مع الأزمات التي عصفت بكيان مصرف واحد على الأقل وقضت على سمعة مصرفين خلال العامين الماضيين والمساعي تتوالى لانقاذ ما يمكن انقاذه من هذه السمعة التي تصب في النهاية في سمعة البحرين كمركز مالي مرموق، يتأمل المراقبون في أسباب انهيار هذه المصارف فيظهر عنصر الافتقار الى الشفافية عاملا قويا من بين جملة من العوامل التي أدت مجتمعة الى بلوغ الأمر الى الدرجة التي بلغها في النهاية.
فعلى رغم صرامة القوانين والانظمة التي تنظم قطاع المال في البحرين والمشهود لها عالميا، فإن القرارات الخاطئة التي اتخذها المخالفون في هذه المصارف لو أنها انكشفت - بقليل من الشفافية - للسلطات النقدية من جهة وللمساهمين من جهة أخرى ليكون لهم الخيار في قبول القرارات المخالفة للأنظمة والمحتاجة إلى الستثناءات للمضي بها لأمكن ذلك المساهمين في قول كلمتهم لما يرونه حماية أموالهم وربما كان بالامكان تحاشي ما بلغت اليه الأمور.
فعلى سبيل المثال اشتكى المساهمون في «بنك البحرين الدولي» من عدم معرفتهم بقرارات اتخذها المصرف مخالفة للقانون واستصدر استثناءات من أجل المضي في تنفيذها من مؤسسة النقد من دون علمهم مثل شراء شركة واحدة بما يعادل 40 في المئة من رأس مال المصرف في الوقت الذي لايسمح القانون باستثمار ما يعادل 15 في المئة من رأس ماله في شركة واحدة، ولم تكن هذه المرة الأولى اذ خسر المصرف 30 مليون في أزمة المناخ الكويتية بعد أن أقدم على قرار مماثل في وقت سابق، وقرارات أخرى مماثلة فوجئ بها المساهمون في المصرف اتخذها مجلس الادارة من دون الرجوع اليهم مع علم مؤسسة النقد.
وقبله كان «البنك البحريني السعودي» الذي تجاوز قرضا قدمه إلى عميل واحد الحدود التي تفرضها أنظمة السلطة النقدية وكان ما كان، ولايزال المساهمون والمهتمون وذوو العلاقة ينتظرون وسط تكتم شديد نتائج التحقيق.
في مفاوضات التجارة الحرة التي استضافتها البحرين في الأسبوع الأخير من يناير/ كانون الثاني الماضي قالت رئيسة الوفد الأميركي كاثرين نوفيللي ان «الافتقار الى الشفافية» يعتبر من أبرز الصعوبات التي ستواجه المفاوضات بين الطرفين.
ولكن التصريح الأميركي أثار حساسية كبيرة لدى المسئولين المحليين بما يكفي للمسارعة إلى الرد الفوري بنفي ذلك، مؤكدين أن البحرين تتمتع بدرجة عالية من الشفافية وأنه لا توجد لدينا أية مشكلات بهذا الخصوص.
ومن الواضح أن هناك تفاوتا كبيرا في ثقافة الافصاح بين الطرفين ففي أميركا تعتبرالشفافية اجراء روتينيا ولابد من أن تعقد جلسة استماع عامة لكل الأنظمة والقوانين قبل اتخاذ أي قرار بشأنها، وهذا ما لم نسمع به في البحرين سوى عند زيادة أرقام الهواتف كما لم تكن تلك الجلسة في الحقيقة جلسة استماع الى آراء بقدر ما كانت للاعلام بالشيء اذ كان القرار قد اتخذ في ذلك الوقت ولم يكن للآراء المعارضة أي مكان.
من المهم أن يعرف المسئولون أن التصريحات الايجابية التي تعطي ايحاء بأن الأوضاع وردية هي تصريحات مضللة لرجل الشارع الذي يسمعها والمصيبة أكبر اذا صدقها صانع القرار ولم يعد يرى أية مشكلة بحاجة الى الاصلاح
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 517 - الأربعاء 04 فبراير 2004م الموافق 12 ذي الحجة 1424هـ