بعد مرور 50 عاماً على رحيل خاتم الأنبياء (ص)، ارتكب الإرهاب البغيض في اليوم العاشر من المحرم لعام 61 هجرية (680 م)، أكبر وأبشع مجزرة على مر التاريخ الإنساني في صحراء كربلاء، في انسلاخ كامل من كل الأسس الأخلاقية والإنسانية، حيث كان سبط الرسول (ص) في مقدمة الشهداء مع 17 شهيداً من أهل البيت النبوي الشريف، وأكثر من 60 شهيداً من أصحابه النجباء.
إن الإرهاب لم يرع قرب الإمام الحسين (ع) من جده، ولم يهتم لقوله (ص): «حسين مني وأنا من حسين»، أو لحديثه المشهور: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا». فالإرهاب الأعمى لم يكتف بقتل الإمام، وإنما راح يمثل بجسده الشريف شر تمثيل، وأخذ يرضه بحوافر الخيول المجنونة، حتى كسّر أضلاعه، وتركه ثلاثة أيام تحت أشعة الشمس اللاهبة دون مواراة لجسده الطاهر. وأكثر من هذا وذاك، قام بحرق خيامه التي كانت تزدحم بالنساء والأطفال، مما جعلهم يفرون في الصحراء، ولم تنكشف الغبرة ويهدأ القتال ونيران الانتقام والأحقاد إلا بعد سلب كل ما تملكه النساء من حلي وثياب.
مسلسل الفاجعة لم تنته حلقاته المأساوية بالقتل وسحق الأطفال وسبي النساء، وإنما تواصلت بحمل السبايا من بلد إلى بلد على مدى 40 يوماً، حيث لاقوا شتى صنوف العذاب الجسدي والنفسي، وفي مقدمتهم علي بن الحسين (ع) وزينب بنت علي (ع). فالإرهاب عندما تجرأ على أفضل إنسان في ذلك الزمان، هان عنده ارتكاب أفظع الجرائم ضد أي شخص أقل قدراً ومكانة. فقد فتح قتل سبط الرسول الأبواب على مصاريعها لكل مجرم إرهابي، ليرتكب كل ما يحلو له من الجرائم والأهوال.
إن أحد جوانب إحياء ذكرى عاشوراء هو استنكار كل أنواع الإرهاب الذي يمارس ضد الإنسان في كل بقاع الدنيا، ولا نبالغ إذا قلنا أن الأمة الإسلامية إذا ما تدارست وحللت فصول هذه الفاجعة، تحليلاً واقعياً، فستسهم في تحصين الشباب المسلم من الإرهاب.
إن ما حدث في كربلاء يجعل شباب الأمة الإسلامية يحلقون في فضاء القيم والفضائل والأخلاق؛ فضاء الصفاء والنقاء والطهر والإباء والعزة والكرامة والتسامح والسلام، والرفض التام لكل أنواع الإرهاب الذي يستهدف حياة الإنسان. فالحسين (ع) بيّن أهداف حركته بوضوح: «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص)؛ أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»، سائراً على نهج جدّه القائل: «من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم».
نأمل أن يكون الحسين الشهيد سبيلاً لوحدة وتلاحم المسلمين في كل أنحاء العالم، وإنهاء الإرهاب الذي أهلك الحرث والنسل وهدّد الحضارة وشوّه سمعة الإسلام والمسلمين في أعين شعوب الأرض.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5147 - الأحد 09 أكتوبر 2016م الموافق 08 محرم 1438هـ