تعهد الكرملين اليوم الخميس (29 سبتمبر/ أيلول 2016) بمواصلة عملياته في سورية بينما يدرس المسئولون الأميركيون ردودا أكثر صرامة على قرار روسيا تجاهل عملية السلام والسعي إلى انتصار عسكري نيابة عن الرئيس بشار الأسد.
وشنت موسكو ودمشق هجوما هذا الشهر لاستعادة قطاع من مدينة حلب تسيطر عليه المعارضة وتخلتا عن وقف جديد لإطلاق النار بعد أسبوع من سريانه للشروع فيما قد تكون أكبر معركة في الحرب التي بدأت قبل نحو ست سنوات.
وبدأ مقاتلو المعارضة تقدما في الريف قرب مدينة حماة في وسط البلاد حيث قالوا إنهم حققوا مكاسب اليوم الخميس.
وتتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي روسيا بنسف الجهود الدبلوماسية للسعي وراء انتصار عسكري في حلب ويقولان إن موسكو ودمشق مدانتان بجرائم حرب لاستهدافهما المدنيين والمستشفيات وعمال الإغاثة لكسر إرادة 250 ألف شخص يعيشون تحت الحصار داخل أكبر مدينة سورية.
ووصفت مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موجيريني الغارات الجوية في حلب بأنها "مذبحة" وقالت إن الحكومات الأوروبية تدرس استجابتها في هذا الصدد. وتقول الحكومتان الروسية والسورية إنهما لا تستهدفان سوى المسلحين.
وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي تفاوض شخصيا على الهدنة الفاشلة في محادثات مع روسيا على الرغم من الشك الذي أبداه غيره من كبار المسئولين الأمريكيين إن واشنطن قد تتوقف عن المساعي الدبلوماسية ما لم يتوقف القتال.
ودعا إلى وقف الطلعات الجوية وهي خطوة رفضتها موسكو. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف اليوم الخميس إن روسيا "ستواصل العملية التي يقوم بها سلاحها الجوي دعما لنشاط مكافحة الإرهاب الذي تقوم به القوات المسلحة السورية."
وقال بيسكوف إن واشنطن تتحمل مسؤولية القتال لتقاعسها عن الوفاء بالتزامها بالتفرقة بين مقاتلي المعارضة السورية "المعتدلة" و"الإرهابيين".
وأضاف "نعبر بشكل عام عن أسفنا إزاء الطبيعة غير البناءة للخطاب الذي عبرت عنه واشنطن في الأيام الماضية."
في غضون ذلك يدرس مسؤولون أمريكيون اتخاذ ردود أقوى إزاء هجوم الحكومة السورية المدعومة من روسيا على حلب بما في ذلك الردود العسكرية بيد أنهم وصفوا نطاق الردود بأنه محدود ويقولون إنه من غير المرجح اتخاذ إجراءات تنطوي على مخاطرة مثل الغارات الجوية على الأهداف السورية أو إرسال مقاتلات أمريكية لمرافقة قوافل المساعدات.
و ستمثل استعادة حلب أكبر انتصار في الحرب للقوات الحكومية وربما تكون نقطة تحول في صراع يقول معظم الدول الخارجية حتى الآن إنه لن يحسم بالقوة.
وأودت الحرب الأهلية المتعددة الأطراف بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وشردت نصف السوريين وسمحت لجزء كبير من شرق البلاد بالسقوط في أيدي متشددي تنظيم "داعش" أعداء جميع الأطراف الأخرى.
وحلب مقسمة منذ سنوات إلى قطاعات تسيطر عليها الحكومة وأخرى تسيطر عليها المعارضة والمنطقة التي تسيطر عليها المعارضة هي الآن المنطقة الحضرية الكبرى الوحيدة التي لا تزال في أيدي القوات المناهضة للأسد التي تدعمها دول عربية وغربية. وتحاصرها الحكومة منذ يوليو/ تموز قاطعة إمدادات الطعام والدواء عن المحاصرين داخلها.
وأدى القصف الذي وقع الأسبوع الماضي إلى مقتل مئات الأشخاص وخلف مئات المصابين من دون سبيل لإدخال الإمدادات الطبية لهم. وهناك نحو 30 طبيبا فحسب داخل المنطقة المحاصرة. وأوقفت الغارات الجوية والقصف أكبر مستشفيين عن العمل أمس الأربعاء.
وتقول روسيا إن دعم الأسد هو السبيل الوحيد لهزيمة "داعش". وتقول واشنطن إن يدي الرئيس السوري ملطختان بالكثير من الدماء ويجب أن يترك السلطة.
وتقصف واشنطن أهداف "داعش" في الشرق لكن تجنبت باستثناء ذلك المشاركة في الحرب الأهلية في بقية أنحاء البلاد تاركة الميدان مفتوحا لروسيا التي انضمت للحرب قبل عام مرجحة كفة الصراع لصالح حليفها الأسد.
والعلاقات بين موسكو وواشنطن تمر بالفعل بأسوأ فتراتها منذ الحرب الباردة مع فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على روسيا لضمها أراض من أوكرانيا ودعم الانفصاليين هناك.
وقال مسئولون من المعارضة لرويترز إن ضراوة الهجوم تدفع العديد من الجماعات المناهضة للأسد المدعومة من الغرب للتعاون على نحو أوثق مع مقاتلي الجماعات المتشددة خلافا للاستراتيجية التي كانت تأمل واشنطن أن تتبعها تلك الجماعات.
وفي حلب تشترك قوات المعارضة التي تقاتل تحت لواء الجيش السوري الحر في تخطيط العمليات مع جيش الفتح وهو تحالف من الجماعات الإسلامية يشمل الجناح السابق لتنظيم القاعدة في سوريا.
ومن ناحية أخرى تشارك جماعات الجيش السوري الحر المسلحة بصواريخ مضادة للدبابات أمريكية الصنع في هجوم كبير قرب محافظة حماة مع جماعة جند الأقصى التي تستلهم نهج القاعدة وهو ما حول بعض قوة نيران الجيش من حلب صوب تلك المنطقة.
ومقاتلو الجيش السوري الحر على خلافات فكرية عميقة مع الجماعات المتشددة بل إنهم خاضوا قتالا ضدها في وقت من الأوقات.
وقال مسئول كبير في أحد فصائل المعارضة في حلب "في وقت نموت فيه ليس من المنطقي أن نتحقق أولا مما إذا كانت جماعة مصنفة كجماعة إرهابية أو لا قبل التعاون معها. الخيار الوحيد الذي أمامك هو المضي في هذا الاتجاه."
وقال مسئولان أميركيان إن سرعة انهيار المسار الدبلوماسي في سوريا وتقدم القوات الموالية للحكومية في حلب أخذت بعض مسؤولي الإدارة على حين غرة.
وقال مسئولون أمريكيون إن مسئولي إدارة أوباما بدأوا دراسة ردود منها خيارات عسكرية. وتجري المناقشات الجديدة على "مستوى موظفي البيت الأبيض" ولم تتمخض عنها أي توصيات لأوباما.
حتى مؤيدو اتخاذ رد أمريكي أقوى قالوا أمس الأربعاء إنه من غير الواضح ما سيتخذه الرئيس إن كان سيتخذ خطوات من الأساس وإن خياراته "تبدأ من عند تشديد اللهجة" كما ورد على لسان أحد المسؤولين.
وقال مسؤول إنه قبل إمكانية اتخاذ أي إجراء سيتعين على واشنطن أولا أن "تنفذ تهديد كيري وتوقف المحادثات مع الروس" بشأن سوريا.
وقال المسئولون لرويترز بعدما طالبوا بعدم نشر أسمائهم إن من الردود المحتملة السماح للحلفاء الخليجيين بتزويد المعارضة بأسلحة أكثر تطورا أو توجيه ضربة جوية أمريكية لإحدى القواعد الجوية للحكومة السورية وهو ما يعتبر أقل ترجيحا لما يمكن أن يحدثه من خسائر في صفوف الروس.
وأضاف المسؤولون أن الخيارات الجاري بحثها محدودة من حيث العدد ولا تصل إلى حد التزام واسع النطاق بالمشاركة بقوات أمريكية.
وقال أحد المسؤولين إن قائمة الخيارات شملت دعم الهجمات المضادة للمعارضة في أماكن أخرى بأسلحة إضافية أو حتى بالغارات الجوية التي قد "لا تغير مسار المعركة لكنها قد تدفع الروس للتوقف والتدبر."
ومن الأفكار الأخرى الجاري بحثها إرسال مزيد من قوات العمليات الأمريكية الخاصة لتدريب الجماعات الكردية وغيرها من فصائل المعارضة السورية ونشر قوة بحرية وجوية أمريكية ومن دول حليفة في شرق البحر المتوسط.
وقال مسؤول إن مسؤولي الإدارة الأمريكية بحثوا إرسال معونات إنسانية جوا لمناطق خاضعة لسيطرة المعارضة وهو ما سيتطلب مرافقة من جانب طائرات حربية أمريكية لكنهم اعتبروا هذا الخيار ينطوي على مخاطر شديدة وأنزلوه إلى مرتبة متدنية في القائمة.