تروي زيلدا لاغرانج في كتابها «صباح الخير مستر مانديلا»، كيف قادتها الصدفة البحتة للعمل في مكتب نلسون مانديلا، بعد أن أصبح رئيساً لجنوب أفريقيا، كضاربةٍ على الآلة الطابعة، وانتهت للعمل سكرتيرته الخاصة.
لاغرانج الشقراء (46 عاماً)، وُلدت في بريتوريا، ولم تسمع اسم مانديلا، إلا في يوم إطلاق سراحه (11 فبراير 1990)، بعد 27 عاماً من الاعتقال في سجون النظام العنصري. يومها سمعت أمها تتذمر من الخوف، فسألتها: لماذا أنت خائفة؟ فأجابت: لقد أطلقوا اليوم أكبر الإرهابيين.
في مثل هذه البيئة العنصرية الانعزالية نشأت لاغرانج لأسرة من الطبقة الوسطى، تتشرب كراهية المواطنين السود من البيت والمدرسة والحي والمجتمع الأبيض. وبالصدفة قرأت إعلاناً عن وظيفة شاغرة لسكرتيرة تجيد الطباعة، وشجّعها على تقديم أوراقها أن العمل قريبٌ من مسكنها. وبعد أسبوعين من التحاقها بالعمل، التقت بمانديلا وجهاً لوجه في أغسطس 1994.
بادرها الرجل بإلقاء التحية بلغتها الأفريكانية (لغة البيض)، وكانت آخر شيءٍ تتوقعه، فعقدت المفاجأة لسانها ولم تفهم ما قال، فمدّ يده لمصافحتها، وفجأةً وجدت نفسها تنخرط في البكاء. مدّ يده الأخرى ليربت على كتفها ويهوّن عليها، وأخذ يسألها عن هويتها وعائلتها ومنطقتها، كما يفعل بمن يلتقيهم من موظفيه من السود والبيض. وكتبت عن هذه اللحظة المفعمة بالمشاعر: "كيف للرجل الذي سجنه قومي 27 عاماً، وسرقوا منه حياته، أن يحييني بلغتي الخاصة".
في أحد الأيام من العام 1995، دخلت عليه مكتبه لتقدّم له الشاي، فقال لها: "أريدك أن تأتي معي إلى اليابان"، ولأنها لم تكن تعرف عن آليات العمل الحكومي قالت ببراءة: "شكراً جزيلاً مستر مانديلا... لكني لا أملك المال الكافي لشراء تذكرة السفر لليابان"، فانفجر مانديلا ضاحكاً، "لأني كنت ساذجةً جداً" كما تقول. ثم أشار إليها بالذهاب إلى المدير العام لشئون الرئاسة ليوضّح لها إجراءات السفر والبروتوكول.
سافرت لاغرانج مع مانديلا إلى اليابان، ثم إلى كوريا، ولم يكن لها من عملٍ على الإطلاق خلال هذا السفر سوى تناول وجبات الطعام، والآخرون يقومون بكل الأعمال. الشيء الوحيد الذي كان يحرص عليه مانديلا هو تقديمها لرؤساء الدول والحكومات وكبار المسئولين، "كما لو أن الكوكب مرتبط بي" كما تقول... ولم تدرك سبب ذلك إلا بعد سنوات.
بعد تلك الزيارة تغيّر الوضع، أخذ مانديلا يكلّفها بأداء بعض المهام، مثل طباعة رسائله الشخصية، وحضور الاجتماعات وتسجيل الملاحظات. ثم جاءت زيارته الرسمية لفرنسا في العام 1996، حيث أصرّ على اصطحابها، ولم يصطحب سواها من السكرتيرات، فوجدت نفسها ملزَمةً بأداء أعمال السكرتارية في الخارج، وتعلّمت كيف تتم الأمور. وهكذا وجدت نفسها أكثر انخراطاً في حياته الشخصية ومصاحبته هنا وهناك حتى خارج الدوام، فتبقي معه أحياناً حتى وقت متأخر من الليل، حيث يتلقى اتصالات من رؤساء الدول. وحين زار أحد تجمعات "البوير" (الأوروبيين البيض)، "كان يرى أنني شخصية نموذجية للبوير، وكان ذلك يروق لي"، كما تقول.
كانت حينها شابةً في الثالثة أو الرابعة والعشرين من عمرها، ولم تدرك إلا بعد سنوات، أن هذا الرجل المناضل الصلب من أجل الحرية، كان يفكّر بطريقة استراتيجية بعيدة، فقد كان مهماً في ذلك الوقت أن يظهر للعالم أننا "سنحتضن جميع الثقافات والأعراق، وسيكون معنا البيض للعمل معاً"... وها هو يقدّم للعالم سكرتيرته الخاصة بيضاء.
كانت رسالة رجل دولة ساعد في تحوّل نظام عنصري انعزالي بغيض، إلى نظام ديمقراطي منفتح، اكتسب احترام وتقدير العالم أجمع. وكانت الدول تحرص على استقباله، وحرص على زيارته بيل كلنتون في ولايته، كما حرص على زيارته باراك أوباما بعد اعتزاله السياسة، رغم أن دولتهما كانت من أشد المؤيدين لنظام جنوب أفريقيا العنصري خلال عقود طويلة.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 5134 - الإثنين 26 سبتمبر 2016م الموافق 24 ذي الحجة 1437هـ
اشقال ! قال منديلا ! منديلا مرة وحدة !!
لاحول ولا قوة الا بالله
آقول وحدة وحدة علي روحكم لا طيحون ، بالهوينا بالهوينا شوي شوي
اشجاب ل جاب ههههههه
رحم الله إمرأً عرف قدر نفسه .
مانديلا سم اضرسكم
تستجنون اذا ذكر احد اسم مانديلا
تعرفون ماذا يمثل من قيم الحرية والمساواة وهو ما لا تريدونه لتعيشوا طول حياتكم عبيد.
مانديلا عقدتكم وذكره يصيبكم بالتوتر العصبي.
مسكين انت
اقرأ التعليق عدل وافهمه بعدين علق يا مغفّل
الزين اللي فيكم انكم مستانسين علي روحكم وكل واحد يشجع الثاني كأنهم في مباراة هههههه
الزين اللي في الطرف الاخر انه مستانس على روحه ويشجعون بعضهم على الظلم والتمييز والعنصرية ونزع حقوق الاخرين وتمزيق المجتمع وبث الكراهية بين المسلمين. صح لو مو صح؟
صدقت يازائر 2 هاده كلام الحق الي يوجع ولايريدونه لانهو ضد مصالحهم الدنيويه ونسو الله وعدله
مقال جميل
مقال جدا جميل قد لا يفهمه سوى الأحرار الذين يطالبون بالحرية للجميع دون استثناء والسلام.
هذا بالضبط ما قام به حكام العراق الجدد بعد غزو العراق من قبل الأمريكان
صح الله لسانك فحكام العراق الجدد بعد الغزو الامريكي نشروا ثقافة الحب و العمل الجاد و الولاء للوطن و حاربوا المليشيات الطائفية
الله يهديك ياسيد تحط منديلا مع المتآمرين علي وطنهم لكن مقيوله من يصنع المعروف بغير أهله يلقي كما لاقي مجير أم عامر
يبدو أنك لا زلت تفكر كما يفكر أهل بريتوريا الذين وصفوا مانديلا بالإرهابي
اقرأ باقي المقال بتمعن
تحياتي لك
ياجماعة المسلمين حاليا مشغولين بنشر الإسلام في الدول أللي كل سكانها مسلمين...ومازالو يطبقون تعاليم الدين بحسب وجهة نظرهم مثل قطع الرؤوس...والحرق والسبي والإستعباد...هذا فهمهم للدين...يعني لوعندهم هذه البنت لكانت مسبية وعبدة عند أحدهم....
مقال جميل
كان المفروض ان تأخذ دولنا جنوب افريقيا قضية يمكن الاحتذاء بها والتطلّع نحوها للخروج من بوتقة الطائفية والعنصرية البغيضة لكن للأسف الشديد الدرس الجنوب افريقي قرأ بالمعكوس.
فلا نحن مسلمين ونتبع الاسلام في التعامل مع الشعوب ولا نحن من الدول المتحضرة التي تتخذ من الأمثلة الجيدة طريقا يمكن سلوكه لاختصار الآلام ومشاكل البلد
شكرا يا استاذ قاسم على تلك المعلومة التي حوت مقالك وان شاء الله يقرا المقال ببصير ة وتاخذ العظة منه
مقال رائع عسى الله يهدي الحال شكرا للكاتب
سيد لا تجيب لهم ذكر مانديلا لأن ذكر المناضلين من أجل الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الانسانية يضايق البعض في هذه الديرة، لأنهم يرون انفسهم فوق البشر واعلى منهم ورغم ان الجميع يدّعي انتماءه للاسلام ورغم أن أولويات الاسلام محاربة الظلم والاضطهاد والتكبّر والاستفراد إلّا انهم ما إن يأتي الوضع لشعب البحرين انقلبت المقاييس كلها رأسا على عقب