لطالما تساءل كثيرون: هل للإيرانيين جماعات ضغط «لوبي» في الولايات المتحدة الأميركية؟! المؤيدون لذلك، يقولونه للتسويق المضاد دون أن يدركوا حقيقته. ومَنْ يرفضونه يعتقدون بأن الإيرانيين هم أعداء للأميركيين ولا تجمعهم علاقة دبلوماسية، وبالتالي هم يستبعدون هذا الأمر.
وبين هذين الرأين توجد مساحة كبيرة من الحقيقة من المفترض أن تكون مقبولة لدى الجميع دون عناد. ففي إدراك الأشياء لبرمجة السياسات ضرورة لا دخل للعاطفة فيها، وإلاّ أصبحت حياتنا مجرد كذبة كبيرة، لا نهتدي فيها إلاّ إلى السّراب. وهو أمر مُضر لأنه لا يمنحنا سوى الصورة الخطأ.
منذ سنوات، كنتُ أقول من الخطأ أن نعتقد بأن إيران هي مجرد دولة تديرها مجموعة «من العمائم، سُود وبِيض، يعتمرها كُهُولٌ لا يقل عمر أصغرهم عن السبعين، يركبون أعواد المنابر، ويخطبون كلامًا عامّاً، لا يصِفُ، ولا يشِف، يَبكون عليه، ويُبكون الناس منه، وفي يدِهم سبحة ويفتون للناس في ركوعهم وسجودهم». هؤلاء ليسوا وجه إيران الحقيقي ولا هم العقول التي تفكر فيه وعنه.
نحن لا نستنقص من أحد، لكننا نقول إن هؤلاء لا يفقهون وضع خطط لإنشاء مفاعل ذري، ولا أن يتفاوضوا مع 6 قوى عظمى، ولا يعلمون شيئاً عن تقنية صنع الصواريخ، ولا كيف يتمددون على جوارهم كدودة القز، ولا يدركون معنى إدارة 6 قوميات أساسية تقبع في 1.648.195 كم.
إذاً، مَنْ يدير الأمر؟! باختصار أن الفعل الحقيقي هو لعقل فارسي يرى عمقه من الأخمينيين والأشكنانيين والساسانيين في العصور الغابرة، وفي العصور المتأخرة من جوف آري لا يُبعده كثيراً عن الأوروبيين وتحديداً الألمان، وعن وهج التغريب الثقافي وقياداته في القرنين التاسع عشر والعشرين من ميرزا يعقوب خان وابنه، وتقي زادة وميرزا يوسف خان وفتح علي أخوند زادة وغيرهم.
ذلك التفكير جعل من إيران قادرة على التكيُّف مع مصالحها. ومن بين تلك المصالح هي المتصلة بعلاقاتها الخارجية، وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية، على رغم قطع العلاقات والصِّدام في الدبلوماسية القاسية من خلال العقوبات، بل ومن خلال حتى الصراع الاستخباراتي.
والجميع يعلم أن الأميركيين رصدوا نصف مليار دولار خلال حقبة بوش الابن لممارسة أنشطة تزعزع استقرار إيران. وقبلها وخلال الحرب العراقية الإيرانية دخلوا طرفاً مباشرة في حرب الناقلات وضرب مصافي النفط. لكن كل تلك الأمور لم تنته بقطع كلي في العلاقات ولو عبر وسيط.
تلك العلاقة التي جَمَعَت البلدين كانت تدفعها المصالح. فالأميركيون يرون بأن إيران بلد محوري في منطقة آسيا الغربية والجنوبية والصغرى، فضلاً عن الخليج العربي والطاقة والمياه الدولية. والإيرانيون يرون أن الأميركيين هم أكثر من نصف قوة العالم الاقتصادية والأمنية والسياسية، ولذلك تصبح الحاجة متبادلة لهما، كي يتقاسما أدواراً سياسية واقتصادية وحتى أمنية.
هذه العلاقة دفعت الإيرانيين أن يُنشئوا سياجاً على حدودهم الجغرافية، وفي نفس الوقت أبواباً على الأطراف الاقتصادية والسياسية لمصالحهم. جزءٌ من مزاليج تلك الأبواب لا تتحرك إلاّ من الضفة الأميركية حيث المفاتيح الأكثر إحكاماً. من هنا، أوجدوا مَنْ يُديرها لهم عن بُعد ومن داخل الأرض الأميركية، وهم ما باتوا يُعرفون بجماعات الضغط «لوبيات» تؤثر في صناعة القرار وتُميّله ببطء.
كيف صنع الإيرانيون هذه الجماعات؟! أولاً تجب الإشارة إلى أن أعداد الإيرانيين في الولايات المتحدة الأميركية هي ما بين مليونين و3 ملايين نسمة، وفقاً للتقديرات المتباينة. هذه الملايين من البشر تتوزع على 200 نوع من الوظائف والحرف والتوجهات والمواقع الاجتماعية والثقافية، تبدأ من وكالة ناسا للفضاء حتى سائق التاكسي، وسياسياً تبدأ من قارئ الصحف إلى أعضاء في الأحزاب الرئيسية ومراكز الأبحاث والدراسات القادرة على تقديم استشارات لمسئولين كبار في الدولة.
نعم، تلك الهجرة من الأدمغة تُكلّف إيران قرابة الـ 150 مليار دولار؛ بسبب خروج أكثر من 100 ألف إيراني من بلادهم باتجاه الولايات المتحدة، لكن الذي يبدو أن هؤلاء لن يخرجوا من دائرة العنوان القومي لإيران، ما يجعل من خروجهم ينطوي أساساً على مصلحة لا يُعرَف خيطها مع بلدهم إلاّ بدراسة طبيعة الفرد الإيراني، فضلاً عن المصالح المنسوجة مع الداخل على أثير استثماراتهم في أوروبا والصين وأميركا بلغت 400 مليار دولار قبل 10 أعوام. بل إن هناك دراسات ترفع ذلك الرقم إلى 800 مليار دولار نصفها في الولايات المتحدة.
هذه المجاميع الموجودة في الخارج، وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية بدأت تتشكل على هيئة مجتمع مهاجر مندمج في أدق تفصيلات المجتمع الأميركي، ثقافياً وسياسياً واقتصادياً. هذا الاندماج جعلهم كالهجرات التي خرجت من غرب أوروبا في القرن السادس والسابع عشر، إذ يكاد المرء لا يفرق بين الأميركيين الأنغلوساكسونيين وبين الأميركيين من أصل إيراني.
هذا الأمر جعل دوائر صنع القرار في إيران تُفرِد لهؤلاء اهتماما خاصاً كي يتحولوا إلى مجتمع ضاغط لتحسين صورتها في الولايات المتحدة وفي نفس الوقت دافع نحو إصدار قرارات تصب في صالح طهران. وأرسلوا في سبيل ذلك عدداً من القيادات السياسية التي بدأت تعمل من كندا ولوس أنجليس وواشنطن لترتيب أوضاع اللوبي الإيراني، وقد نجحوا في ذلك، وتحديداً في المسألة النووية.
(للحديث صلة)
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5159 - الجمعة 21 أكتوبر 2016م الموافق 20 محرم 1438هـ
مقال مفيد
بارك الله فيك
مشكور أستاذ محمد وتم النشر لأهمية المقال.
احسنت كلامك صحيح ننتظر المزيد من كتاباتك
واقع الدول يقاس بما تملك من عقول و قيم شعوبها التي تعكس قوميتها، و ما تملكه ايران يفوق ما تملكه مجموعة دول كالعربية مثلاً، فلا خوف على مستقبلها إن لم نقل ينتظرها مستقبل أفضل من دول العرب حقيقة، و الايرانيين في أمر يكا أو غيرها من الدول يشكلون لوبي حقيقي غير معلن وإن كانوا مناوئين للنظام الاسلامي، فما يعتقده المرء ينعكس على أفعاله تجاه بلده الأم. عزيزي محمد الكاتب المتميز، ننتظر الجزء اللاحق، بورك قلمك.
ما شاء الله
قراءة دقيقة للواقع في أنتظار الجزء الثاني
لم ينصروا الحق ولم يخذلوا الباطل! .. والعسكر فى إيران لم ينصروا الشاه ولم يخذلوا الخميني!!.
....
فعلا في لوبي إيراني امريكي وابليسي لتدمير الامة الاسلامة
ويش هالتعليق النشاز من الصبح
، تعرف ويش اللوبي؟!
يا ليتنا نتعلم منهم بدل من نصبح العوبة بيد الغرب
معظم دول العالم يحكمها العسكر من الباطن .. وفى الظاهر سمها ما شئت .. والمثال ماجرى فى مصر استبدل مرسي بالسيسي! .. فالعسكر فى إيران ينطبق عليهم قول الأمام علي عليه السلام حين قال فى الذين وقفوا على الحياد فى قتاله للخوارج .. لم ينصروا الحق ولم يخذلوا الباطل! .. والعسكر فى إيران لم ينصروا الشاه ولم يخذلوا الخميني!!.
كل الدول تعمل على مصالح شعوبها وتخطّط لبعيد الا الدول العربية التخطيط لتدمير البلدان العربية واحدة تلو الأخرى .
الشعوب العربية ليست لها أهمية او قيمة انما القيم لبقاء الانظمة.
لاحظ انه رغم الاستفزاز لإيران فإنها تتفادى الدخول في حرب مباشرة وتبنى قدراتها وفق المخاطر التي تحدق بها وتتربص بها لكن دولنا يزجون بشعوبهم وخيراتهم وفق ما تخطّط لهم الدول الكبرى . قالوا لهم اشعلوا سوريا حرب فأشعلوها احرقوا ليبيا فاحرقوها .. ومن اين تمويل هذه الحروب؟ من قوت شعوب الخليج الذين الآن عليهم دفع الضرائب
لأني دارس التخطيط و تخطيط المدن ، كثيرا ما أفكر و اسأل نفسي؛ لو كانت الدول العربية توظف المخططين و تطلب منهم ان يضعوا لها أسوأ مخطط ممكن تصوره و ليس أحسنها ، هل كان بامكانهم وضع مخطط أسوأ مما حصل و مما هو موجود؟
حين يجلس الانسان ويقارن أمته العربية مع باقي الأمم نجد امتنا في الحضيض فايران هي دولة واحدة عدد سكانها لا يتجاوز 90 مليون نسمة وثرواتها لا تقاس بجانب ثروات الدول العربية التي تمتلك عشرات التريليونات وسكان الدول العربية فاق 400 مليون نسمة.
لكن ماذا صنعنا نحن العرب؟ قضيتنا الأمّ الي تجمع الأمة في مؤتمراتها بعناها بأبخس الأثمان ثم عدونا على بعضنا نتقاتل فيما بيننا حتى دمّرنا العراق وليبيا وسوريا و... ولا ندري دور التدمير على من سيحلّ قريبا وبأموالنا وفلوسنا وبسواعد شبابنا الذين نرميهم لجهنم
# ومشى على نهجه خليفته امير المؤمنين على ع ولو اعطى المسلمين لااحفاد الرسول ص واله وسلم الائمة 11 من سلالة على (بمنزله هارون من موسى لكن لا نبى بعدى) و ابنته فاطمة ع لكنا افضل وارقى مما عليه اليوم. الامام الراحل ق س ش من قاد الثورة الاسلامية المحمديه فى ايران وشهد على قوتها وزلزالها العدو قبل الصديق حين قال الكيان الصهيونى انه الزلزال (اقراو ما دا قال الغرب وبنى صهيون) . ادا هل لشخص عادى ان يطرد نظام 5 اقوى قوة بالمسنوي العالمى خاصة عسكريا ويستبدله بنظام اسلامى على النهج المحمدى الاصيل ؟
شكرا لك استاذ محمد على. باختصار ان القرارات والسياسات والاستراتيجيات ....الخ تصنع من قبل نخبة من الشعب والدين يمثلون الشعب لانه انتخبهم. النخبه هم مجموعات من المفكرين والساسيون والاساتدة وطلبة الجامعة والخ. والمفكرين والاستراتيجيين ليسوا هم فقط هم من لا يلبسوا العمائم البيضاء والسوداء (الساده) بل المعممين اكثرهم هم مفكرين وسياسيين وديمقراطيين وواعظيين ومرشيدين وووو فى اطار الدوله الاسلاميه بالنهج المحمدى الاصيل (كيف قاد الرسول الاعظم ص واله وسلم الامه تشريعيا وتنفيديا وقضائيا وسياسيا) #
ارفع لك القبعه يا محمد-ولو اني لا البسها- لمقالك الرائع والذي نادرا مانجده في صحيفتك هذه والمعروف عن الإيرانيين قوميتهم المطلقه والدفاع عن بلدهم مهما تكون حالتهم السياسيه والتي مع الأسف نفتدقدها نحن العرب .على كل حال مقال رائع وسوف نرى البقيه انشاء الله.
رأيك صحيح. نصحوا صدام بعدم الهجوم علي ايران. لأن الشعب الإيراني الرافض للنظام عند تعرض بلدهم لحملة أجنبي يلفون حول النظام دفاعا عن وطنهم. هذا ما حصل و ما تصوره صدام حول إمكانية إسقاط الحكم الإسلامي إنعكست و إستقر النظام و إستمر.
الحكم في ايران جماعي بغض النظر عن موافقتنا او اعتراضنا علي اسلوبهم و سياستهم. هناك امرا آخر كما أشرت حول اللاوعي الفارسي. هم يفضلون ان يصنعوا شيئا. بينما غيرهم يفضّل الاستيراد. قرأت في منتصف السبعينات في مجلة مشاريع العالم لقاء مع خبير ألماني عمل علي جهتي الخليج. قال:عندما تعرض جهازا جديدا في ايران يلف المشتري حوله و يطلب عدة قطع و يخبرك بانه سيصنعه. اما في الضفة الآخري يلف المشتري حول الجهاز و يشتري عددا منها. الامر يتعلق باللاوعي الاجتماعي و معاييره السائدة. رحم الله من عرف قدر نفسه.
هههه هههه طيبة ونية العرب بان الكل جار وصدق اعطاء اصحاب القلوب السوداء امثال اسرائيل ومن يتعامل معها فى الخفاء للاستيلاء على ثروات العرب عن طريق الوبى الاسرائيلى / الايرانى