كثيرون يُلْقون باللائمة على الحكومات الأوروبية في نشأة هذا الفكر المتطرف والسلوك العنيف، إمّا لسكوتها عن الإساءة للمقدسات الإسلامية بحجّة حرية التعبير، أو جرّاء تهميش الشباب المغاربي المهاجر الذي يعيش في (غيطوهات) بفرنسا أو بلجيكا. لكنّ كل هذا لا يبرر ما يأتيه بعض الشباب المتعصب من جرائم في حقّ الإنسان أو مقدسات الغير.
لا يزال كابوس مجزرة «نيس» الإرهابية في فرنسا ينوء علينا بكلكله، حين داهمتنا أخبار اعتقال الشرطة الإسبانية، نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي، مهاجراً مغربيّاً متّهماً بإضرام النار في كنيسة «فونتياس» بمدينة نافارا؛ فقد اقتحم الكنيسة عن طريق السقف، وأقدم على إحراق أهم مكوناتها، قبل أن تصل ألسنة اللهب إلى أعلى برج الحراسة، متسببةً في سقوط جزء مهم من زخرفة السقف، فيما اسودت جدران المعبد بفعل السخام الناتج عن الاحتراق.
هذا العمل الجبان من شأنه تغذية التعصب الديني؛ لاسيما وأنّ الجاني تجرّأ على إحراق أحد أقدم المراكز التعبديّة بالمنطقة، وإلحاق أضرار وخيمة بتماثيل لمريم العذراء يعود تاريخها إلى القرن 17 م. ولا يزال السؤال يقضّ مضجعي: ألا توجد آلية عمليّة للحد من هذه الجرائم؟ هل أنّ الدول في العالم جادّة حقاً، كلّ من جهتها، في معالجة هذه الظاهرة التي لا تمتّ إلى الإسلام بصلة؟
للأسف، مرّة أخرى، أنْ يقع الاعتداء على المقدّسات المسيحيّة، أو غيرها. وللأسف ألف مرّة أنْ تقع مثل هذه الحوادث المعزولة والشاذة على أيدي شباب مهاجرين من المغرب العربيّ. وواأسفاه ألف ألف مرة حين يعتقد هذا الشاب كما جاء في اعترافاته أمام القضاء، بأنّ التهمة المنسوبة إليه «تقرّبه إلى خالقه».
لقد استوقفتني هذه العبارة طويلاً، كما استوقفَت المسئولين المغاربة لعمل شيء ما، شيء من شأنه أن يسهم في الحدّ من هذا التيار الجارف، تيّار الاعتداء على أرواح الناس، ومقدساتهم بعلّة التقرب إلى الله، والدفاع عن الإسلام جرّاء ما يقترفه بعض الأوروبيين من استهزاء بالنبيّ الأكرم والمقدّسات الإسلامية...إلخ. ومن ثَمَّ فكثيرون يُلْقون باللائمة على الحكومات الأوروبية في نشأة هذا الفكر المتطرف والسلوك العنيف، إمّا لسكوتها عن الإساءة للمقدسات الإسلامية بحجّة حرية التعبير، أو جرّاء تهميش الشباب المغاربي المهاجر الذي يعيش في (غيطوهات) بفرنسا أو بلجيكا. لكنّ كل هذا لا يبرر ما يأتيه بعض الشباب المتعصب من جرائم في حقّ الإنسان أو مقدسات الغير.
صحيح أنّ هذا الخطاب التبريري للمتطرفين يحتاج إلى تفكيك وتحليل، غير أنّ المرور إلى الحلول العملية صار من أوكد الأولويات لحماية هؤلاء الشباب من أنفسهم وفكرهم القائم على مسلمات ما أنزل الله بها من سلطان. لذلك تحرّك بعض المسئولين من المغرب ولا سيما المسئولون الرسميون في مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج(CCME) ، وأعطوا الشكاوى المقدَّمَة من لدن الأئمّة المغاربة العاملين في مساجد أوروبا حقّ قدرها. ثمّ انطلقوا في رسم خطّة لمعالجة المشكلة الرئيسية والمتمثّلة بحسب تشخيصهم في ضعف الأئمة المغاربة في مواجهة المتطرفين بأوروبا.
وفي نهاية أعمال اللقاء الدولي الأول بشأن «الإمام وتحديات السياق الأوروبي»، دعا عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية، إلى تأسيس هيئة خاصة بالأئمّة يجتمعون داخلها ويشكلون ضغطاً بواسطتها، ويمنحون لأنفسهم بذلك القوة والقدرة على طرح آرائهم المعتدلة في نطاق واسع لمواجهة خطاب المتطرّفين. وقد لوحِظ عقب حادث شارلي إيبدو في باريس، أنّ عدد المتدخلين المسلمين، وبالخصوص أئمة المساجد، في بعض وسائل الإعلام الفرنسي وقتها كان ضعيفاً جداً؛ فمنهم من لا يتقن اللغة الفرنسية، ومنهم من لم يقدّم فكرة مبتكرة أو يبدع موقفاً جديراً بالاحترام، ومنهم من وجدها فرصةً للظهور لا أقل ولا أكثر. وهو ما يتطلب تأسيس هيئة تعلن بسرعة عن موقف الأئمة من قضية ما في أوروبا دون أن يطلب منهم ذلك. كما وعد مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج بأن يساهم في تعليم الأئمة للغات بلدان الإقامة، ودعاهم إلى استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لتأسيس علاقات مع المغاربة المسلمين.
ويؤكد مراقبون للشأن العربي في المهجر، أن أغلب الذين تم تجنيدهم في الخلايا الإرهابية أو المشاركين في أحداث العنف على أسس طائفية أو دينية في أوروبا بشكل عام، هم من الأشخاص ذوي الاطلاع المحدود على التراث الفقهي والثقافي العربي الإسلامي، ومن المهم إخراج هؤلاء من دائرة الجهل التي يعيشونها وإخضاعهم لدورات تعليمية تمكّنهم من معرفة حقيقة أصولهم الدينية والقومية التي تتسم فعلاً بالتسامح والانفتاح والأصالة واحترام الآخر.
لذا فإنّ عقد دورات تكوينية الفائدة لمعلمي اللغة العربية وأئمة المساجد يغدو من الحلول السريعة والممكنة؛ ذلك أنّ التكوين الثقافي والنفسي السليم للأئمة والناشئة عموماً في دول المهجر (أساساً أوروبا) يُمكّن من إيقاف هذا التيار التكفيري الإرهابي الجارف، بالإطلاع على حقيقة الإسلام المتسامحة، وتدريسها من أجل تدعيم ثقافة التسامح والانفتاح للجالية المغاربية في الخارج.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5127 - الإثنين 19 سبتمبر 2016م الموافق 17 ذي الحجة 1437هـ
أوْقِفوا هذا التيّار الجارف:
ونعم النداء فهل من مستجيب
جميل أن يعالج الكاتب الموضوع ويقترح حلولا والأجمل طبعا أن يقع تبنيها من قبل المسؤولين