تعود قضية الاستقالة عند الفشل إلى واجهات الأخبار العالمية، وذلك بعد أن قدم رئيس أمناء (بي بي سي) جيفين ديفز، استقالته إثر النقد والملامة اللتان وجهتا «لجنة هاتون» إلى هذه الهيئة لنشرها تقريرا فيه معلومات غير صحيحة.
فهذه الهيئة العريقة التي ظلت لعقود طويلة مآل العرب لكي يعرفوا من خلالها ما الذي يجري في أوطانهم بعدما أوصلتهم حكوماتهم إلى مرحلة تمني اليأس، تراجع اليوم سياستها تجاه صوغ الأخبار والتأكد منها، واعترف ديفز أن نظام التحقق من صدق الأخبار في «بي بي سي» نظام معيب.
القضية هنا - كما في غيرها الكثير من القضايا المشابهة - يتحمل فيها رأس الهرم المسئولية كاملة عن أي عيب أو خلل، سواء كان عالما به أو جاهلا، فكلا الأمرين يعلقان في رقبته لأنه إن كان عالما بالخلل ولم يصلحه فهذه مصيبة، لا تقل عنها مصيبة أنه لا يعلم بوجود الخلل، لأن هذا جهل يتنافى مع استحقاقه المنصب.
ولن أخيب توقعات نفر من القراء، ما أرمي إليه هو أننا اليوم نواجه جملة من القضايا والملفات التي تعج بالتجاوزات، وتفوح منها روائح العفن الإداري، والمطالبة هنا بالتحقيق في بعضها، أو عرض بعضها على النيابة العامة، حتى يتم قطع الطريق على «عفا الله عما سلف»، وعلى أن يذهب «الجمل» بما حمل وتتحول الملايين التي تسربت من بين أصابع مقدرات الأمة - سواء بتجييرها إلى صالح جهات معلومة أو بسبب الأخطاء الإدارية والتخبطات - وكأنها «فدوة» لهذا الشخص، و«ما تسوى تراب» مداس شخص آخر... إزاء هذه الاستحقاقات كلها، نجد أننا نرنو إلى المحاسبة وليست مجرد استقالة الأشخاص الذين تمت هذه التجاوزات أثناء توليهم المسئوليات، ولكنهم طالما يفاجئونا بأنهم مزروعون في اماكنهم، ولا يريدون خلع قميص قمصتهم إياه الحكومة، وبالتالي لا يخلع المسمار إلا من دقه
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 512 - الجمعة 30 يناير 2004م الموافق 07 ذي الحجة 1424هـ