حدثان يرتبطان بقضايا النظافة العامة، تشير مفاصل إحداثياتهما إلى مشكلة ظاهرة المركبات المهجورة في الطرقات والأماكن العامة، ويجسدان في بُعد مضمون جوهرهما واقع التباين في ممارسة الرقابة المسئولة في ترشيد السلوك الاجتماعي في العلاقة مع النظافة العامة، أثارا اهتمامنا لارتباطهما بواقع أزمة النفايات، الحدث الأول يتمثل في زيارتنا في يوم الأحد الموافق 21 أغسطس/ آب 2016 إلى إحدى البلديات ومقابلتنا موظفي «إدارة مختصة في النظافة العامة» بهدف تسليم رسالة رسمية إلى البلدية بشأن ظاهرة المركبات المهملة والمركونة في المواقع الاستراتيجية، والشوارع والطرقات والأماكن العامة والمواقع السكنية، والسعي في البحث عن حلول للحد من هذه الظاهرة غير الحضارية، وعلى رغم ارتباط موضوع الرسالة الموجهة إلى المدير العام للبلدية باختصاصات الإدارة ذاتها، لم يجر استلامها وجرى توجيهنا إلى منطقة أخرى حيث المكتب الرسمي لمدير البلدية.
إن ما أثار استغرابنا في سياق تبادل الحديث مع موظفي «الإدارة المختصة» بشأن الموقف الإعلامي في شأن أزمة النفايات، عدم دراية موظفي الإدارة الذين تبادلنا الحديث معهم بما جرى تسليط الضوء عليه في التقارير الإعلامية وفي مقالاتنا بشأن أزمة النفايات، إذ يفترض أن يكون موظفو الإدارة على اطلاع في ما يجري تناوله في وسائل الإعلام بشأن مشكلة النظافة العامة التي تدخل في صلب اختصاصاتهم المهنية والوظيفية، للاستفادة من الحقائق والبيانات المرصودة والمرئيات المحددة في تشخيص الواقع، واتخاذ ما يلزم من إجراءات إدارية وقانونية لإزالة المخالفة، بيد أن ما هو مثير للاهتمام الموقف المهني الذي أشار اليه الوكيل المساعد للخدمات الفنية بوزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني المهندس إبراهيم حسن الحواج، إذ بين في سياق حديث جمعنا في أحد المجالس الاجتماعية المهمة أن «هناك اهتماماً بما يجري معالجته في مقالاتنا بشأن مشكلة النفايات والقضايا البيئية، ويجري إرسال المقالات إلى الموظفين المعنيين للاطلاع على ما يجري ملامسته، والاستفادة من المرئيات في بناء الإجراءات التنفيذية والتوعية البيئية».
الحدث الآخر يتمحور في التقرير الذي اطلعنا على حيثياته في صحيفة «الخليج» الإماراتية المنشور في يوم السبت 20 أغسطس 2016 ويحمل عنوان «بلدية الشارقة تشن حملة مكثفة على السيارات المهجورة» ويشير الخبر إلى أن «إدارة المركبات التابعة لبلدية الشارقة ضبطت خلال شهر أغسطس 784 مركبة مجهولة أهملها أصحابها في أماكن ممنوعة ضمن حملة مكثفة أطلقت للقضاء على ظاهرة المركبات المهملة» وبين التقرير أن «إدارة البلدية تسحب المركبات التي تقف في الأماكن الممنوع الوقوف فيها، ويعمل 12 مفتشاً على مدار 24 ساعة في 86 منطقة، بما فيها المناطق الصناعية لمراقبة وجود المركبات المهملة، من خلال مسح شامل لكل المواقع، ولا تعتمد فرق البلدية على التفتيش، بل على شكاوى الناس من خلال الخط الساخن وبلاغات مفتشي إدارة البلدية»، ويشير التقرير إلى أن «المفتشين يوزّعون بطريقة ذكية تضمن متابعة كل مناطق الإمارة. والتأكيد على اعتزام البلدية وضع خطة شاملة العام المقبل لتطويق المخالفات وتقليل نسبتها».
بلدية المنطقة الشمالية إدراكاً لما تمثله ظاهرة المركبات المهملة من أثر سلبي في تشويه المظهر الجمالي والحضاري للأماكن العامة والطرقات، أعلنت في يوم الإثنين (29 أغسطس 2016) عن البدء بتنظيم حملة بالتنسيق مع الإدارة العامة للمرور بإزالة السيارات المهجورة والسكراب بدءاً من منطقة سلماباد، ذلك ما جرى الإشارة إليه في الخبر المنشور في صحيفة «الوسط» بتاريخ 30 أغسطس 2016، ونرى أنه بعد مضي ما يقارب الشهرين على بدء الحملة، من المفيد أن تعمل الإدارة المختصة إجراء تقييم ومراجعة للإجراء المتخذ لتعزيز فاعلية الحملة.
ليس هناك خلاف على أن المركبات المهجورة في الشوارع والمواقع الاستراتيجية ظاهرة سلبية في حاجة إلى إجراءات مؤسَّسَة إدارياً وقانونياً، وذلك أخذاً في الاعتبار أن الظاهرة تتسبب في:
1. تشويه المظهر الجمالي والحضاري للمدينة والقرية والشوارع والطرقات ذات الأهمية الاجتماعية والاستراتيجية.
2. إعطاء صورة غير حضارية لضيوف مملكة البحرين من الطواقم الدبلوماسية والوفود الرسمية والسياح التي تزور المملكة من مختلف البلدان.
3. إعطاء رؤية سلبية لضيوف المملكة بشأن ثقافة مجتمعنا البحريني ومستوى التزام إدارة الرقابة والتفتيش في تجسيد قواعد الحفاظ على النظافة العامة.
الجميع يدرك أن ظاهرة المركبات المهجورة مشكلة تقلق الجميع، وتخل بقواعد الحفاظ على نظافة المحيط البيئي للإنسان، وتشكل مصدر خطر على الأمن الاجتماعي ويمكن أن تتسبب في:
1) حدوث الأضرار الصحية للمجتمع المحلي نتيجة تراكم المخلفات وبقايا الأطعمة التي تجلبها القطط من حاويات القمامة، وتجميعها أسفل المركبات ما يتسبب في تكاثر الفئران والصراصير وانتشار الحشرات الضارة بصحة الإنسان.
2) تزايد قطعان الكلاب الضالة التي تجد في المركبات المهجورة مخبأً لها، وتفاجئ الأطفال والنساء وكبار السن بهجمات غير محسوبة أضرارها الإنسانية.
3) تكون مصدراً للمخاطر الأمنية، إذ يمكن أن يتخذها مرضى المخدرات ومن شابههم مخبأً لأنشطتهم الإجرامية.
4) مصدر خطر على الأمن الاجتماعي، إذ ليس بعيداً أن تكون المركبات المهجورة بجوار المواقع السكنية سبباً في نشوب حريق واسع الانتشار يتسبب في حدوث أضرار بشرية ومادية واقتصادية مكلفة.
الواقع الذي جرى تشخيصه مؤشر يطرح جملة من الأسئلة في شأن واقع خطط العمل الإداري والرقابي والإجرائي في حل مشكلة المركبات المهجورة، فهل تنقصنا الخبرات والكفاءات المهنية الوطنية لتفعيل الرقابة والكشف عن هكذا مخالفات وتطبيق القانون وردع المخالفات القائمة؟ أم أن ما هو حاصل يمكن القول إنه يشير إلى أن هناك خللاً في العمل التنفيذي وفي آلية تفعيل الإجراءات لقمع حاﻻت عدم اﻻلتزام بقواعد القانون والنظام؟
نعتقد أن البحرين تمتلك من الخبرة والمقومات الإدارية والرقابية والكفاءات الوطنية، ما يكفي للعمل على تنفيذ برنامج رقابي وتوعوي للحد من ظاهرة المركبات المهجورة والمخالفات الأخرى مع الأخذ في الاعتبار الجاهزية المجتمعية في المساهمة الفاعلة في بناء وتعزيز واقع الرقابة الاجتماعية، للمساهمة في مكافحة هذه الظاهرة وردعها والحد من مخاطرها على الأمن الاجتماعي.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 5165 - الخميس 27 أكتوبر 2016م الموافق 26 محرم 1438هـ