هناك سؤال طُرح عبر القرون: هل على الأخلاق أن تتبع السياسة، أم أن على السياسة أن تتبع الأخلاق؟ في الحالة الأولى تكون المبررات السياسية هي التي تحكم المواقف والقرارات والقوانين، بينما في الحالة الثانية تكون القيم الأخلاقية هي الحاكمة للمواقف والقرارات والقوانين، حتى ولوكان ذلك على حساب منافع أو مقتضيات سياسية ملحة وضاغطة.
عبر تاريخ الفكر السياسي طرحت أسئلة فرعية كثيرة تنتمي لهذا الموضوع البالغ الأهمية.
فاذا كنا سنطلب من الفرد أن يعيش حياة أخلاقية فاضلة، فلماذا لا نطلب من الدولة وسلطاتها أن تعيش حياة أخلاقية فاضلة؟ وبالتالي، إذا كنا سنعتبر السرقة التي يقوم بها فرد قضية أخلاقية، فإن المنطق ألا نقبل بأن نصف قيام أعضاء البرلمان بالسرقة قضية سياسية، ويصفها البعض بأنها فساد سياسي، في حين أنها رذيلة أخلاقية.
ولكن ينبري البعض بالقول بأن مشاكل السياسة ليست دائماً، ولا حتى جزئياً، نابعة من مشاكل أخلاقية، فلماذا إقحام الفلسفة الأخلاقية في حقل الفلسفة السياسية؟ ويذكرنا هؤلاء بأنه في حين أن الأخلاق تتطلب ألا يضار أحد في المجتمع لأي سبب كان، فإن الضرورات السياسية كثيرا ما تفرض التضحية بالبعض من أجل مصلحة الوطن. بل ويذكرنا بما يعرف في عالم السياسة «باليد الوسخة»؛ المتمثلة في ضرورة الكذب وإخفاء الأسرار، وأحياناً ضرورة التجسس على هذه الجهة أو تلك، وهي بالطبع ممارسات لاتقرُها الفلسفة الأخلاقية.
نحن أمام موضوع ليس بالأكاديمي ولا بالفلسفي كما توحي تلك المقدمة. إنه موضوع الساعة في أرض العرب، في هذه اللحظة التي يعيشها العرب. وهو موضوع يتحدى كتاب السياسة وممارسيها على المستويين الحكومي والمدني.
ذلك أنه باسم الواقعية، وباسم إعلان موت عصر اليوتوبيات والإيديولوجيات، يتخطُى البعض الخطوط الحمر القومية وتنقلب الحياة السياسية إلى ممارسات انتهازية لا تخضع إلا لمعايير النفعية والاصطفافات الطائفية والتحالفات مع الخارج. من هنا غياب المعايير الأخلاقية، إضافة لغياب المعايير القومية والأخوة الإسلامية والمسيحية، في التعامل مع السلطات الصهيونية في فلسطين المحتلة وأنظمة استخباراتها.
من هنا أيضاً التأييد بالمال والسلاح والتدريب لقوى تكفيرية تستبيح لأغراض وتقتل الأبرياء وتشوه براءة الطفولة.
من هنا أيضاً التطبيق لأفكار ماكيافيلي الشهيرة التي شرعت بأن الغاية في السياسة تبرر الوسيلة، وسيلة المناورة البارعة اللا أخلاقية والتي يجب أن يكون هدفها الأساسي الحفاظ على الأمن والنظام، أي الاستقرار السياسي، حتى لوكان ذلك على حساب كرامة البشر وحقوقهم الإنسانية والعدالة في توزيع الثروة والسلطة والمكانة.
من هنا فاجعة ارتداد بعض المفكرين والمناضلين القدامى، ممن رفعوا رايات أحلام أمتهم في وحدتها وتحررها وعدالة مجتمعاتها، الذين تبنوا ما اعتبروها الواقعية العاقلة الناضجة، واللاأخلاقية في كثير من جوانبها، وبذلك خانوا أحلام وآمال أمتهم وخانوا ضمائرهم.
تلك، وغيرها كثير، ظلال قاتمة في مرآة الواقع السياسي العربي.
إنها انعكاس لأزمة أخلاقية ضميرية تسمح لأن تصافح الأيدي العربية من تلطخت أياديهم بدماء شعب العراق من أمثال طوني بلير وجورج بوش، وتسمح بأن يجلس بعض المسئولين العرب مع مجرمين صهاينة من أمثال نتانياهو، ممن قلبوا فلسطين إلى أرض الدماء والدموع والخراب والسجن الكبير.
هكذا تُتجاهل قيمة أخلاقية تتمثل في التعاضد الإنساني ويداس على قيمة أخلاقية وطنية تتمثل في الانتصار للأخ المظلوم والمنكوب. ويزيد من فداحة الأمر أنه في الوقت الذي يداس فيه على تلك القيم في أرض العرب تزداد الأصوات المطالبة بأخذها بعين الاعتبار وتفعيلها على الأخص بالنسبة لقضية فلسطين، وذلك عبر الكثير من بلدان غير العرب.
يستطيع الإنسان أن يتفهم ظروف العجز عند هذا النظام العربي أو ذاك، ويستطيع تقدير ضرورة استعمال أسلوب الأخذ والعطاء في الساحات الدولية، وبالتالي يستطيع الإنسان تفهُم عدم قدرة الأنظمة العربية على المقاومة والرفض بالنسبة لكثير من قضايا العرب. فالمآسي التي يعيشها العرب شلت الإرادة وأضعفت القدرات. لكن مالا يمكن فهمه هو حجم التخلًي، وتبرير ذلك التخلي، عن أقدس القيم الأخلاقية الفاضلة في التعامل مع الكثير من الملفات السياسية في وطن العرب باسم الواقعية وقلة الحيلة.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 5172 - الخميس 03 نوفمبر 2016م الموافق 03 صفر 1438هـ
في عالمنا العربي اكثر الكتاب و المثقفين و كذلك المفكرين والمتحدثين عن العدالة و الحرية و المساواة و تطبيق القوانين هم من يعمل عكس ذلك و لا حاجة لذكر الامثلة..
أوافقك هناك مثل يقول: الواعظ خلف المنبر يعمل خلافا لما يقوله فوق المنبر. تعودنا. لكن الأكثرية ينغشون فيهم.
الموضوع في قمّة التناقض:
ربما يقف برلمان بلد غربي وقفة رجل واحد لمجرد حماية كلب أو قطّة اصيبت على شارع او في مكان مّا او ضربها شخص مّا بقسوة وان كان ذلك دفاعا عن نفسه فتقوم الدنيا ولا تقعد في ذلك المجتمع.
بينما في نفس الوقت الذي تقوم حكومة هذا البلد مدعومة من شعبها بحرب ابادة وقتل وتشريد وتدمير لبلد آخر حتى تصبح مناظر البؤس بما لا يطيق الانسان رؤيته ولا ينكر ذلك الا ما نذر أي اشخاص يعدّون على الاصابع.
ولنا في ذلك أسوأ مثال الدول المتزّعمة للقرار العالمي
انا بناء. قبل البناء يجب فحص التربة لمعرفة إمكانية البناء علي الارض المقصودة. عندما لا ينشأ الأساس صحيحا لا يمكن التعويل علي البناء و التوقع بحسناته و فضائله.
الأساس الذي وضع عليه النظامين الاجتماعي و الاقتصادي علي الكرة الارضيّة تنتج و أنتجت ما توصلنا اليه اليوم. لا يمكن ان نتوقع انتاجا غير ما هو موجود و حاصل.
طالما هذين النظامين غير متغيران لا تتوقع اي تغيير في أية قيمة إنسانية او اخلاقية.