لفترة غير بعيدة، وربّما إلى الآن، لا يزال الكثير من الأشقّاء العرب في المشرق ينظرون إلى أهل المغرب العربيّ، وتحديداً تونس والجزائر والمغرب، على أنها دول فرنكوفونية يتحدّثون الفرنسية ولا يتكلمون العربيّة إلاّ قليلا؛ ذلك أنّ السياسات الاستعماريّة الثقافيّة، ولا سيما في الجزائر حيث سعى المستعمر الفرنسيّ إلى فرنسة البلاد وتغيير هويّتها على امتداد عقود الاستعمار.
لكنّ هذا المغرب العربيّ أبى إلاّ أن يُثبت بالدليل تلو الدليل، أنّ هويّته إسلامية، ولغته عربيّة وبها يفتخر. وقد زاحم الأدباء والمفكرون في المغرب العربيّ نظراءهم في مشرقه، وتولّد عن ذلك زخم وثراء متنامٍ للثقافة والفكر والأدب العربيّ. وليس المجال هنا لاستعراض أسماء هؤلاء فهم كُثْر، وإنّما السؤال إلى أيّ مدى سيظلّ أهل المغرب العربيّ يؤكدون بالدليل تلو الآخر، تجذّرهم في هويّتهم العربيّة؟
منذ أسبوع طُوِيَت صفحة أكبر تحدٍّ لتشجيع القراءة لدى طلاّب المدارس في العالم العربيّ بمشاركة ما يناهز 3.59 مليون طالب وطالبة. في هذه النسخة الأولى من تحدي القراءة العربيّ ضربالطفل الجزائريّ محمد عبد الله فرح موعداً مع التاريخ والأرقام القياسيّة. يومها توّج الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربيّة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، المتسابق محمد عبد الله فرح (7 سنوات) من الجزائر والفائز بالمركز الأول في تحدي القراءة العربي، متقدّماً بفضل المحاورة الشفهيّة وحضور البديهة وسلاسة التحدّث علىرؤى حمّو من الأردنوولاء عبد الهادي من مملكة البحرين.
وقد انتشرت فيديوهات تصوّر هذا الطفل الفذّ محمد فرح، وهو يتكلّم أثناء الطور الأخير من المسابقة وبعد التتويج وقد أبهر الجميع بلغته العربيّة السليمة وبطلاقة لسانه التي فاقت حدود التوقّع مع طفل في عمره ومن بلده؛ فقدّ سُئل في الحفل الختامي للتتويج عن الدافع للقراءة في هذا العمر المبكر جداً؟»، فردّ محمد فرح قائلاً: «أقرأ لأتعلّم وأنا تلميذ أحبّ القراءة كثيراً فهي ضروريّة لحياة فكريّة كالطعام الذي آكله والماء الذي أشربه والهواء الذي أتنفّسه. إنّها غذاء العقل والفكر وفريضة إسلامية وليست من الكماليات، كما قال الأديب عباس محمود العقاد».
لقد جاء محمد إلى المسابقة وهو يحمل هاجس بلده، هاجس إثبات عروبة شعب الجزائر، لذلك لمّا سئل عن شعوره بهذا التتويج في أوّل لقاء حصري له قال: «أنا سعيد بأنني فزت في هذه المسابقة وأهدي هذا الفوز لكلّ الشعب الجزائريّ والعربيّ، وفوزي بهذا اللقب تأكيد لقول الإمام عبد الحميد بن باديس:
شعب الجزائر مسلم
وإلى العروبة ينتمي
من قال حاد عن أصله
أو قال مات، فقد كذب
محمّد من حفدة الشيخ ابن باديس؛ طالب في الصفّ الثاني الابتدائيّ، قد قدِم من مدرسة زيادي بطو بمدينة قسنطينة التي تُعرف منذ القدم بأنها عاصمة العلم والمعرفة، وهي إلى ذلك مسقط رأس العلامة الجزائريّ الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس، رائد النهضة الفكرية والإصلاحيّة في الجزائر والوطن العربيّ ككلّ.
محمد عبد الله فرح هو واحد من الذين قال فيهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «لدينا في بلادنا العربيّة طاقات هائلة وعقول متميّزة وأجيال واعدة نُراهِن عليهم لمستقبل هذه الأمّة.» وأضاف: «إنّ تحدّي القراءة العربيّ هو رسالة من الإمارات بأنّ سلاح العرب كان وسيبقى المعرفة والعلم والفكر المنفتح». وقد تَمَثَّلَ الطفل محمد عبد الله فرح هذه الرسالة جيداً فصرّح قائلاً: «أرجو من الله تعالى أن يُعينني في فهم هذا العالم لأنشر الحب والسلام في كل شبر من هذه الكرة الأرضيّة».
«إنّ العالم العربيّ اليوم لا يعيش أزمة قراءة ومعرفة بقدر ما يعيش أزمة حوافز وبيئة إيجابيّة وعمل مشترك يتعاون فيه المسئولون التربويون وأولياء الأمور على تشجيع أطفالنا وطلابنا على استنهاض عزيمتهم وتوسيع مداركهم والإقبال على القراءة والمعرفة بشغف»، وبهذا الطرح وضع صاحب المشروع النقاط على الحروف.
لذا، نؤكّد أنّه حين تجتمع الإرادة السياسيّة المخلصة لماضي هذه الأمة وحاضرها ومستقبلها، وحين تلتقي النوايا الصادقة من مشرق هذه الأرض العربية ومغربها، وحين يخطط الكبير ويجتهد الطفل الصغير، حين تتهيّأ الظروف المناسبة... يتحوّل الحلم حقيقة ويصبح المحال ممكنا.ً
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5169 - الإثنين 31 أكتوبر 2016م الموافق 30 محرم 1438هـ
مقال جميل يصلح تحية للأخوة الجزائريين في يومهم الوطني 1نوفمبر من كل عام
لكنّ هذا المغرب العربيّ أبى إلاّ أن يُثبت بالدليل تلو الدليل، أنّ هويّته إسلامية، ولغته عربيّة وبها يفتخر.
يقول ابن خلدون في مقدمته ما معناه: "يبدأ الإبداع حيثما ينتهي الاطراب".
كيفية القراءة
شكرا استاذ على مقاللك لتحفيز جيل الشباب على القراءة . وكسر التشاؤم من حاضر ومستقبل القراءة عند نظر شبابنا. ولكن يجب تعليمهم في البداية ماذا يقرأون وليس كم يقرأون. تحياتي لك وللشعب العربي المغاربي وبالخصوص من تعلمت على يديهم من المدرسون التوانسة المخلصين
ذكرني هذا المقال بالراحل أحمد زويل رحمه الله، "الغرب يدعم الفاشل كي ينجح ... " ففي أوطاننا العربية يوجد الملايين من محمد عبد الله فرح .. يكفي فقط أن نوجه لهم عدسة الكميرا ونبتسم في وجوههم ...
شكرا لعائلة محمد عبد الله فرح التي سهرت على تربيته وشكرا لرؤى حمّو من الأردن وولاء عبد الهادي من مملكة البحرين. وكلّ الشكر لصاحب المقال الأستاذ سليم الذي وجّه قلمه لخدمة هذه البراعم القادمة على مهل.
حين تجتمع الإرادة السياسيّة المخلصة لماضي هذه الأمة وحاضرها ومستقبلها، وحين تلتقي النوايا الصادقة من مشرق هذه الأرض العربية ومغربها، وحين يخطط الكبير ويجتهد الطفل الصغير، حين تتهيّأ الظروف المناسبة... يتحوّل الحلم حقيقة ويصبح المحال ممكنا.ً
أحسنت