاون ترابطا وثيقا، لن يتأتى حل معضلتها إلا بوقفة متأنية لأصحاب المعالي الوزراء المسؤولين.