وُلِدَ يوشينوري أوهسومي في نفس العام الذي رمى فيه الأميركيون قنبلتيهما الذريتيْن على مدينتَيْ هيروشيما وناكازاكي اليابانيتَيْن. كان ذلك قبل 71 عاماً (1945). المدينة التي وُلِدَ فيها وهي فوكوكا لا تبعد كثيراً عن ناكازاكي التي أذابها الانفجار الذري، لذلك هي عانت كغيرها من المدن اليابانية القريبة من لهيبها وانبعاثاتها كـ: ساغا وكوماموتو وكاغوشيما ومياكونوجو.
بل إن هذه المدينة وعلى رغم مآسي الحرب العالمية الثانية، وقبلها الحروب ضد الصين حيث كانت هي معبر الجند، إلاّ أنها احتفظت بتميّزها العلمي عبر تواجد جامعة وطنية فيها (كيوشو) وأخرى إقليمية (فوكوكا) و7 جامعات خاصة و8 معاهد متقدمة، وكذلك تطورها التقني في الصناعات الدقيقة والآلات الميكانيكية والتجهيزات الكهربائية والمعادن والورق والمنسوجات.
قبل أيام أعلنت جمعية نوبل في معهد كارولينسكا بالسويد أنها اختارت العالِم الياباني يوشينوري أوهسومي لجائزة نوبل للطب لعام 2016. وكان سبب اختيارها له هو تجاربه التي أفضت إلى اكتشاف أسرار ما يُسمّى بـ الالتهام الذاتي للخلايا، وعن آليات دفاعات الجسم حين تتخلص خلاياه «من مكوناتها المعطوبة وتجدد نفسها للمحافظة على وظائفها الحيوية».
ماذا سيفيد ذلك الاكتشاف الذي قام به هذا العالِم الفذ؟ باختصار هو سيساهم في ظهور فهم جديد لأمراض فتاكة كـ السرطان وهنتنجتون والشلل الرعاش (باركنسون) والنوع الثاني من مرض السكري، فضلاً عن إدراك أعمق للعمليات «الفسيولوجية مثل التكيف مع الحرمان من الماء والغذاء أو مواجهة العدوى» وتفسير عمليات أساسية في النمو والشيخوخة كما جاء في الخبر.
لا أعتقد أن مبلغ 8 ملايين كرونة سويدية أو 933 ألف دولار هو الذي يعني يوشينوري أوهسومي، بقدر ما هو السعي نحو تفكيك أسرار علم أوتوفجي، وخصوصاً أن اليابان تعاني من انتشار سرطانات الجهاز الهضمي أزيد من غيرها. فالطب يقول بأن التغييرات الجينية ذات العلاقة السببية بالالتهام الذاتي قد تنتج أمراضاً يصعب التحكم فيها بسبب خطورتها.
واعتقادي يبدو أنه كان صحيحاً. فـ أوهسومي قال لهيئة (NHK) الإذاعية/ التلفزيونية بعد أن اختِيْرَ من نوبل: «دائماً ما رغبتُ في فعل شيء لم يفعله الآخرون. واعتقدت أن انحلال الخلايا سيكون مثيرا للاهتمام وكانت تلك بدايتي». وللعلم فإن عمل أوهسومي لم يبدأ به الآن بل منذ تسعينات القرن الماضي، لذلك فهو ليس عملاً فجائياً أو تجربة يتيمة اعتقد صاحبها أن نهايتها هي نهاية الكون!
وكي نُدرك حقيقة ما توصل إليه ذلك الرجل، علينا أن نتأمل في التالي: عندما يُولد الإنسان ويبدأ في النمو فإن أعضاء الجسم تتجدد باستمرار؛ لأن الإنسان ينمو. وفي عملية النمو تلك نحتاج لأن نتخلص من العناصر القديمة لصالح البنية الجديدة. وكلما تقدم بنا العمر وكبرنا تصبح هناك بُنية يجب أن يتخلص الجسم منها. عملية القضاء عليها تلك هي ما تُسمّى بـ الالتهام الذاتي.
وعندما يختل ذلك النظام الدقيق في الجسم عبر الجينات والبروتينات المسئولة عن الالتهام الذاتي يبدأ الجسم في تراكم ما كان يجب أن يُتخَلص منه ويُرمى، وهو ما يؤدي بالإنسان لأن يُصاب بمرض خطير. هذا الإيجاز قدمه البروفيسور كريستر هوج من معهد كارولينسكا السويدي. وإذا ما تفكرنا في هذا الكلام فإن إنجاز أوهسومي يعني جزءًا أساسيا من بقاء البشر أصحاء وبلا أمراض ما أمكن.
إنني أتحدث عن يوشينوري أوهسومي وإنجازه المهم وفي ذهني موقفنا نحن من أصحاب هذه الإنجازات. بمعنى، أن الغالب المطلق من تلك الإنجازات قد حققها أناس ليسوا على ملتنا؛ فإما أن يكونوا بوذيين أو هندوس أو مسيحيين أو يهود. لذلك يأتي التساؤل هنا عن أي موقف نحن عليه تجاههم، في الوقت الذي ننتفع به في سلامتنا وسقمنا من فتوحاتهم العلمية التي غيّرت حياتنا ورفعت من متوسط أعمارنا، وخففت آلامنا، في وسائل النقل والعلاج والراحة وفي كل شيء.
بالتأكيد هناك مَنْ لا يقبل مصاهرتهم، وهناك مَنْ يرفض حقوقهم، وآخرون يدعون عليهم بالهلاك، والبعض يُبشِّر في أوساطهم وكأننا لا نعتقد أن لهم وزناً بالمطلق! تُرى مَنْ الذي أنتج لنا دواء سرطان الثدي lapatinib أو أدوية trastuzumab و Herceptin كي نطيب وتخف آلامنا؟ مَنْ الذي اكتشف لنا بأن أنواعاً من الطحالب قادرة على مواجهة السرطانات الفتاكة عبر البلاستيدات الخضراء؟!
هل كانت إيڤانا بوزيتش عربية أو مسلمة عندما توصلت إلى نهج جديد في دراسة الأورام السرطانية وتطورها واستجابتها للعلاج الكيميائي؟ أم أن يوشينوري أوهسومي هو من إحدى المدن العربية المحافظة؟! عندما أجد كل هذا الافتراق الحاد (المادي والنفسي) أتأمل في حقيقة فهمنا ديننا وإنسانيتنا. هل اننا نؤمن فعلاً بأن الإنسان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، أم هذه الأقوال نستخدمها «نظرياً» لتسويق أنفسنا وديننا في سوق الأفكار والأيدلوجيات؟!
نعم هناك أصوات معتدلة ومختلفة عن السائد فيما خصّ الموقف من الأغيار، لكنها تبقى خافتة ولا يُسمع صوتها أو أنها ضائعة في تلك الجلبة. أما الهيمنة فهي للصوت الأعلى التي لا يرى طريقاً للاعتدال، وهو ما يجعل المراجعة في ذلك أمراً ملحاً. لأن من شأن ذلك المتغير أن يهدم أي جسر قد يقود أبناءنا إلى التطرف، الذي قد يبدأ جنينياً من هذه العتبة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5143 - الأربعاء 05 أكتوبر 2016م الموافق 04 محرم 1438هـ
مقال اكثر من رائع !
مع الأسف لم تظهر لحد الآن آراء فقهية تنظر للأديان والمعتقدات الأخرى بطريقة تقبلهم فيها بشكل منصف
شكرا استاذ محمد ...
نتمنى كتابة مواضيع تتعلق بمناسبة عاشوراء ومحرم ، سواء ثقافية أو دينية أو تاريخية أو اجتماعية ...
الأستاذ محمد حميد السلمان له كتابات مهمة هذه الأيام تتعلق يهذا الموضوع ، بغض النظر عن صحة كل ما ورد فيه .
دعاوي عليهم
ويجي لك اللي يأم المصلين ويدعوا على الاوربيين والأمريكان والشرق اسيويين في فروض الصلاة بالهلاك وتسليط غضب رب العزة والجلال عليهم. وبعد الصلاة يركب سيارة امريكية او اوروبية ويتكلم بتلفون كوري وامريكي ولين مرض راح مستشفيات اوروبا ويصيف فيها..!!!؟ عجب
روعة..دائما مبدع استاذي