إن أكبر مرضٍ تعاني منه الأمة، هو السقوط الأخلاقي، الذي يجرّها إلى كل هذا الخواء والذل والتبعية والضياع والاقتتال.
لقد كانت الرسالة التي جاء بها النبي محمد (ص) لإنقاذ العرب وإخراجهم من متاهتهم تتمركز في «إكمال الأخلاق»، حتى عُرفت تلك الحقبة في التاريخ بزمن الجاهلية.
كانوا يتسلّقون البيوت من ظهورها، فأمرهم القرآن بإتيانها من أبوابها، وكانوا يطوفون بالبيت الحرام عرايا، يصفّقون ويصفرون، فذمّ تلك الحركات وأمرهم بالصلاة والدعاء، لما بهما من وقار وحفظ كرامة الإنسان.
كانوا يعيشون على السلب والنهب، تُغير القبيلة القوية على الضعيفة فتنتزع طعامها وتقتل رجالها وتسبي نساءها وتسترق أطفالها، فخلّصهم من كل تلك الأغلال، وأعاد دمجهم في بوتقة أمة واحدة، ذات مُثُلٍ وأخلاق وقيم. وفي بيئة فقيرة شحيحة الموارد، تتعرّض بين فترةٍ وأخرى لشح المطر وقلة المحاصيل ونفوق الماشية، تكون بحاجةٍ إلى نظام اجتماعي يضمن درجة عالية من التضامن، ولذلك ألزمهم بدفع جزءٍ من أموالهم، خمساً وزكاةً، فضلاً عن ترغيبه الدائم بالبذل في سبيل الله، وتحبيذه للصدقات سراً وعلانيةً، بالليل والنهار، ووعدهم على ذلك بجزيل الثواب.
الإسلام اهتم بنظام العدالة الاجتماعية، وأقام على أنقاض ذلك النظام الطبقي، أسس العدالة والمساواة، ودشّن نظام «الأخوّة» بين المهاجرين والأنصار، في العام الأول من إقامة الدولة الإسلامية بالمدينة المنوّرة. وهو الجانب الأقل حضوراً وأهميةً لدينا نحن المسلمين هذه الأيام.
إن الجانب الأصعب هو تغيير العقليات والنفسيات، حتى في تلك الفترة المبكرة من التاريخ، فكيف تقنع شيخاً بلغ من العمر عتياً، أنه مساوٍ في الحقوق مع شخصٍ كان يتخذه عبداً، ويعيش تحت وصايته لعقود؟ وكيف تقنعه بأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح؟ وكيف يتخلّى عن امتيازاته المالية وأبهته الاجتماعية ويعيش كأيّ فرد آخر في المجتمع، لا يرفعه غير عمله وكفاءته وقدراته الفكرية والعملية... وليس انتمائه العائلي؟
هذه أحد أسباب المعارضة الشديدة لما جاء به محمد (ص) من مبادئ، ظلّ يبشر بها ثلاثة عشر عاماً في بلدته مكة، كأنما كان يحرث في الصخر، حتى استجاب لها قومٌ آخرون في بلدةٍ تبعد حوالي خمسمئة كيلومتر، يقطعها المسافر القديم في خمسة أيام، فهاجر إليها ليقيم دولته التي بشّر بها. فليس من السهل أن تطالب شخصاً أو جماعة بالتخلّي عن امتيازاتها طوعاً، لصالح الشعب أو الأمة. وهو ما يفسر انحياز أشخاص مثقفين يخزّنون في عقولهم آخر تقاليع النظرية الليبرالية، ولكنهم ينحازون عملياً، وبلا هوادة، إلى الاستبداد.
في الستينات، شاركت الممثلة العالمية الليبرالية جين فوندا في المظاهرات المناهضة لحرب فيتنام فاقتيدت إلى السجن. وكذلك سُجن الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل لمعارضته الحرب العالمية التي كانت تشارك فيها بلاده. وحين طلب أحد الوزراء الفرنسيين المتملقين من الرئيس شارل ديغول أن يسجن كاتباً معارضاً، ردّ عليه: «إنه عار أن أعتقل كاتباً بسبب آرائه». أين هذه المواقف التي تفرض عليك الاحترام، من أولئك الكتاب الذين يدّعون الليبرالية، ويحرّضون على إغلاق الصحف التي لا تعجبهم، وسجن زملائهم، وإسكات كل من له رأي مختلف عن الرأي السائد في السوق.
إنها مسألةٌ ترتبط بالضمير والإيمان الصادق بالقيم والأخلاق.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 5168 - الأحد 30 أكتوبر 2016م الموافق 29 محرم 1438هـ
موضوع رائع سيد وفقك الله في كتاباتك .. طلب من اخوك هل من الممكن عمل دراسه عن الاقتصاد العالمي والبحريني بشكل خاص ونوعيه الناس للمخاطر القادمة من الانهيارات الاقتصاديه وماهي الخطوات المناسبه في رأيك أو المشاريع البديله التي يجب تداركها لتجنب الانهيار
عن أي مبادء تتكلم يا سيد هؤلاء اشترو مرضات المخلوق بسخط الخالق
المبادئ الاسلاميه تجعلنا لا نتعالى على احد ونساعد بعضنا البععض حتى اذا اختلفنا في الاراء لاان الاسلام دين الانسانيه
مسألةٌ ترتبط بالضمير والإيمان الصادق بالقيم والأخلاق.
مقال رائع
صدقت أيها السيد وكما روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله انه قال جئتكم بخير الدنيا والآخرة، لكن أمّته ليست بدعا من الأمم السابقة وكما اخبر القرآن بذلك واخبر النبي بذلك (لست بدعا من الرسل) وتكرار حديث حذو امته ص حذو الامم السابقة وحذو بني اسرائيل، وآية انقلاب الأمّة على أعقابها واضحة وتفسيرها هو ما يحصل الآن (انقلبتم على أعقابكم)
رسول السلام جاء بالسلام وجاءت أمته الآن للعالم بالقتل والذبح والتفجير
عاد ما ذكرت يا أستاذ قاسم إلا جين فوندا كشخصية تستحق الإحترام ولو تقرأ في سيرتها ترى مدى كرهها للإسلام والمسلمين وشعائرهم الدينية. يالله مع الخيل يا شقرا.
من ما صار يكره الاسلام في هالزمن بعد ما شافوا جرائم واغتصاب وقتل وسلب داعش والتكفيريين؟
هل هذه المقالة أستاذي الكبير هي رد علي ( وعد ) ومواقفها المترددة ؟؟
واضح السيد يقصد المتملقين والمنافقين وعديمي الأخلاق والضمير الذين يحرضون على الوطنيين وأصحاب الرأي الآخر.
طبعاً
وعملاء الأعداء والذين أن تمكنوا سيقتلون علي الهويه كما في العراق، ماذا تقول عنهم؟
هؤلاء يعتبرون مجاهدون تجب مكافأتهم
العملاء هم الذين ظلوا يقتلون العراقيين الأبرياء في الاسواق والمساجد والجوامع والمآتم على الهوية فقط لأنهم من مذهب معين، لمدة خمس سنوات خصوصا ايام الزرقاوي. هؤلا هم العملاء الذين خدموا اعداء الأمة ومزقوا الأمة.
احسنت استادى . فعلا انه السقوط الاخلاقى وخصوصا لد بعض ممن يدعون كتااب. بارك الله فيك وثبت الله قلمك لكتابة الحقيقه.