العدد 5133 - الأحد 25 سبتمبر 2016م الموافق 23 ذي الحجة 1437هـ

علينا أن نختار المضيّ بنموذج أفضل للتعاون أو التراجع لعالم منقسم (1)

باراك أوباما comments [at] alwasatnews.com

رئيس الولايات المتحدة الأميركية

(كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية للدورة الـ 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة)

السيد الرئيس، الأمين العام، الزملاء المندوبين، السيدات والسادة: بما أنني أخاطب هذه القاعة كرئيس للمرة الأخيرة، اسمحوا لي بأن أسرد مدى التقدم الذي أحرزناه في هذه السنوات الثمانية الأخيرة.

فمن أعماق أكبر أزمة مالية في عصرنا هذا، قمنا بتنسيق استجابتنا من أجل تجنب كارثة أفدح والعودة بالاقتصاد العالمي للنمو. لقد أزلنا الملاذات الآمنة الإرهابية، وقمنا بتعزيز نظام منع الانتشار النووي وعمدنا إلى حل المسألة النووية الإيرانية باعتماد الدبلوماسية. لقد قمنا بفتح العلاقات مع كوبا، وساعدنا كولومبيا على إنهاء أطول حرب في أميركا اللاتينية، ورحبّنا بزعيمة ميانمار المنتخبة ديمقراطياً في هذه الجمعية. إن مساعداتنا تساعد الناس في إطعام أنفسهم، وفي رعاية المرضى، وفي تزويد المجتمعات بالطاقة في جميع أنحاء أفريقيا، وفي الترويج لنماذج التنمية بدلاً من الاعتماد. وقد منحنا المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تمثيلاً أكبر، حينما قمنا بإنشاء إطار لحماية كوكبنا من الآثار المدمرة لتغير المناخ. هذا العمل مهم. وقد أحدث تغيراً حقيقياً في حياة شعوبنا، ولم يكن ليتحقق لو لم نعمل معاً. ومع هذا، وما زلنا نرى في جميع أنحاء العالم أن نفس قوى الاندماج العالمي والتي جعلتنا متكاتفين هي أيضاً نفس القوى التي تكشف التصدعات العميقة في النظام الدولي القائم.

ونحن نرى ذلك في عناوين الصحف كل يوم. في جميع أنحاء العالم، يتدفق اللاجئون عبر الحدود هرباً من الصراع الدامي. وتستمر الاضطرابات المالية التي تثقل كاهل عمالنا ومجتمعاتنا بأكملها. لقد انهار النظام الأساسي، والأمن الأساسي في مساحات واسعة في الشرق الأوسط. ونحن نرى الكثير من الحكومات تقوم بتكميم أفواه الصحافيين، وسحق المعارضة، وفرض الرقابة على تدفق المعلومات. تستخدم الشبكات الإرهابية وسائل التواصل الاجتماعي لافتراس عقول شبابنا، وتعريض المجتمعات المنفتحة للخطر، وإثارة الغضب ضد المهاجرين الأبرياء والمسلمين. وتتزاحم الدول القوية في وضع القيود عليهم بموجب القانون الدولي.

وهذا هو التناقض التي يحدد عالمنا اليوم. فإن عالمنا وبمعايير كثيرة أقل عنفاً وأكثر ازدهاراً من أي وقت مضى بعد مرور ربع قرن على انتهاء الحرب الباردة، إلا أن مجتمعاتنا محفوفة بالشك، والشعور بعدم الارتياح والصراع. وعلى رغم التقدم الهائل، كلما فقد الناس الثقة في المؤسسات كلما أصبح الحكم أكثر صعوبة وكلما زادت سرعة التوترات بين الدول لتطفو على السطح.

ولذلك فإنني أعتقد في هذه اللحظة أننا جميعاً نواجه خياراً، إما أن يكون بإمكاننا أن نختار المضي قدماً بنموذج أفضل للتعاون والتكامل، أو أن يمكننا التراجع إلى عالم منقسم بشدة، وإلى صراع في نهاية المطاف، على أسس قديمة من حيث الانتماء للأمة والقبيلة والعرق والدين. أريد أن أقترح عليكم اليوم أنه يجب علينا المضي قدماً، وليس إلى الوراء. وأعتقد أنه على رغم عدم مثاليتها، فإن مبادئ الأسواق الحرة والحكم الخاضع للمساءلة، ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي التي قمنا بتشكيلها تبقى هي الأساس الأمتن للتقدم البشري في هذا القرن. أقوم بهذه المجادلة، ليس بالاستناد إلى نظرية أو عقيدة، بل على حقائق – حقائق ننساها في كثير من الأحيان في عجلة الأحداث الجارية.

وهنا تكمن الحقيقة الأكثر أهمية: إن تكامل اقتصادنا العالمي قد جعل الحياة أفضل لمليارات الرجال والنساء والأطفال. فعلى مدى السنوات الـ25 الماضية، تم خفض عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع من نحو 40 في المئة من البشر إلى أقل من 10 في المئة. وهذا إنجاز لم يسبق له مثيل من قبل. وإنها ليست فكرة مجردة لأنها تعني أن لدى الأطفال ما يكفي من الطعام، وأن الأمهات لا تمتن أثناء الولادة.

وفي هذه الأثناء، فإن فك الشيفرة الوراثية يحمل وعوداً بعلاج الأمراض التي ابتلينا بها لقرون مضت. إن شبكة الإنترنت تستطيع إيصال مجمل المعرفة الإنسانية لفتاة صغيرة في قرية نائية على جهاز محمول باليد. في الطب والصناعة، وفي التعليم والاتصالات، نحن نشهد تحولاً في كيفية عيش البشر بشكل يذكّر بالثورات في الزراعة والصناعة. ونتيجة لذلك، فمن المرجح لشخص ولد اليوم أن يكون بصحة جيدة، وأن يعيش لفترة أطول، وأن يحصل على فرصة أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية.

وعلاوة على ذلك، فقد سمح انهيار الاستعمار والشيوعية للمزيد من الناس من أي وقت مضى للعيش مع حرية اختيار قادتهم. وعلى رغم وجود المناطق الحقيقية والمثيرة للقلق حيث تبدو الحريات في تراجع، تظل الحقيقة أن عدد الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم قد تضاعف تقريباً في السنوات الـ25 الماضية.

في كل أصقاع الأرض، يطالب المواطنون باحترام كرامة كافة الناس بغض النظر عن جنسهم، أو عرقهم، أو دينهم، أو إعاقتهم، أو ميولهم الجنسية، ويجب أن يخضع أولئك الذين يحرمون الآخرين من كرامتهم للتوبيخ. وقد أعطى تفجر وسائل التواصل الاجتماعي الناس العاديين طرقاً أكثر للتعبير عن أنفسهم، وزاد من توقعات الناس للذين هم مثلنا في مواقع السلطة. وفي الواقع، كان نظامنا الدولي ناجحاً لدرجة أننا نأخذه كأمر مسلّم به أن القوى الكبرى لم تعد تخوض حروباً عالمية، وأن نهاية الحرب الباردة قد رفعت ظلال الكارثة الكونية النووية، وأن ساحات المعارك في أوروبا تم استبدالها باتحاد سلمي، وأن الصين والهند ما زالتا على طريق النمو الملحوظ.

وأقول هذا كله ليس لتمويه التحديات التي نواجهها، أو للإيحاء بالشعور بالرضا، بل لأنني أعتقد أننا بحاجةٍ إلى الاعتراف بهذه الإنجازات من أجل استحضار الثقة بالنفس لتنفيذ هذا التقدّم إلى الأمام، وللتأكد من أننا لن نتخلى عن تلك الأشياء التي حققت هذا التقدم.

ومن أجل المضي قدماً، يجب علينا أن نعترف بأن المسار الموجود لتحقيق الاندماج في الاقتصاد العالمي يتطلب تصحيحاً. وكما هو الحال عادة، فإن هؤلاء الذين يطبلون بفوائد العولمة قد تجاهلوا عدم المساواة داخل الدول وفيما بينها. وقد تجاهلوا الجاذبية الدائمة للهويات العرقية والطائفية، وتركوا المؤسسات الدولية بجاهزية ضعيفة ونقص في التمويل ونقص في الموارد للتعامل مع التحديات العابرة للحدود.

وعندما أهملت هذه المشاكل الحقيقية، بدأت رؤى بديلة في التقدم في الدول الأغنى وفي الدول الأفقر على حد سواء، مثل الأصولية الدينية، وسياسة العرق، أو القبيلة، أو الطائفة، والقومية العدوانية، والشعبوية الخام – أحياناً من اليسار المتطرف ولكن في معظم الأحيان من اليمين المتطرف – الذي يسعى لاستعادة ما يعتقدون بأنه عصر أفضل وأكثر بساطة وخالي من التلوث الخارجي.

ونحن لا يمكننا استبعاد هذه الرؤى لأنها قوية وتعكس حالة من عدم الرضا بين الكثير من مواطنينا. أنا لا أعتقد بأن هذه الرؤى تستطيع أن توفر الأمان أو الرخاء على المدى الطويل، ولكن أعتقد أن هذه الرؤى تفشل في التعرف، وعلى مستوى أساسي جداً، على إنسانيتنا المشتركة. وعلاوةً على ذلك، أعتقد أن تسارع حركة السفر والتكنولوجيا والاتصالات – جنباً إلى جنب مع اقتصاد عالمي يعتمد على سلسلة توريد عالمية – يجعل هؤلاء الذين يسعون إلى عكس هذا التقدم مهزومين ذاتياً في نهاية المطاف. اليوم، أي أمة تحيط نفسها بجدران هي أمة ستسجن نفسها فقط.

إذن الجواب لا يمكن أن يكون من خلال رفض بسيط للإندماج في الاقتصاد العالمي، وبدلاً من ذلك، يجب علينا العمل معاً للتأكد من تقاسم منافع هذا الاندماج على نطاق واسع، ومعالجة الاضطرابات – الاقتصادية والسياسية والثقافية – التي تنتج عن الاندماج بشكل عادل.

إقرأ أيضا لـ "باراك أوباما"

العدد 5133 - الأحد 25 سبتمبر 2016م الموافق 23 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:42 ص

      انت يا اوباما سبب دمار الدول العربيه كل هادى الحروب صارت فى عهدك ورئاستك بفلوس عربيه اللهم اهلك الظالمين الكفرة

اقرأ ايضاً