أظهرت الصحف العبرية إحباطا شديدا على خلفية صفقة تبادل الأسرى مع «حزب الله» والاحتفالات التي شهدها لبنان لدى استقباله العائدين استقبال الأبطال. ولاحظ المراقبون، انه فيما كان لبنان يحتفل بعودة الأسرى، أقامت السلطات الإسرائيلية استقبالا حزينا لجثث جنودها الثلاثة، وعمدت إلى إبعاد الحنان تننباوم عن أعين الإعلاميين.
وفي حفل الوداع الرسمي، تحدث آرييل شارون عن احتمال تعرض جنوده لعمليات أسر جديدة، وقال مهددا: «ان استعدادنا للسير طريقا طويلا جدا لافتداء أسرانا لا ينبغي أن يضلل أحدا. فدولة «إسرائيل» لن تسمح لأي عدو ولأية منظمة إرهابية أن تحول الاختطاف والفدية إلى أسلوب. هناك أساليب لم نستخدمها ولكن إذا تكررت الظروف فلن نتردد في استخدامها وهذا تعهد لا يجدر بأحد أن يختبرنا فيه». وتحدث رئيس أركان الجيش موشي يعلون مهددا هو الآخر: «لا ينبغي أن يضل أحد في قراءة دموعنا. فهذه ليست دموع الضعف إنما دموع الألم والإصرار لأمة تعرف على ماذا تقاتل».
وفيما ربط البعض بين العملية الاستشهادية في القدس التي تزامنت مع تنفيذ عملية التبادل، عمد كثيرون إلى إجراء مراسيم دفن «خريطة الطريق» وسط تأكيد أكثر من معلق إسرائيلي ان عودة الاتصالات بين الفلسطينيين والإسرائيليين شبه مستحيلة مع تخلي واشنطن عن أي جهد يمكن أن يعطي فرصة جديدة للدبلوماسية. وجمع كثيرون بين العملية الاستشهادية وصفقة التبادل. واعتبر النائب إيهود ياتوم أن المقصود إهانة «إسرائيل». وقال إن «هذه العملية هي الرد الذي يقدمه نصرالله وعرفات وياسين وقادة إيران على الوهن الإسرائيلي الذي ظهر، مرة أخرى، في موافقتها على إطلاق هذا الكم من الأسرى، والتنازل عن أوراق استخدمت للمساومة، مثل الديراني، من أجل إعادة رون أراد». وقال النائب حامي دورون من حركة «شينوي»: «يبدو أن هذه العملية هي المفاجأة التي وعدنا بها نصرالله».
وكتب تسفي برئيل في «هآرتس» عن تبادل الأسرى وحفل استقبال الأسرى المحررين في لبنان، واستهل مقالته بالقول إن لبنان لم يشهد تجمعا شعبيا حاشدا كالذي شهده في استقبال الأسرى. وتابع ان رئيس الجمهورية إميل لحود كان يقف إلى جانب «منافسه» رئيس الحكومة رفيق الحريري المنتقد الأول لأمين عام حزب الله حسن نصرالله. وإلى جانبهما وقف رئيس مجلس النواب نبيه بري زعيم حركة «أمل» و«خصم» نصرالله بحسب تعبير برئيل، والكاردينال الماروني نصرالله صفير الذي زعم برئيل ان «حزب الله» يعتبره عدوه اللدود في لبنان.
الإعلام العربي المتجاهل
وتابع برئيل تحليله مشيرا إلى ان «حزب الله» نظم استعراضا للوحدة الوطنية بكثير من المهارة، مقيما توازنا حذرا بينه وبين باقي الأطياف اللبنانية. ولاحظ ان النشيد اللبناني عزف إلى جانب نشيد «حزب الله» وعلم الحزب كان يرفرف مثله مثل العلم اللبناني. وأكد ان الحفل كان شأنا من شئون «حزب الله» الذي أرسل بطاقات دعوة للفئات اللبنانية الأخرى، كي تحل كضيوف شرف. أما بالنسبة إلى التغطية الإعلامية للحدث، فلاحظ برئيل ان العالم العربي غطى الحدث على انه شأن لبناني محلي، غير انه لاحظ انه بينما بثت قناة المنار كل لحظة من لحظات الـ 24 ساعة الماضية، تجاهل التلفزيون السوري الحدث كالعادة، وخصص التلفزيون الأردني اهتماما بسيطا بالحدث أما التلفزيونات المصرية فقد كانت تبث الأفلام والبرامج التلفزيونية العادية، في الوقت الذي كانت فيه قناتا «الجزيرة» و«العربية» وغيرهما تتنقل بين المستجدات المتعلقة بتفجير الحافلة في القدس وبين حفل استقبال الأسرى المحررين. وعلق برئيل، على التفاوت في نسبة التغطية بين تلفزيون «حزب الله» ومختلف القنوات العربية، بالقول ان العالم العربي غير مرتاح لفكرة ان منظمة شيعية دينية يعتبرها الغرب «إرهابية» وهي بدورها ترى في الأنظمة العربية رهائن في يد الغرب، تنجح إذ فشل الزعماء الكبار. وتابع برئيل، ان نصرالله، كان برغم ذلك يتحدث باسم لبنان وكل الدول العربية، ويعلن انه سيستمر في معالجة مشكلة الأسرى بنفسه. مستنتجا ان قضية الأسرى ستبقى حرب «حزب الله» الخاصة. غير انه لفت إلى ان نصر الله قد عبّر للمرة الأولى عن احترامه لـ «إسرائيل» رغم انها عدوه لأنها بذلت جهودا من أجل أسراها، غير ان برئيل لاحظ ان نصرالله هدّد رغم ذلك باسمه وباسم منظمته بأن تفتح قضية سمير القنطار الباب أمام «حزب الله» لمواصلة العمليات ضد «إسرائيل». وختم برئيل مقالته بالتشديد على ان تهديد نصرالله بمزيد من عمليات الخطف دليل واضح على انه لا يملك معلومات مهمة يستطيع أن يقدمها إلى «إسرائيل» مقابل الإفراج عن القنطار.
وعنونت «يديعوت أحرونوت»: «يوم فرح وطني في لبنان ويوم حزن وطني في إسرائيل». واعتبرت ان إطلاق سراح الديراني والشيخ عبيد، ينهي ورقة المساومة التي كانت في يد «إسرائيل». وأوضحت ان الرجلين كانا ورقة مساومة للحصول على معلومات موثوق فيها بشأن رون آراد. وقد اعتبرا كنزا ثمينا لكنهما لم يوفرا السلعة المطلوبة منهما لأنها لم تكن لديهما وبقي لغز آراد مفتوحا.
فضيحة تمنوها صاعقة من السماء!
وعن مصير الطيار الإسرائيلي الأسير دعت الصحيفة العبرية إلى عدم العيش في أوهام. فقضيته مازالت مفتوحة ولن يتم إغلاقها قريبا لأن القيادة المحافظة والأصولية في إيران غير مستعدة لمشاركة أحد بالمعلومات بشأن مصيره وليس لديها أي حافز محلي لذلك. ومعتبرة ان الإغراءات التي تستطيع «إسرائيل» وأوروبا تقديمها لها أضعف من أن تنجح في إحداث تغيير في الموقف الإيراني الرسمي الذي ينفي كل علاقة بينها وبين آراد. وكتب يوئيل ماركوس في «هآرتس» مقالة تحت عنوان «ترخيص بالخطف» استهلها بالقول ممتعضا ان «الصفقة الناجحة» التي تمت بموجبها مبادلة ثلاث جثث إسرائيلية ومواطن إسرائيلي، على مئات المعتقلين الفلسطينيين والعرب، هي فضيحة إسرائيلية وطنية. وأكد ماركوس، ان الإسرائيليين الذين كانوا يشاهدون نصرالله وهو يهزأ منهم خلال المؤتمر الصحافي ويعذب أهالي الجنود بإثارة إمكان أن يكون أحد الجنود حيا، كانوا يتمنون لو أن صاعقة تنزل من السماء وتضرب نصرالله بين عينيه. وإذ لاحظ ماركوس ان نصرالله هدد بمزيد من عمليات الخطف، أكد ان «إسرائيل»، ستسهّل عليه مهمته هذه من خلال خريطة الألغام التي سلمتها إلى الحزب بموجب الصفقة. وبهذه الطريقة يضيف، ماركوس، ساخرا، يستطيع نصرالله أن يشكر «إسرائيل»، بإرسال باقة من الزهور إليها. وتابع ان الدولة العبرية، لم توفر لـ «حزب الله» من خلال صفقة التبادل، انتصارا كبيرا فحسب، بل ترخيصا بخطف الإسرائيليين. وختم بالقول إنه من الواضح ان ثمن هذا الخطأ الإسرائيلي سيكون فادحا جدا.
واعتبر ألوف بن في «هآرتس» ان عملية التفجير التي هزت القدس هي مرة أخرى «تذكير بموقع «إسرائيل» الضعيف حيال «الإرهاب» الفلسطيني». وأضاف ان العملية أكدت ان الهدوء النسبي الذي ساد خلال الأشهر الماضية كان هدوءا كاذبا وان العنف قد يندلع في أية لحظة. فما من أساس دبلوماسي يستند إليه الهدوء والاستقرار بين الفلسطينيين والإسرائيليين وليس هناك أي شكل من أشكال «توازن الردع» المتبادل كذلك الموجود على الحدود الشمالية لـ «إسرائيل». واعتبر في هذا السياق، ان «إسرائيل» تعيش اليوم فراغا دبلوماسيا. فالسلطة الفلسطينية في حال من التفكك والحوار بين الطرفين وصل إلى أدنى مستوياته منذ «اتفاق أوسلو» والفلسطينيون لا يملكون زعيما معترفا به في نظر الإسرائيليين. والأميركيون والإسرائيليون قلقون من نفوذ حركة «حماس» المتزايد، وضعف القوى الفلسطينية المعتدلة، غير انه ليس لديهم أية فكرة عما يجب فعله. والرد على العملية كان روتينيا. فاليمين طالب كالعادة بطرد عرفات. وبعض زعماء تكتل «ليكود» استخدموا العملية لمهاجمة شارون، في موضوع تبادل الأسرى. أما شارون، فلفت بن، ساخرا، إلى انه منشغل في الحصول على دعوة بزيارة واشنطن، في الوقت الذي أبلغه الأميركيون ان ثمن تذكرة الطائرة هو إخلاء جدي للمستوطنات العشوائية وإعطاء تفاصيل عن خطة فك الارتباط مع الفلسطينيين. وخلص بن متوقعا في وضع كهذا أن يمتنع شارون، عن القيام برد عنيف على عملية القدس، من شأنه إشعال المنطقة والتأثير سلبا على العلاقات مع الأميركيين. . وأسف بن، لأنه لم يكتب لخطة السلام أن تعمّر طويلا. لافتا إلى انه مع «موت الخريطة» تجمد المسار السياسي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بانتظار رحيل عرفات، من الحكم وحصول «إسرائيل» على حرية التحرك .
وإذ لاحظ بن، ان الأميركيين يلومون الفلسطينيين على فشل «خريطة الطريق»، رأى ان الإدارة الأميركية تشاطر «إسرائيل»، في اعتقادها ان ما من شريك فلسطيني للتفاوض معه. وبعد أن كرر ان «خريطة الطريق ماتت»، شدد بن، على ان المشكلة الحقيقية في المرحلة الراهنة، تكمن في كون تفكك السلطة الفلسطينية التي لم يعد لوجودها أية أهمية فعلية، سوف يخلق تحديات جمة أمام «إسرائيل». لافتا إلى ان في الدولة العبرية، من يشعر بالفرح والسعادة لخبر تراجع مكانة عرفات، ومعها ما وصفها بمؤسسات تونس وأوسلو، في حين ان هناك من يشعرون بالخوف من هذا الواقع لأنهم يخشون من أن تسيطر «إسرائيل» على كل الأراضي الفلسطينية المحتلة بما يترتب عن ذلك من أعباء اقتصادية ونفسية.
وأشار عمير أورين في «هآرتس» إلى ان جهاز «شين بت» يعتقد انه في حال بقي عرفات على رأس السلطة الفلسطينية فإن العمليات «الإرهابية» من شأنها أن تتواصل حتى خلال العام 2006 بسبب غياب أي تقدم سياسي بما في ذلك قيام أجهزة الأمن الفلسطينية بمكافحة «الإرهاب». ورجح الجهاز أيضا، أن تصبح العمليات أكثر خطورة وأن يلجأ منفذوها إلى استخدام مواد كيميائية وبيولوجية إلى جانب مواد مشعة. ولفت أورين، إلى ان رئيس الجهاز آفي دختر، يعتقد بأنه كلما نفذت خطة الفصل بسرعة كلما حاولت المجموعات «الإرهابية» بتنفيذ ما أمكنها من العمليات المؤلمة. وأشار استنادا إلى معلومات صادرة عن «شين بت» إلى ان عرفات، لا يعطي الأوامر بتنفيذ العمليات بل انه لا يبذل أي جهد لوقفها!
حليفتنا الأميركية عاجزة دوليا
لكن للمحلل السياسي زئيف شيف في «هآرتس» وجهة نظر أخرى، فهو على رغم تجواله على أكثر من منطقة ليثبت ملاحظته ان الولايات المتحدة، لم تعد قادرة على معالجة القضايا الدولية بمفردها، أكد تحليله ان قضية السلام في الشرق الأوسط، لا يمكن أن تتركها أميركا لسواها. وعدّد شيف أمثلة تدلل على أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على معالجة القضايا الدولية بمفردها، ففيما يتعلق بالبرامج النووية الإيرانية، فشلت الولايات المتحدة، في ثني إيران عن طموحاتها النووية بينما استطاعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا إقناع إيران بالكشف عن «الكذب» المتعلق ببرامجها وفي توقيع البروتوكول الإضافي للمعاهدة النووية.
ولاحظ شيف، ثانيا انه عندما تدخلت بريطانيا في الملف الليبي، بدأت الأمور تتحرك وسمح للمفتشين الدوليين بالدخول إلى ليبيا. ثالثا على صعيد الحرب في العراق، أكد شيف، انه من الواضح ان الإدارة الأميركية لم تعد تستطيع إتمام ما بدأت به في البلاد من دون مساعدة أوروبا والأمم المتحدة. رابعا المسألة الكورية إذ تعتمد الولايات المتحدة على الصين من أجل منع كوريا من أن تتحول إلى قوة نووية. خامسا قضية تبادل الأسرى بين «إسرائيل» و«حزب الله»، التي رأى فيها شيف، دليلا واضحا على إخفاق الولايات المتحدة، على الصعيد الدولي، فهي لم تقم بأي مجهود في هذا الشأن بل تركت القضية للألمان الذين نجحوا في معالجتها.
غير ان شيف، لاحظ انه على صعيد السلام في الشرق الأوسط، وعلى عكس كل القضايا الأخرى، أشركت الولايات المتحدة، الدول الأوروبية في اللجنة الرباعية التي وضعت «خريطة الطريق» غير انها لم تكف عن تذكيرها بأن اللاعب المنفرد في القضية هي الإدارة الأميركية. وأوضح شيف، ان الولايات المتحدة، تخشى من أن يؤدي تدخل بريطانيا، في القضية إلى عودة عرفات إلى الساحة بطريقة غير مباشرة. لذلك فإن الكلمة الفصل في مسألة السلام بين الفلسطينيين و«إسرائيل» تبقى للولايات المتحدة
العدد 515 - الإثنين 02 فبراير 2004م الموافق 10 ذي الحجة 1424هـ