الاختلافات في درجة الانفعالات وأنواعها كالحب، الخوف، والفرح والغضب لدى البشر تعود إلى ثقافة الإنسان، ومستوى وعيه واعتقاداته وتربيته وتراث مجتمعه. فالخوف شعور بغيض يعترينا، نشعر معه بالضعف، ويحثنا دائما على الهروب وعدم المواجهة، وكلما تقدمنا في العمر، واكتشفنا جوانب أخرى من الحياة ازددنا خوفا، وبدأ الحذر يأخذ طريقه إلينا بازدياد.
يعرف الخوف وفقا لابن منظور في لسان العرب بأنه «الفزع»، أما القرطبي في تفسيره فيقول «الخوف في كلام العرب: الذعر، وخاوفني فلان فخفته؛ أي كنت أشد خوفاً منه»، أما اصطلاحا فيعرف الخوف على أنه «إحساس قوي ومزعج اتجاه الخطر». في القرآن الكريم وردت لفظة الخوف في 124 موضعا، جاء في 87 منها بصيغة الفعل، من ذلك قوله عز وجل: «إني أخاف الله رب العالمين» المائدة/28، وجاء في 37 موضعاً بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: «فمن تبع هداي فلا خوف عليهم» البقرة/38.
يشار إلى أن الخوف نوعين: إما حقيقي أو خيالي. الحقيقي هو أمر طبيعي، وهو رد فعل لخطر ما يهدد حياة الإنسان أو سلامته، ووجد في الانسان الطبيعي كآلية دفاع تحميه، وتجعله في حالة يقظة وحذر، أما الثاني والذي يسمى بالخوف الوهمي او المرضي هو ناشئ عن تصور لخطر لا يهدد الإنسان فعليا، كالخوف من الظلام أو الخوف من الأماكن المغلقة أو المرتفعة أو الخوف من العجز أو الشيخوخة وتخلي الآخرين، هذا الخوف جزء من الخيال، وهو ردة لفعل تفكيرنا بشأن ماذا سيحدث فيما بعد؟ لذا فهو يشل تفكيرنا نحو المواجهة إلى الهروب طلبا للسلامة، وهو ضد المنطق، فكثير من الناس تخشى ركوب الطائرة على رغم تأكيدات الخبراء أن حوادث الطيران أكثر ندرة من حوادث وسائل النقل الأخرى، فمثل هذا الخوف جزء من اختراعنا، فنحن من نصع صنم الخوف، ونحن من نعطيه الهالة، وننقله للآخرين من حيث لاندري، إذ هو نتاج لأيقونة عقلية، تنتظر دوما حدثا سيئا، وأن لكل إنسان شيء ما يخافه.
الخوف في معظم الأحيان، يكون أسوأ بكثير من الذي نخافه، فالشيء الوحيد الذي يجب أن نحذره هو الخوف ذاته. الخوف لدينا يتعدى الخوف من الأشياء بعينها كالظلام أو الوقوع في بعض المواقف إلى الخوف من أشخاص بعينهم، اذ لا نتجرأ على الاعتراض في وجودهم أو مخالفة رأيهم، أو الجهر في وجوههم بخلاف ما يريدون، هناك خوف اجتماعي والمتمثل في الخوف من سوء الأداء، وخلو الإنجاز، فبعض المجتمعات ترى أن عدم شراء الرجل بيتا لأسرته، وقد ناهز الأربعين من عمره هو سوء أداء، فيظل هاجس البيت لدى رب الأسرة لا يخبو حتى يشتريه، وربما يؤخر أمورا هي أولى، وذلك من أجل استكمال مشروع العمر، الذي جاء نتيجة الخوف من تقييم المجتمع بأدائه كرب اسرة وقيم عليها، كذلك المظهر الخارجي والخوف من المراقبة المجتمعية، لذا يصاحب هذا النوع من الخوف شعور بالذنب وإلقاء اللوم دائما على الآخرين.
يقول جزيف أوكومور في كتابه حرر نفسك من الخوف: «نحن لا نتعلم الخوف ولكن نكتسبه»، الإنسان يكتسب الخوف ممن حوله، ومن حصوله على معلومات خاطئة، أو من تجربة مريرة مر بها اكسبته خوفا، فأعطى حكما أن ذلك يهدد حياته دوما، لذا حين ننظر إلى مخاوفنا نجدها مجرد مشاعر مثلها مثل غيرها تمر بسرعة. لكن كيف نواجه مخاوفنا؟ ربما أن هناك طرقا عدة؛ ولكن ما أعجبني فيما قرأته طريقتين هما العلاج بالصدمة، وهو أن نتعرض لما نخاف منه بسرعة وبشدة، بحيث نعطي لأنفسنا القوة الحقيقية للمواجهة لنكتشف كم نحنا أقوياء، والطريقة الأخرى أن نضحك على مخاوفنا، بمعنى نستخف بها ونصنع منها النكات، لنستطيع تجاوزها حين نقنع عقولنا باستصغارها. فمهما يكن خوفك فالله أحق أن تخافه؛ لأن ما دونه لا يستحق أن نخافه.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 5152 - الجمعة 14 أكتوبر 2016م الموافق 13 محرم 1438هـ
مقال جدا رائع..شكرا للاستاذة الفاضلة..