من أشد الأعاصير التي يتعرّض لها الجيل الحالي... هذا التدفق الهائل وغير المتوقع من المعلومات، بما يفوق قدرة العقل على التحمل أو الاستيعاب.
في الجيل السابق، كان البعض يتفاخر بقراءة خمسين كتاباً في العام، أيام الشباب والفراغ، أما اليوم فلم يعد الوقت يتسع لقراءة كتاب واحد في الشهر. بل إن الكتاب يتنحّى عن الصدارة لصالح أدواتٍ ووسائلَ معرفيةٍ أخرى، على رأسها هذه الأجهزة الإلكترونية الذكية، التي وضعت ملايين الصور والنصوص والفيديوهات والأفلام والكتب والصحف والمجلات بين أصابع طلابها، بحيث أصبح التصفح السريع سمة العصر.
العواصف الفكرية الكبرى كانت تهبّ على المنطقة منذ بداية القرن العشرين، من خلال صراع التيارات الفكرية والسياسية، على شكل موجات، تأخذ مداها كل ثلاثين عاماً، لتحل موجة مكان موجة. وفي جيلنا السبعيني، أصبح معدل هذه الهبّات يتكرّر كل عشر سنوات، أما في هذه الفترة، فأصبحت الرياح تهبّ كل عامٍ أو عامين، مع كل اختراع أو جهاز ذكي جديد ينزل في الأسواق.
خصوصية الناس كانت مصانةً حتى مطلع القرن الجديد، حيث كان البعض يحرص على عدم ذكر أسماء نساء عائلته في أي حديث عام. أما اليوم فأصبح لكل فتاةٍ أو سيدةٍ أو صبيةٍ حسابٌ على «الانستغرام» أو «الفيسبوك»، تعرض فيه الصور العائلية وتكتب ما يعنّ لها من خواطر وكلمات.
الفرق يمكن أن تلمسه حتى في الجيل الجديد نفسه، فالفرق كبيرٌ بين الأخ الذي تخرج من المدرسة هذا العام، ممن شهد أول نسخة بدائية من «البلايستيشن» نهاية التسعينات، وبين أخيه الذي التحق بالروضة هذا العام، وفتح عينيه مباشرةً على «الآيباد» منذ عامه الأول. والرسوم المتحركة التي كان أبناء الحيّ يجتمعون عصراً لمشاهدتها في وقت معين من البث التلفزيوني في السبعينات، أصبحت متاحةً بين أيدي الصغار حتى قبل التحاقهم بالروضة، فيمكنهم اختيار ما يشاءون من حلقات ومسلسلات وبرامج مسابقات وملايين الفيديوهات التي يصنعها الهواة من مختلف أقطار الدنيا... كل المنتجات الثقافية أصبحت متاحةً له على شاشة صغيرة يحرّكها بأصبعه في سلاسة.
مع هذه المنتجات تكون ثمة ثقافة تتسرب في هدوء إلى العقول الطرية، ومفاهيمُ جديدة، وقيمٌ هي نتاج تلك الأرض التي أنبتتها، والعقول التي ابتكرتها. كلمات مثل (gay) لم يعرف الكثيرون معناها إلا بعد تجاوزهم سن الأربعين، أما اليوم فيمكن أن تسمع الصغار في سن العاشرة يتكلّمون عن الـ(trans…)، ويشيرون إلى وجودهم في بعض الأماكن كالصالونات.
المؤسسة الدينية بعيدة عن هذا المجرى الذي يشق طريقه في الحياة ليصنع تحولات فكرية كبرى. ويقنع رجال الدين بالأنشطة التقليدية التي تعجز عن استقطاب الجيل الشاب، ولمّه حول المنبر الذي بات عاجزاً عن تلبية رغبات وتطلعات الجيل الجديد في المعرفة، فيغرق في الأحاديث التاريخية المكرّرة، متسلِّحاً بأحاديث الأحلام والمعجزات، ولا يتوانى عن ترويج الخرافة، فيزداد بعداً عن الساحة والحياة.
الأنظمة السياسية العربية هي الأخرى تعيش بعيداً عن مجرى التاريخ وحياة الناس. ففي الوقت الذي تتطلع فيه الشعوب إلى قيم الكرامة والحرية والعدالة والمساواة، تصرّ على معاملتها بأدوات السيطرة القديمة، وسياسات العصا والجزرة، وقمع الحريات، وتزوير إرادة الشعوب، والاستخفاف بحقوق الإنسان، في عالمٍ يزداد تكتلاً ضد هذه الانتهاكات.
هذا التدفق الهائل للمعلومات والأخبار والأفكار، يتخمّر في عقول الناشئة، تساؤلاتٍ ومقارناتٍ، فيصنع أكبر ثورة في العقول، ستغدو أحداث الربيع العربي قصةً خرافيةً صغيرة أمام ما ستطلقه من براكين وأعاصير في القادم من الأيام.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 5126 - الأحد 18 سبتمبر 2016م الموافق 16 ذي الحجة 1437هـ
2.
أنا كنت أحب القراءة و المطالعة و مازلت كذلك، غير أن اسلوبي تغير و وجدت في المحتوى الألكتروني وسيلة أفضل من الكتب و المجلات الورقية أولا لسرعة وصولي للمعلومة و ثانيا لأن المعلومة الألكترونية ليست كلمة مكتوبة أو صورة مطبوعة فقط بل هي صوت و صورة متحركة أيضا ما يسهم في ترسيخ المعلومة أكثر في الذهن و يفتح آفاق أوسع للتعلم و الثقافة.
1.
أنا متفق معك بأن المؤسسة الدينيةبالذات يجب عليها تطوير نفسها لتواكب العصر و تستخدم أساليب حديثة لتصل الى الصغار و تنشر الثقافة و الوعي الديني بأسلوب يجذب الصغار المعتادين على ما يبهرهم من اجهزة الكترونية و تطبيقات ذكية و غيرها لأن قابلية التعلم أصبحت مرهونة بالإبهار مع وجود الأجهزة الذكية و الكتاب في هذا الزمن ذكرى جميلة من الماضي بالنسبة لنا نحن من تربينا على القراءة في الكتب.
اصبح الشباب لا يحب قراءة الكتب ويفضل هذه الوسائل التي تنفع قليلا وتضر كثيرا والتي أراها انها تقوقع العقل وتحجمه ف اطار محدد غير النفع الكامل من حمل الكتاب وتصفحة والشعور بالطمأنينة الكاملة أن النت لم يخلص والكهرباء لن تنقطع عنه وتفتح كلمات الكتاب أقفال العقل قفلا قفلا بأستعانة النظر للكلمات وتفتح العقل هذه حقيقة حاولت أيصالها لبناتي ولم أفلح لكرههم الشديد لقراءة الكتب مقابل التلفون بين أيديهم , أسأل الله أن يرحمنا من هذه الاجهزة التي تؤثر حتما ع كهربة عقولنا ومغناطيسيتها ومجالها . أم مروه.
بالضبط سيدناجزاك الله خيرا..إنه إعصار من نوع تكنولوجيا وتنوير..وعقول ..كنت أناقش مع أصدقائي ذلك..بأن أبناءنا لديهم مفاهيم غير التي بالكتب المدرسية.. هناك شئ ما
توقعات خطيرة وقراءة للمستقبل. والخوف انه لا يمر وقت طويل حتى نشاهدها.
هذا التدفق الهائل للمعلومات والأخبار والأفكار، يتخمّر في عقول الناشئة، تساؤلاتٍ ومقارناتٍ، فيصنع أكبر ثورة في العقول، ستغدو أحداث الربيع العربي قصةً خرافيةً صغيرة أمام ما ستطلقه من براكين وأعاصير في القادم من الأيام. أو ربما سنوات
كل أجهزة وأدوات التكنولوجيا الحديثة سبب في عزوف الناس عن القراءة واستخدام العقل وسبب في الكسل الجسدي والذهني . حتى أرقام هواتف أرباؤنا وأصحابنا أصبحنا لا نحفظها بل نعتمد كلياً على الأجهزة المحفوظة بها!