مقالنا «المنبر الحسيني المسئول» المنشور في يوم السبت 01 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، ترك أثره في تفعيل الحوار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحظي باهتمام طائفة من القراء الذين سجلوا مرئياتهم بشأن ما جرى معالجته في المقال في ما يخص قضايا عاشوراء، كحدث تاريخي وقيمة اجتماعية وانسانية وحضارية. وركز عدد من القراء على قضايا السلوك والدعوة إلى مراعاة حقوق المجتمع، والابتعاد عن مظاهر السلوك غير الرشيد في ممارسة شعائر عاشوراء الذي يتسبب في الإيذاء الفردي والمجتمعي، وركزت المجموعة الأخرى من التعليقات على مضامين جوهر قيم عاشوراء، إذ أشار أحد القراء إلى أن «نهضة الحسين هي نهضة لجميع المسلمين فلتكن أيام عاشوراء أيام وحدة وتآلف وتعاضد، وبما أن نهضة الحسين هي نهضة للإنسانية جمعاء، فلتكن أيام عاشوراء فرصة لعشاق الحسين بتعريف العالم بالحسين، وقيم الحسين، وأهداف النهضة الحسينية بلغة إنسانية». وفي السياق ذاته، يؤكد قارئ آخر أن «السلوك هو أصعب ما يتغير في الإنسان، وعاشوراء مناسبة تاريخية فلسفية وليست مناسبة لسلوكيات دموية مؤلمة من أجل إثبات حب الحسين عليه السلام. فالإمام الحسين كان مسالماً وطيباً ونظيفاً ولم تصدر منه سوى الكلمة الطيبة والسلوك الحضاري». وعلى رغم تباين الرؤى التي جرى تسجيلها، يمكننا أن نتبين ثوابت مهمة جرى التأكيد عليها في عدد من التعليقات، أشارت إلى أن المناسبة لا تتحمل أحداثها التاريخية طرق التسطيح والبدع غير المقبولة في إقامة شعائر عاشوراء التي لايمكن للعقل والمنطق تقبلها وهضمها، اذ إن جوهر مضامين مسارتها تؤكد الوعي المؤسس في أبعاده في تعزيز قيم العدالة والتسامح الاجتماعي، وتبرز أحداثها التاريخية الأهمية الإنسانية لمبادئ التعايش السلمي كقيمة حضارية.
الحوار الاجتماعي في شأن عاشوراء، يتجدد كل عام، وتتجدد وفق الواقع المعاش معطيات الحوار بما يتوافق وطبيعة المرحلة، بيد أن هناك رؤية دائمة الحضور في مسيرة الحوار الاجتماعي يتبناها عدد من المثقفين، ومنهم الذين يتميزون بفكرهم المحايد في التشخيص وتحديد الرؤى التي تتبنى منطق النقد الواعي وغير المتعصبة، ويجري في سياقها التساؤل في مدى ايجابية ديمومة ظاهرة البكاء على رغم الفترة التاريخية الطويلة التي تفصلنا عن واقعة الطف في كربلاء، وفي مقابل ذلك يتساءل البعض هل أن تلك الظاهرة تؤسس لمعضلة اجتماعية أو تمس مشاعر الآخرين وتثيرهم؟ أم إنها في جوانب محددة تمثل ظاهرة إيجابية؟ وترى بعض الآراء ضرورة التفريق بين البكاء المظهري، والدمعة الساكنة التي تحمل في جوهرها معاني وأبعادا أخرى، ويعتقد البعض أن البكاء كظاهرة في عاشوراء البعيد عن المظهرية لها خصوصيتها النفسية والتربوية، إذ إن البكاء حالة تفضي إلى التمعن في أثر الجرائم على أمن وسلامة الجنس البشري، وتساهم في التفاعل مع الحدث ويدفع الفرد إلى التمعن في حيثيات مأساة كربلاء، والسلوك غير الانساني الذي أسس لنشوء واقع الجريمة في أحداث معركة كربلاء ما يساهم على المدى المنظور في بناء القيم الأخلاقية للفرد والمجتمع ويعزز ذلك، الجوانب التربوية في الالتزام بمحددات قيم السلام والتعايش السلمي بين المنظومات المجتمعية، واستبعاد مؤسسات الجريمة في مفاهيم الفكر البشري.
المنبر الحسيني الواعي يمثل محور المعالجات في مقالنا «المنبر الحسيني المسئول»، ويمثل هدفنا الأسمى لتحريك سواكن المياه الراكدة، في الاستفادة من هذا المنبر الذي يحظى بالاهتمام الاجتماعي في إحداث طفرة نوعية في مفاهيم الوعي الاجتماعي، والارتقاء بمؤسسات السلوك والثقافة المجتمعية، لذلك حرصنا في التأكيد على ضرورة الارتقاء بقدرات الخطيب المعرفية والمهنية للتمكن في إيصال الرسالة المفيدة في إحداث التغيير الايجابي، في مفاهيم الوعي والسلوك الاجتماعي، وبالتوافق مع ما جرى تحديده من مؤشرات في مفاصل المقال، سجل أحد القراء سؤال أشار في سياقه إلى أنه «قبل ذلك السؤال الأهم: من هو الخطيب المؤهّل لارتقاء هذا المنبر؟ وقال، لكي يقف خطيب ويلقي خطاباً او محاضرة أو بحثاً على مجموعة من الناس لا بدّ أن يكون لديه المؤهل العلمي الذي يؤهله لارتقاء هذا المنبر العظيم، ونوه إلى أن جعل المنبر مجرد أعواد يرتقيها كل من هبّ ودبّ، فإنّ ذلك لن ينتج شعوبا واعية ذات ثقافة يعتدّ بها».
ليس هناك خلاف مع ما سجله القارئ الكريم في تعليقه من رؤى والتي يشدد في مضمونها على ضرورة صون المنبر الحسيني وتحصينه من ضعيفي القدرة المعرفية والبناء الثقافي، وعلى رغم أن المؤهل العلمي يمثل إضافة مهمة في بناء القدرات المعرفية والمهنية للخطيب، فإننا لا نرى أن ذلك يمثل شرطا أصيلا في تحديد كفاءة الخطيب المؤهل لارتقاء المنبر الحسيني، بدليل وجود كتاب مهرة يتميزون بقدراتهم في البحث والتشخيص المؤسس علمياً تفوق القدرات العلمية والمهنية لمن يمتلكون المؤهل العلمي، كما أن الدلالات والوقائع في مسرح الخطابة في عاشوراء تشير إلى أن هناك خطباء يتميزون بقدراتهم المهنية، وحصيلتهم المعلوماتية والمعرفية ويقدمون خطباً مؤسسة في بنائها المعرفي والمهني والربط الواعي، المحايد والمنصف لقضايا عاشوراء بقضايانا الاجتماعية والوطنية، وذلك ما تبينا واقعه في خطب خطيب المنبر الحسيني لمأتم الشويخ في باربار الشيخ علي الجفيري الذي حرص في معالجاته الفكرية المتداخلة والمؤسسة في مفاصلها القيمية والأخلاقية والاجتماعية والانسانية لقضايا عاشوراء التشديد على ضرورة أن يكون هناك انسجام أصيل لشعائر عاشوراء مع فكر الحسين «ع»، كما أن خطيب حسينية الوداعي الملا عباس الجزيرة تميز بخطبه المرتكزة على الأسس المنهجية في تبيان جوهر قضايا عاشوراء، ومبادئ المدرسة الفكرية للإمام الحسين «ع» وأسباب نهضة الحسين، ويحدد مفاصلها في قيم الإصلاح والتغيير الاجتماعي، والحرص في سياق ذلك اعتماد المنهج التنويري في بناء ثقافة واعية ومؤسسة في فهم طبيعة شعائر عاشوراء، وتأصيل انسجامها مع فكر الحسين.
إن ما ينبغي التأكيد عليه في هذا السياق أنه بعيداً عما يطرحه البعض في شأن الطريقة التي انتهجها الحسين في مواجهة الظلم في عصره، وما يتبناه البعض الآخر من أساليب غير قويمة في إحياء شعائر عشوراء، فان قضية الحسين تظل حقيقة تاريخية ومصدر إلهام للمظلومين والمحرومين، وأكدت مكانتها الكونية وقيمتها الاجتماعية والأخلاقية والقيمية والإنسانية.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 5144 - الخميس 06 أكتوبر 2016م الموافق 05 محرم 1438هـ
بداية مقالك دكتور في الوسط
مقال شامل و وافي بما يحمله الشمول من معنى فقد بدأت متسلسلا من مقال سابق وما جاءت عليه من ردود و آراء وهذا يجعل القارئ متواصل ومتصل مع ما كتبت سابقا
ومن ثم التناول الثاني الذي جاء حسب المعايير التي تناولتها فتوى العلماء والهدف الحقيقي من القضية الحسينية
وبعدها التناول الثالث الذي هو لُب الموضوع ثقافة الخطيب و تناسبه للخطبة المنبرية التي هي سهم يصيب به كبد المستمع فأما أن يفري ما بها من صديد قاتل من أفكار و سموم ضد المجتمع و الأخرين الذين هم شركاء فيه ويداويها بحلول نجيعه ومُجْدية أو يصيب بها شريان الإنسانية فيقتله غير مبالي بسهمه المسموم وأين أرتكز وبأي نفس ركزته أمست وخصوصا إن جمهور تلك المأتم و المجالس هم من الشباب الذي يحمل بين طيات نفسه البراكين و الحمم ...
الحمدالله رب العالمين المنبر الحسيني يزخر بالخطباء الاكفاء سواء كان داخل البحرين او خارجها .فمنهم من ابدع في الجانب العاطفي ومنهم من ابدع في تقديم المحاضرات الشامله والكثير منهم كان اشمل وابدع في الجوانب العاطفيه والجوانب الاخرى مثل سيرة ثورة الامام الحسين وطرح القضايا المعاصره.
مقال جميل وممتع.