وصف الكاتب المغربي عبدالإله بلقزيز المرأة بأنها «آخر مستعمرات الرجل»، وقال «هذه حقيقة يعرفها الرجل؛ يتحسَّس وطأتها، ويتهيَّب نتائجِها. لذلك تراهُ يقاتل، على الجبهات كافة، لا يسلّم بخروج هذه (المستعمرة) من أملاكه، كي يمنع تحررها واستقلالها، أو كي يؤجل أحكام التاريخ فيه إن لم يستطع إلى إعدامها سبيلاً».
ويضيف بلقزيز: «.. قصة المرأة مع المجتمع الذكوري تزدحم بوقائع المعاناة، ومحنتها لا تقتصر مع دولة تتحيف ضد حقوقها، وتفرض عليها التمييز في المعاملة، وإنما كانت -ومابرحت حتى اليوم- مع مجتمع ذكوري ينازعها الحق في المساواة والمواطنة الكاملة، باسم الدين أو القانون أو العرف أو باسمها جميعاً...لا يتعلق الأمر بالتيارات المحافظة حصراً، بل حتى بتلك التي مستها رياحُ الحداثة بدرجات متفاوتة؛ حيث تبلع حداثتها كلما تعلق الأمر بحقوق المرأة».
ومنه لا يمكن الإضافة على قول بلقزيز البليغ؛ إلا بالتأكيد على أنه وفي سياق النضالات الحقوقية والسياسية التي مرت بها مجتمعاتنا العربية، ناضلت المرأة بشجاعة واقتدار نوعي لانتزاع حقوقها وكرامتها، وإن أوضاعها شهدت تطوراً كبيراً في كل الميادين الاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية والقانونية، بما اشتملت عليه من سنّ قوانين المساواة وتكافؤ الفرص وحصولها على حق المشاركة السياسية، والتموقع في مواقع صنع القرار، وزيادة منسوب مساهمتها في النشاط الاقتصادي والنشاط العام بالمجتمع، كما برعت في نضالها التشريعي والقانوني.
بالطبع عوامل كثيرة متداخلة ومتشابكة ساهمت في ذلك التطور والتحديث، سواء أكان ذلك بانفتاح مجتمعاتنا المحلية على العولمة وثورة الاتصالات، أم بتأثير من الثورات الوطنية وما أحدثته الضغوط الخارجية، ومشاريع الدمقرطة، وما رافقها من زخم الفعل السياسي والجماهيري الذي ساعد بهذا الشكل أو ذاك في خلق بيئة تحفيزية للحركات النسائية الحقوقية، التي عززت من مطالباتها النوعية وبأوزان كبيرة؛ كالمطالبة بالمشاركة السياسية، أو بسن التشريعات والقوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية، وتجريم ممارسة العنف والتمييز ضد النساء، أو بمنح الجنسية لأبناء المرأة المواطنة المتزوجة من أجنبي، فضلاً عن التوقيع على الاتفاقيات الدولية التي جاءت لصالح المرأة، مثلاتفاقية مناهضة العنف والتمييز ضد المرأة «السيداو» ورفع التحفظات عن بنودها، وتمكينها عبر اعتماد منظومة قانونية وتدابير عملية لهذا التمكين، إضافةً إلى المطالبة بالتزام الدول في تحقيق الأهداف الألفية وغيرها.
النضال يحقق المكتسبات
بالتأكيد لم تأتِ المكتسبات من فراغ، فثمة نشاط دؤوب، وتصميم عن قناعة راسخة بضرورة أن تتحقق للمرأة مكانتها وحقوقها، التي ساهمت فيها عمليات النضال والحملات الوطنية، وما قامت به المنظمات النسائية في الدفاع والتعبئة والتحشيد والاحتجاج والحماية والتوعية والمطالبة المستمرة بالإنصاف وبالحقوق، وحتى بالتفاوض في إطار النضال السياسي، والتحولات المجتمعية الذي انعكس على تطور مطالبات النساء العربيات، لاسيما في الملفات القانونية والتشريعية المعززة لمشاركتهن في العملية السياسية، ومواقع صنع القرار.
ومما رسخ تلك المطالبات، القناعة الراسخة بعدالة قضايا النساء، ومعاناتهن في ظل المتغيرات الدولية التي دفعت باتجاه تعميق مشاريع الاصلاحات السياسية والاقتصادية، وتمكين المرأة في جميع المجالات، فجاءت المخاضات لصالح حصولهن على حزمة من الحقوق، التي اعتبرها المراقبون والباحثون قفزةً نوعيةً باتجاه تكريس مكانة المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق السياسية والاقتصادية، وباتجاه القضاء على ممارسة العنف عليها والتمييز ضدها.
ومع كل هذه التطورات والمكتسبات التراكمية المتحققة، وبالذات القانونية منها والتي جاءت استجابة لاحتياجات الارتقاء بواقع المرأة ودورها في المجتمع، تبقى فئات عريضة من النساء العربيات يعانين من فجوة عميقة بين المتحقق وبين تطور الواقع العملي الذي تعيشه النساء، سواء على مستوى الإقصاء والتهميش وممارسة العنف عليهن أو التمييز ضدهن وغياب الفرص أمامهن، بل وبتأنيث الفقر الذي أصبح ملازماً لقطاعات كبيرة منهن بسبب الحروب وتصاعد الاضطرابات، وما أدت إليه من استغلال وإكراه وتهجير.
لا ريب أن هناك فجوة عميقة ومساحة واسعة لا نجيد الكشف عنها، وتعريتها بالحديث عن تفاصيل الواقع، الذي ترزح تحت وطأته النساء، وبين النصوص القانونية التي تمس حقوقهن، وهذه الفجوة تشكل ثقباً أسود تتفاقم من أسف مع استمرار مظاهر تدني الوعي بالتمييز ضدهن، وبنواقص حقوقهن القانونية، خصوصاً في أوساط فئات عريضة من النساء تعانين من ممارسة العنف والقهر، وانتهاك الحقوق والتمييز واللامساواة التي تعتبر في مجملها مرتكزاً أساسياً من مرتكزات التربية والتنشئة الاجتماعية، التي تأخذ أبعادها وأشكالها من مرجعيات عدة، يأتي على رأسها الثقافة السائدة، والدين ومنظومة البنى التقليدية ومؤسساتها كـ»القبيلة والأسرة» بكل عاداتها وتقاليدها وأعرافها التي يعاد إنتاجها وإحياؤها بما تفرضه من قيود وإكراه في إطار علاقة محددة بضوابط القيم ومعايير الأعراف.
تحديات
اليوم يبرز مشهد مجتمعاتنا المحلية، وهي تتأرجح في مراحلها الانتقالية بين أوضاع متناقضة في عملية التحول والاندماج الذي يفرضه الغرب والولايات المتحدة والمؤسسات الدولية، فهي بين مطرقة قيم الحداثة ومتطلباتها ومستوجباتها في تحقيق الديمقراطية من جهة، ومن جهة أخرى بين المقاومة ورفض التعامل مع مقتضيات عملية التحول والاندماج وبما يحفظ مصالح بلداننا وسيادتها، التي صارت على المحك في مواجهة التدخلات، والاختراقات، والهزات الاقتصادية، والاضطرابات السياسية، والمتغيرات الاجتماعية التي تحدث بوتيرة سريعة، في ظل هشاشة الواقع، وأنماط الحياة الاستهلاكية والاحترابية، وانتشار الفساد والبطالة، والفقر وحكم الاستبداد، وانتهاك حقوق الإنسان.
إن قضايا تحرر المرأة وحقوقها وإدماجها في التنمية ليست بعيدة ولا منفصلة عن هذا الواقع، فهي لا تزال تموج وتعتمل في خضم التحولات والاندماج في إطار الاستقطاب الدائر بين دعاة التحديث، ودعاة التيارات المحافظة والمتشدّدة، التي لم يعوا بعد حقيقة مخاطر مشاريع التمزيق والتفتيت لبلداننا، واستغلال منافذ الضعف والخواصر الرخوة التي يتمثل أحدها في انتقاص حقوق المرأة، حيث تأخذ هذه القضايا حيزاً مهماً لا يمكن إغفاله، في سياق قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، وقضايا المواطنة، والحريات السياسية للمواطنين وسواها. فقد شكّلت هذه القضايا وغيرها في بعض المجتمعات أساساً ارتُكز عليه في دك الحصون المنيعة، وتفكيك الأسس الثقافية والأيديولوجية لبنيتها، ووضعها في مواجهة مع سياسات الولايات المتحدة ومشاريع الغرب، الذي غدا يطالب بإلحاحٍ، بضرورة أخذ مسار الحكم الصالح، وتجسيد مشاريع الاصلاح، بفتح الحوار، وإطلاق الحريات السياسية والاجتماعية وحرية التعبير، والصحافة، وتمكين المرأة ومنحها حقوقها كاملةً غير منقوصة. فهل يعي الجميع مستوى التحديات، كلٌّ من موقعه؟ فالمرأة في عالم اليوم لم تعد «مستعمرة»، وحقوقها لم تعد ملكية خاصة.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 5171 - الأربعاء 02 نوفمبر 2016م الموافق 02 صفر 1438هـ
⬅️زائر ٢ هذا اللي تعلمته من الشرع ؟! محد خارب المجتمع الا هالافكار ...... الله يساعدكم
المرة مكانها البيت فقط تطبخ وتسبح الجهال وتلبسهم للمدرسة وفي الليل لزوجها
استقلالية المراءه ماديا اهم شيئ حتى لاتكون فريسه للزوج المتنمر والذي يراها ضعيفه وتحت رحمته اذا اراد وهبها واذا لم يرد اذلها