أخيراً... وكالعادة، وبعد خراب البصرة، أدان تقرير لجنة الشئون الخارجية في مجلس العموم البريطاني حكومة كاميرون التي تورطت في التدخل العسكري في ليبيا العام 2011، ووصفه بأنه كان متهوراً قصير الأمد.
الصحف البريطانية وصفت التقرير بأنه «ضربة قاسية لسمعة كاميرون»، حيث جاء محملاً بالإدانة لكل مرحلة من مراحل عملية ليبيا. وبعضها أشار إلى تحوّل ليبيا إلى «صومال جديدة تطل على البحر المتوسط».
ليبيا الممزقة الآن، تتصارع على حكمها القوى السياسية والقبلية والعسكرية في الداخل، وفي الخارج يتصارع على نفطها الفرنسيون والإيطاليون والبريطانيون والأميركيون. كانت بلداً يحكمه فردٌ واحد، مصابٌ بداء العظمة، تخيّل نفسه يوماً مفكِّراً كبيراً فنشر «الكتاب الأخضر»، ليبشر بالنظرية الثالثة في العالم! وكان يستقدم بعض «الأجراء» لكتابة مقالاتٍ أو عقد مؤتمراتٍ لإبراز ما جاء من فلسفةٍ في كتابه الأخضر!
حاكم مضطرب، متقلب، في سلوكياته وعلاقاته وسياساته، أتيحت له ثروةٌ ضخمةٌ كان بإمكانها أن تحوّل ليبيا إلى جنة خضراء، فاستغلها في المغامرات والنزوات، حتى أصبح مضرب مثل في التصرفات الغريبة. يضطر الصحافيين الأجانب إلى الذهاب إليه في الصحراء، ويصطحب معه مجموعةً من الحارسات الحسناوات في زياراته للخارج. وفي آخر مغامراته، اصطحب معه خيمته إلى إيطاليا ونصبها في بهو الفندق، ودعا إلى حضور مئات الفتيات الإيطاليات الفاتنات، بمواصفات جمالية معينة، ليدعوهن للإسلام!
كانت الترتيبات لتحقيق هذه النزوة قد قامت بها وكالة إيطالية للتوظيف، فنشرت إعلاناً يقول: «مطلوب 500 فتاة جذابة ومرحة تتراوح أعمارهن بين 18 و35 عاماً، على ألا يقل طول القامة عن 170 سنتيمتراً». وحضرت 200 فتاة بعد إبلاغهن بالحصول على هدايا ومبالغ مالية. حكايةٌ مخجلةٌ ظلّت تلوكها الصحف الغربية لأسابيع.
هذه كانت آخر صرعات الرجل، الذي كان يحكم ليبيا بقبضة حديدية حتى أصبحت مثل التفاحة المتعفنة، فلم يكن غريباً أن تنهار من الداخل بسرعة، مع هبوب أول رياح العاصفة، التي شارك فيها أقرب حلفائه وأصدقائه: ساركوزي وبرلسكوني وكاميرون... وحتى رجب طيب أردوغان.
اليوم، وبعد أسابيع من خروج ديفيد كاميرون من الوزارة، يكتب عنه أحد الصحافيين، واسمه جوناثان فريدلاند، بأن «ما حدث في ليبيا هو مثال آخر على حماقة كاميرون، والتاريخ لن يرحمه». وهو قريبٌ مما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما: «ما حدث في ليبيا كانت مغامرة مزرية»، علماً بأنه كان شريكاً ومباركاً للمغامرة.
القذافي لم يكن حاكماً عادلاً حتى يبكي لرحيله الشعب، كبقية الطغاة الدكتاتوريين، مثل صدام حسين وحسني مبارك وبن علي وعلى عبدالله صالح، فقد عاش يحتقر شعبه حتى وصفه في آخر أيامه بـ «الجرذان»، وعامله شعبه بالطريقة نفسها من الاحتقار، فقُتل عند فتحة مجاري كان يريد الهرب إليها من سيارته. ذلك تاريخ وانقضى، ليكون شاهداً على بلدٍ حوّله الفساد والاستبداد إلى غنيمةٍ تتقاتل عليها الضباع.
اليوم، تتكلم الصحف في بريطانيا عن سياستها الوضيعة، التي وافق عليها مجلس العموم بأغلبية 557 صوتاً، من المحافظين والعمال، وكان من بينهم كرسبن بلنت كاتب التقرير نفسه، ولم يعارض غير 13 نائباً من حزب العمال!
لا عزاء لليبيا الممزّقة وشعبها الذي يحترق الآن بالنيران، التي أشعلتها مطامع الدول ورؤساؤها... من برلسكوني وساركوزي... إلى كاميرون وأوباما وأردوغان.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 5123 - الخميس 15 سبتمبر 2016م الموافق 13 ذي الحجة 1437هـ
حسين محمد
الشكر الجزيل لكاتب الموضوع وذكر فإن الذكر تنفع المؤمنين ماباك بالمستبدين
إياك اعني واسمعي ياجارة
بريطانيا بعد ان تتسبّب في قتل القتيل تأتي لتقديم العزاء لأهله
سياسة ستنتج شعوب حانقة حاقدة
الضحية الشعوب العربية
الدول الكبرى مثل بريطانيا وأمريكا عادة تنظر إلى مصالحها في ذات اللحظة حتى لو أدت إلى دمار دول وأمم وبعد فترة يحاولون دراسة الماضي و«يطلعون فيها» غلطانين! للشو بس.
الحكومة البريطانية هذا نهجها تدور مصلحتها اين وراها ولو احنا في زمن استعمار احتلونا واستعمرونا بريطانيا العظمى
فلبعى من يعنيه الامر فا الدوائر تدور.
كذلك قالوا عن العراق وإدانوا بلير بعد أن خرج من الوزاره وهذا فالهدف واحد هو تمزيق هذه الامه بعدة مسميات كديموقراطية العراق الاضوحوكه وفوضى ليبيا الكارثه . الآن هذه الشعوب أصبحت أما في حاله يرقى لها فى الداخل وأما مشرفين في الخارج. وتسبب هو الاستيلاء على ثروات البلدين وليس لأن هناك دكتاتورية فجميع الشعوب الآن تأسف وتتحسف على الماضي رغم أنه سيء .
.