تنشغل دوائر عربية عدة في منطقة الخليج كما في الدول العربية الأكثر استقراراً في تغيير الصورة المنتشرة في صفوف الرأي العام العالمي والغربي. هذه ليست مهمة سهلة؛ لأن تغير الصورة لا يقع بين متساوين في القوة والتأثير. كان يكفي للعرب، في السابق، إرسال المتحدثين الناطقين باللغات الفرنسية أو الإنجليزية ليتقبل الرأي الغربي والأوروبي لننجح في شرح قضايانا خاصة القضية الفلسطينية.
أما اليوم فلم تعد مشكلتنا مع الدول الغربية فقط، بل تحولت لمشكلة أكبر مع الإنسان العادي في الغرب والذي يؤمن بأننا كمسلمين وكعرب نستهدف حياته وأسرته ومطاراته ومطاعمه وشوارعه. هنا المعضلة الأخطر التي لا يمكن فصلها عن السعي لكسر الشرق والسيطرة عليه وتصفية حقوقه في المنظومة الدولية.
إن سعينا لكسب الأصدقاء لن ينجح إن لم نتعامل مع الرأي العام العالمي والغربي بصفته شريكا، وهذا يتطلب التعامل مع الأسئلة الحساسة التي تؤثر في واقع الدول العربية. بالإمكان القول إن إسرائيل تتحمل مسئولية عسكرة العالم العربي، لكن هذا لا يكفي للإجابة عن الأسئلة الكبرى. بلا التعامل في خطابنا السياسي بصدق مع مسببات العنف والتراجع العربي لن تصل رسالتنا للمجتمعات الأخرى التي لا يشترط أن تتوافق مع سياسات دولها الخارجية في كل مجال.
لقد استندت مدارس العلاقات العامة على التأثير على الآخرين، وسعت لبناء رواية تتضمن إخفاء لبعض المعلومات. لكن حالما يكشف التزييف والتمويه تضرب الصدقية. لقد تطور علم الإعلام والعلاقات العامة الجديد باتجاه تمكين الرأي العام المراد مخاطبته بالمعرفة والمعلومات. الهدف في هذه الحالة ليس التضليل والبرمجة، بل وضع أرضية لحوار مع الناس وإشراكهم في النقاش العام.
إن تقبل النقد الذاتي أساسي لنجاح العلاقات العامة ذات الطابع التشاركي، فلا علاقات عامة مؤثرة إن لم نستطع نقد أنفسنا، فالتسويق من قبل شركة أو حكومة أو دولة أو وسيلة إعلامية منفر للرأي العام. ويضيف إلى المشكلة أن دول الإقليم العربي وحواضره الأساسية في الإحصاءات العالمية من أقل الأقاليم احتراما لحرية الرأي، ولحقوق الإنسان، ولحقوق المرأة، وللعدالة، وللتنمية البشرية. هذا الانحدار، لا يشملنا لوحدنا، لكنه يأخذ مدى أخطر في المجتمعات العربية في العقد الأخير. سيكون لزاما علينا أن نقدم تفسيرا واضحا وصورة أوضح لكيف سنخرج من هذا الوضع الذي يشمل معظم الأقليم.
العلاقات العامة تتطلب الصدقية التي يمثلها حامل الرسالة، فحامل الرسالة بأهمية الرسالة، فمن الصعب أن يحمل الرسالة للرأي العام تاجر سلاح أو من عرف بالفساد أو التوجهات القمعية تجاه الآخرين والنقاد. فالرأي العام أكثر نقدية تجاه الدول وخاصة في ظل بروز اليسار العالمي في السنوات الأخيرة. بناء التوازنات الحقيقية مع الرأي العام الغربي تتطلب الأنسنة وإشراك المجتمعات المدنية والمثقفين في ظل إبراز دور الناس العاديين والبسطاء، وأحلامهم ودور برلماناتهم ومفكريهم وكتابهم في إنتاج الحريات والحقوق والحياة. سنجد الكثير من هذا أيضا عبر الشعر والأدب والمسرح والرواية والفكر والفلسفة والموسيقى. هذه كلها تحمل رسالة سلام تجاه الذات وتجاه الآخر.
يجب أن نتجه لكسب الشعوب في الغرب وهذا يتضمن مثقفيها وكتابها وفلاسفتها وأدباءها. بين هؤلاء نقاد كبار للسياسات الرسمية وللسياسات العسكرية والمالية، وبين هؤلاء من يستمع للمنطق ويحمل قيما إنسانية، وبين هؤلاء من ينتقدنا؛ لأنه يعلم أن تطورنا ديمقراطيا وإنسانيا سينعكس على السلام العالمي. إن هدف تغيير الصورة عبر بناء جسر مع الرأي العام العالمي يستحق بذل الجهود، فهذا الرأي العام بإمكانه أن يكون العامل المؤثر على البرلمانات العالمية في كل مكان، إنه ذات الرأي العام الذي أسقط حكومة أنثوني أيدن في نهاية حرب 1956 وأوقف حرب فيتنام، وتضامن مع ثورة الجزائر وتحدى سلوك الاستعمار في لحظات تاريخية مفصلية.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 5165 - الخميس 27 أكتوبر 2016م الموافق 26 محرم 1438هـ