قالت "هيومن رايتس ووتش" في بيان صحافي لها اليوم الخميس (27 أكتوبر/ تشرين الأول 2016) إن قوات أمن حكومة إقليم كردستان العراق تحتجز تعسفا رجالا وصبية من سن 15 عاما فأكثر، يفرون من الموصل والحويجة أثناء العملية ضد تنظيم "داعش". يجري احتجازهم في منشأة قريبة من مخيم ديبكة للنازحين.
وأوضحت أن الرجال والصبية الهاربين من المناطق التي يسيطر عليها "داعش" إلى مناطق حكومة إقليم كردستان، يجري احتجازهم لفترات بلا أجل مسمى، حتى بعد فترة الفحص الأمني الأولية التي تُجري قوات أمن حكومة الإقليم خلالها تحريات حول صلات محتملة تربطهم بداعش.
وقالت "يُحرمون من مقابلة المحامين، ويحتجزون لأسابيع في بعض الأحيان وإن كانوا غير مشتبه بهم في جرائم، بينما تجري سلطات الإقليم مزيدا من الفحوص الأمنية. السند القانوني الوحيد للاحتجاز بموجب القوانين الوطنية هو الاشتباه في ارتكاب الفرد جريمة ينص عليها قانون العقوبات، ولابد من مراعاة قواعد نظام القضاء الجنائي في ما يخص احتجاز الأفراد".
من جانبها، قالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش لمى فقيه: "احتجاز جميع الرجال والصبية فوق 15 عاما الذين يفرون من معاقل داعش، لاحتمال الاشتباه بارتكابهم الإرهاب، يعني تجاهل حكومة إقليم كردستان ضمانات سلامة الإجراءات القانونية في القوانين العراقية والقانون الدولي. يجب ألا يُحتجز أحد إلا للاشتباه في ارتكابه شخصيا نشاط إجرامي".
وقابلت هيومن رايتس ووتش 8 رجال و5 نساء هربوا مؤخرا من معاقل داعش وهم الآن في مخيم ديبكة للنازحين. قالوا جميعا إن بعد الفحص الأولي عند الحواجز الأمنية، حيث تم توقيف بعض الرجال، نُقل البقية إلى المخيم وفيه تم فصل الرجال والصبية من سن 15 عاما عن عائلاتهم واحتجزوا في منطقة محاطة بسور لإجراء فحص إضافي، يستغرق أسابيع في بعض الأحيان.
في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016، أعلنت الحكومة العراقية المركزية وسلطات إقليم كردستان – بدعم من تحالف دولي – عن بدء العمليات العسكرية لاستعادة السيطرة على الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، التي سيطرت عليها داعش في يونيو/حزيران 2014.
كما حاصرت القوات المُحاربة لداعش مدينة الحويجة، على مسافة 57 كيلومتر غرب كركوك و120 كيلومتر جنوب شرق الموصل، التي سيطرت عليها داعش في يونيو/حزيران 2014، وبدأت عمليات من أجل استعادة المدينة.
هناك ما يُقدر بـ 1.2 مليون مدني كانوا في الموصل وما يُقدر بـ 115 ألفا في الحويجة، وقت بداية العمليات. منذ بدأت العمليات، فر على الأقل 8940 نسمة إلى شمال سوريا، وإلى منطقة كردستان العراق ومناطق أخرى في العراق.
وأمد رئيس اللجنة العليا لتقييم التقارير الدولية والرد عليها بحكومة إقليم كردستان، ديندار زيباري، هيومن رايتس ووتش بتفسير لفحص قوات أمن حكومة إقليم كردستان للأفراد وعمليات الاحتجاز التي تديرها للأشخاص النازحين.
أكد تفسيره شهادات تم جمعها من نازحين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في ما يخص عمليات الفحص الإضافية والتأخير في تنفيذ إجراءات الفحص، لكنه أيضا شدد على التزام حكومة إقليم كردستان بحقوق الإنسان.
وقال زيباري إن جميع المهاجرين إلى مناطق حكومة الإقليم يُفحصون عند حواجز أمنية، حيث تتم مضاهاة بطاقات هويتهم بالمعلومات التي يتم جمعها من خلال هيئات الاستخبارات والأمن. لكنه أضاف أن القادمين من معاقل داعش يخضعون لعمليات فحص إضافية. أوضح أن بالنسبة لهؤلاء الأفراد "تتم الفحوصات الإضافية بمعرفة هيئات الاستخبارات والأمن والأجهزة الأمنية المحلية في المنطقة".
فيما يخص مخيم ديبكة، وبناء على مقابلات مع أشخاص نازحين، تعتقد هيومن رايتس ووتش أن إجراءات الفحص الإضافية تحدث في منشأة مسوّرة على مسافة أمتار من المخيم، والمستهدف بها هم الرجال والصبية من سن 15 عاما فأكبر.
لم يعرض زيباري إطارا زمنيا لمدة عمليات الفحص الإضافية هذه، لكنه أوضح أنه بعد مرور الرجال والصبية بالفحص الإضافي فقط، يُنقلون إلى مخيم النازحين. أقر بأن "بالطبع في بعض الأحيان قد تستغرق هذه العملية مدة طويلة بسبب كثرة أعداد النازحين الراغبين في دخول منطقة كردستان ومن واقع عملية جمع المعلومات المتكاملة حول الأفراد". لكنه شدد على أن "حكومة إقليم كردستان وقوات الأسايش الأمنية تبذل جهودا حثيثة لمراعاة المعايير الدولية لحقوق الإنسان أثناء عملية الفحص الأمني".
إذا تبين وجود أفراد يمثلون تهديدا للأمن، على حد قول زيباري، يُنقلون في ظرف 24 ساعة إلى محاكم خاصة تفصل في أمرهم. لكنه أقر بأن "في حالات قليلة، تأخرت الإجراءات القضائية الخاصة بالاشتباه بانتمائهم إلى داعش بسبب الأعداد الكبيرة من النازحين الذين يفرون من معاقل داعش ويرغبون في دخول منطقة كردستان. هناك سبب آخر للتأخير في مراكز الاحتجاز، هو نقص عدد أفراد الأمن للاضطلاع بأعمال الاستجواب بسبب نقص الموارد المالية".
السند القانوني الوحيد للاحتجاز في القانون العراقي هو الاشتباه الفردي في ارتكاب جريمة ينص عليها قانون العقوبات، وليس لمجرد تمثيل الفرد لخطر أمني محتمل من منطلق محل إقامته. لا يجوز احتجاز الأفراد إلا على أساس قواعد نظام العدالة الجنائية.
على سلطات حكومة إقليم كردستان أن تُخطر المحتجزين فورا بأية اتهامات منسوبة إليهم، وأن تسمح لهم بالطعن سريعا باحتجازهم أمام هيئة قضائية مستقلة، كما ينص القانون العراقي. لا يمكن احتجازهم ومحاكمتهم إلا للاشتباه في ارتكابهم جريمة، بحسب هيومن رايتس ووتش.
بموجب القانون الدولي، لا يمكن احتجاز الأطفال إلا كحل أخير ولأقصر فترة ممكنة. تنص المعايير الدولية على أن الأطفال المشتبه بتجنيدهم في صفوف داعش، أو استخدام داعش لهم، يجب أن يُعاملوا بالأساس كضحايا، مع السعي لتأهيلهم وإعادة دمجهم بالمجتمع، لا عقابهم.
وقالت فقيه: "نفهم الاحتياجات العملية للفحص الأمني، لكن احتجاز جميع الرجال والصبية من سن 15 عاما فأكثر، لمجرد معيشتهم في مناطق بعينها، يعد تمييزا. هؤلاء الضعفاء محرومون من الحماية الواجبة لهم". أضافت: "نظرا لما تعرض له هؤلاء الرجال والصبية بالفعل، فمن الواجب إجراء الفحص الأمني بشكل أسرع، وبطريقة تحترم حقوق الأفراد".