في ورشة تدريبية مهمة لبعض أعضاء إدارات الجمعيات الخيرية في البحرين بعنوان «تخطيط وتصميم المشاريع التنموية»، ضمن مشروع «سما للتنمية المؤسسية»، قدّمتُ مداخلةً وعرضاً بسيطاً عن مدى استفادة الجمعيات الخيرية من برنامج المنح المالية للمشاريع التنموية طوال العشر سنوات الأخيرة.
ما شجعني على الاهتمام بهذا الموضوع هو إحصائية استقيتها من دراسة ميدانية عن واقع الجمعيات الخيرية في البحرين نشرتها في العام 2014، تبيّن فيها أن47 في المئة من الجمعيات الخيرية التي وصل عددها إلى 104 جمعيات في بداية هذا العام، لم تستفد أبداً من المنح المالية المقدمة من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية عن طريق صندوق العمل الأهلي والاجتماعي، وذلك إما بسبب أن هذه الجمعيات لم تتقدّم بأي مشروع للفوز بإحدى هذه المنح؛ أو أنها تقدّمت، ولكنها لم تفز لأي سبب من الأسباب. 23 في المئة فقط من هذه الجمعيات حصلت على منحة واحدة، و30 في المئة من الجمعيات استطاعت الفوز بأكثر من مرة بهذه المنح.
الصناديق الخيرية التي تحوّلت إلى جمعيات خيرية في يونيو/ حزيران 2010 ومنذ تأسيسها في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات وحتى الآن، لم تكن آنذاك تحصل على أي دعم مالي مباشر أو إعانات من الوزارة، على رغم إلحاح إدارات هذه الصناديق والجمعيات لطلب المساعدة المادية لتغطية بعض مصاريفها الإدارية، ومنها إيجارات مقراتها كمثال. ولتلافي تحقيق مطالب الجمعيات الخيرية بدعم مالي مباشر، وضعت وزارة التنمية الاجتماعية منهجية جديدة في العام 2006، وذلك بتأسيسها صندوق العمل الأهلي والاجتماعي. وتعتمد هذه المنهجية على تقديم تمويل مالي لتنفيذ مشروعات تنموية تتقدم بها المنظمات الأهلية التي وصل عددها إلى 580 منظمة في بداية هذا العام، والتي من ضمنها الجمعيات الخيرية التي تمثل 18 في المئة منها تقريباً.
تُشكر الوزارة من دون شك على هذا الإجراء؛ ولكن يبدو أن المشكلة الرئيسة في عدم استفادة هذه المنظمات الأهلية بصورة أكبر، هو ضعف التمويل الذي يعتمد بصورة تامة على شراكة مجتمعية مع القطاع الخاص، وما يقدّمه من تبرعات وهبات لتمويل هذه المشاريع التنموية التي تركز أغلبها على التدريب وورش عمل وبرامج توعية وبرامج تأهيل فئات خاصة. وبدأ هذا التمويل في العام 2006 بمبلغ 110 ألف دينار استفادت منه 23 منظمة، ووصل إلى 300 ألف دينار في عام 2012 واستفادت منه 66 منظمة، أي بنسبة لا تزيد عن 11 في المئة من عدد المنظمات الأهلية. وكان على رأس الجهات المانحة، مشكورةً، شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) والبنك الأهلي المتحد، وبنك البحرين والكويت، ولكننا فهمنا أن هذا التمويل ككل قد تناقص بشدة في السنوات الأخيرة.
تقول الوزارة إن مجموع الدعم المالي المقدّم للمشروعات التنموية التي نفّذتها هذه المنظمات الأهلية من 2006 إلى 2012، أي خلال 7 سنوات، ما يعادل مليون وسبعمئة وتسعة آلاف دينار، ولكن لم تستلم الصناديق الخيرية والجمعيات الخيرية مجتمعة خلال هذه الفترة إلا 326 ألف دينار (33 ألف للصناديق الخيرية و293 ألف للجمعيات الخيرية)، أي ما يمثل 19% فقط من هذا المبلغ. وهذا لا يتناسب مع الدور الكبير الذي قامت به الصناديق الخيرية آنذاك وتقوم به الجمعيات الخيرية الآن من جهود كبيرة نحو مشروعات تنموية لتمكين فئات كثيرة من المجتمع بصفة مستدامة.
تمر المشاريع التنموية عندما يتم تقديمها للوزارة من أجل التأهل للحصول على المنحة، بعملية تقييم في المجال المؤسسي للمنظمة، وتقوم بذلك الوزارة وتخصّص لها 40% من التقدير الإجمالي للمشروع. وكذلك عملية تقييم المشروع التنموي نفسه من قبل لجنة فنية من عمادة البحث العلمي بجامعة البحرين، وتخصص لها 60% من التقدير الإجمالي. وتفوز المشروعات التي تحصل على تقديرٍ عالٍ بحصة مالية أكبر؛ ولكن تكمن المشكلة في ضعف التمويل، حيث أن الحصة النهائية الممولة للمشروع (المنحة) لا تتجاوز 30% من الميزانية المستحقة للمشروع، وعلى المنظمة مسئولية مواجهة النقص المادي وتحمل نسبة الـ70% المتبقية.
تؤكد الجمعيات الخيرية أن هناك صعوبات تواجهها عند تنفيذ مشروعاتها التنموية، وعلى رأسها ضعف التمويل المقدم من الوزارة لهذه المشاريع، وعدم كفاية الموارد المالية الذاتية لهذه الجمعيات التي تضطر لسداد النقص في تمويل تنفيذ هذه المشاريع من مواردها المالية الشحيحة. يضاف إلى ذلك عدم توفر مقرات مناسبة لدى هذه الجمعيات لإقامة هذه المشاريع، وضعف الإقبال من المتطوعين، وضعف التعاون من الجهات الحكومية المختصة والتسهيلات اللوجستية. وعلى رغم ذلك نجد أن هذه المنظمات ومن ضمنها الجمعيات الخيرية قد ثابرت وأعطت الكثير من وقت أعضائها الخاص، ومن جهدها لكي تقدّم لوطنها ومجتمعها البحريني خيراً كثيراً.
ولذلك تقع مسئولية مساعدة هذه المنظمات هنا على عاتق ثلاث جهات. فوزارة العمل والتنمية الاجتماعية التي تقع هذه المنظمات تحت مظلتها، مسئولة عن تمكين هذه المنظمات لكي تستطيع أن تواصل دورها الريادي في العمل الخيري التنموي. فإذا كانت الوزارة لا تستطيع توفير دعم مالي مباشر لهذه المنظمات كما هو الحال في معظم الدول الخليجية، فإنها مطالبة على الأقل بزيادة مبلغ تبرعها في صندوق العمل الأهلي والاجتماعي المموّل الرئيس لهذه المشروعات التنموية، والذي لا يتجاوز حالياً 100 ألف دينار فقط. يجب أن تعمل الوزارة وتجتهد أكثر في تأكيد تأسيس مبدأ الشراكة والمسئولية المجتمعية مع القطاع الخاص والعام من أجل تمويل هذه المشروعات التي تحقق أهداف التنمية في البحرين بجميع أشكالها. فهل يكفي أن تقوم ثلاث جهات مانحة فقط بهذه المهمة؟
أيضاً تفعيل المسئولية المجتمعية واجبٌ على جميع المؤسسات الكبيرة والمتوسطة. فأين بعض الشركات الكبرى مثل بابكو وبنوكو وبتلكو وفيفا وباقي البنوك التجارية والمؤسسات المالية المحلية والأجنبية الكبيرة التي تعلن عن أرباحها الخيالية أحياناً، وكبار رجال الأعمال البحرينيين والأجانب عن هذه المهمة الوطنية لتطوير وبناء الإنسان البحريني والبحرين عموماً؟
وأخيراً فإن على المنظمات الأهلية عموماً والجمعيات الخيرية بالذات، أن تحاول الخروج من نطاق العمل الرعوي الخيري إلى العمل التنموي المستدام، وأن تستثمر فرص وجود مثل هذه المنح وعدم تفويتها. عليها أن تزيد من جهودها في ابتكار مشاريع تنموية هادفة ومميزة، ومن رحم المجتمع البحريني؛ لكي تتقدّم بها لهذه المنح التي يجب أن تراعى فيها الوزارة احتياجات هذه الجمعيات لموارد مالية إضافية تعتمد عليها وتساعدها على تنفيذ مشروعاتها التنموية.
إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"العدد 5162 - الإثنين 24 أكتوبر 2016م الموافق 23 محرم 1438هـ
نجمع المنح المالية من الشعب والشركات ونسلمها للحكومة وهى تنميها وتطورها بمعرفتها سواء فى الرياضة أو فى السياحة أو فى الثقافة او أي مجال آخر تراه مناسبا للوطن والمواطن!.