كتب على أخر ورقة بيضاء يملكها ولم يعد لديه المزيد من الأوراق ليكتب عليها تفاصيل حياته التي عاشها كي تبدو أقل ألماً مما هي في حقيقتها. فأخذ يتأمل غرفته كأنه يراها للمرة الأولى. كانت الغرفة التي اختارها لعزلته تقع على سطح أحد الأبنية، مظلمة وكئيبة كحالته. تحوي ساعة حائط، عقاربها متوقفة عند التاسعة، سرير غير مرتب، بجانبه كرسي يجلس عليه وطاولة تعلوها مجموعة من الأوراق المرتبة والأقلام المبعثرة ومذياع معطل وهاتف مجهول الرقم. لم يكن يدري متى كانت المرة الأخيرة التي جلس فيها مع أحدهم وتحدث إليه ولكنه كان يشك بأنه لا يزال يعرفه. أخذ يمشي بداخل الغرفة وهو يهرش رأسه بيده محاولاً التفكير بعزلته التي اختارها. كانت المرة الأولى التي يفكر فيها بغير الكتابة ويكسر روتينه اليومي المعتاد، متمثلاً بالكتابة والنوم وتناول وجبة طعام واحدة في اليوم، يطلبها عبر الهاتف من مطعم قريب.
أخذ يقضم أصابعه بنهم وهو يفكر فيما إذا كان السر الذي يخبئه بداخله يستحق أن يحبس الشمس لأجله خلف بابه الموصد أو أن يبغض الناس كما تبغض حجارة الأرصفة أحذية المارة القاسية. لم يكن يدري ماذا يفعل أو لمن يذهب. فاندفع نحو النافذة وأزاح ستارتها للمرة الأولى منذ مدة لا يذكرها، استنشق الهواء كطير جريح يداعب النسيم جناحيه. عندما شاهد غروب الشمس تذكر المرة الأخيرة التي التقى فيها بأحدهم عند الرصيف البحري، حين كانوا يراقبون الشمس تختبئ خلف البحر بأيدي متشابكة وابتسامة مشرقة. لم يجد وسيلة للخلاص مما هو فيه إلا البوح بسره المخبئ لذاك الشخص. حلق ذقنه واستحم ثم احتضن وسادته وغفى على أمل لقائه في اليوم التالي والبوح له بالسر الذي جعله منعزلاً وكئيباً كل هذا الوقت.
في صباح اليوم التالي، لم تكن حرارة أشعة الشمس المتسللة من نافذته التي نسي إغلاقها قبل النوم، أشد حرارة من سره المخبئ بداخله، لكنها كانت كافية لإيقاظه من نومه. حاول النهوض من سريره لكنه لم يكن قادراً على تحريك جسده. سرعان ما تحجرت عيناه وتثاقل لسانه ثم مر شريط من الذكريات أمام عينيه بسرعة قبل أن يشعر بأن شيئاً غريباً خرج من جسده.
قصة جميلة ذات مغزى رائع