المجتمع المدني صيرورة التقدم الاجتماعي، بيدَ أنَّ فاعلية ذلك تعتمد على موقف النخب، بمختلف ثقافاتها ومفاهيمها ومرئياتها الفكرية، ومنحدرها الاجتماعي، المتصدرة لبناء وإدارة منظومة العمل الاجتماعي في فهم محددات قواعد تنظيم وإدارة هذه المنظومة واستراتيجية خططها وبرامجها، وضرورة اﻻلتزام بمبادئ قيم ثقافة الشفافية، واﻻبتعاد عن الشخصنة والمصالح الذاتية في العمل المدني، تلك محددات معلومة ومدركة ضروراتها، بيدَ أنَّ ذلك ليس بالضرورة يؤكد واقعه في الممارسة العمليَّة، وليس غريباً في عالمنا المتغير أن تتمكن الفئة المنغلقة في مفاهيمها، والضيقة في بُعد نظرها وفهمها لخصوصيات المجتمع المدني من استثمار، بل استغلال مبادرات النُّخب المتزنة في بُعد فهمها لعمل المجتمع المدني في تصدُّر مشهد العمل، وفي دحر وإقصاء وتهميش النخب المُؤسسة في بُعد فهمها لعمل المجتمع المدني المرتكزة على مبادئ المصلحة اﻻنسانية واﻻجتماعية والوطنية، وذلك الواقع ليس بالضرورة أن يكون قاعدة عامة أو يحقق اﻻستمراية، إذ ان المتغيرات اﻻجتماعية وضروراتها تفرض واقع محددات الفكر الواعي في معادلة العمل المدني الذي يستجيب لحتمية اﻻلتزام بمحددات قواعد النزاهة والشفافية والصدق في توجيه آليات وخطط العمل المدني بالارتكاز على روافع البعد الانساني واﻻجتماعي والوطني.
الفكر الاجتماعي المعزز بالوعي والمبادرات الفردية والجماعية المُؤسَّسَة في بُعد أهدافها التنموية في المفاصل المختلفة لحياة الانسان، يشكل المقوم الاستراتيجي في بناء المشاريع الوطنية المهمة في خريطة التغيير الاجتماعي وفي إنجاز المشاريع التنموية والبيئية وبناء الوعي والسلوك البيئي للمجتمع، وذلك البُعد يمثل مؤشراً رئيساً في مبادرة إنشاء جمعية البحرين للبيئة التي مضى على تأسيسها 15عاماً وجرى إشهارها في (5 سبتمبر/ أيلول)بموجب القرار الوزاري رقم (36) لسنة 2001 الصادر عن وزير العمل والشئون الاجتماعية سابقاً.
فكرة إنشاء جمعية البحرين للبيئة جاءت بناء على المقترح الذي تقدم به إلينا الشخصية الوطنية يعقوب يوسف جناحي، إذ دعا الى الاستفادة من الخبرات المتراكمة في مجال العمل البيئي في بناء مشروع وطني ينظم الجهود المجتمعية، ويوحد مشاريع المهتمين ونشطاء العمل الاجتماعي البيئي، وحمل همَّ إنجاز رسالة المشروع، بناءً على قرار الاجتماع التأسيسي المنعقد في يوم الثلثاء الموافق (8 مايو/أيار2001)، الشخصية الوطنية عبدالله علي راشد البنعلي وتولى مهمة متابعة إنجاز فكرة المشروع ناشطا العمل المدني البيئي حسن العود وسحر محسني وجرى رفع وثيقة تأسيس الجمعية الى مكتب وزير العمل والشئون الاجتماعية في (9 مايو2001) وسجلت في مصنف الرسائل الواردة تحت الرقم (814)، وجرى عقد الاجتماع الانتخابي الأول للجمعية العمومية بتاريخ (5 أكتوبر/ تشرين الأول 2001) وانتخاب مجلس إدارة مكون من تسعة أعضاء بحضور ممثلين من إدارة البيئة في وزارة البلديات والبيئة سابقاً والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإدارة الثروة السمكية سابقاً ووزارة العمل والشئون الاجتماعية سابقا، ورأس مجلس الادارة الأول عبدالله راشد البنعلي.
المبادرة بإنشاء الجمعية ارتبطت بمرحلة تاريخية مهمة، وكان لمشروع الاصلاح ورياح التغيير في البحرين التي ميزت طبيعة تلك المرحلة أثرها في تفاعل نخبة متميزة من المجتمع البحريني مع فكرة بناء مشروع وطني للعمل المدني البيئي، وساهم في التوقيع على وثيقة التأسيس طيف من الشخصيات الاجتماعية والبيئية منهم، المحامي علي الأيوبي والمحامي حسن علي اسماعيل والمختص في الشأن البيئي سعيد عبدالله الخزاعي والاعلامي البيئي زكريا خنجي والناشط البيئي وحيد زينل والفنان عباس الموسوي والتربوي غازي المرزوق والاقتصادي محمد الصياد، والاطباء اسماعيل القصاب وجمال الصياد واحمد سعد فرحان، وعدد من الشخصيات الاجتماعية، علوي شبر وسينا جابري حاجي وعرفان ناطق وجلال خليل وجمال قاروني ونضال البناء ونشاط ناطق، وعزز قيمة وثيقة التأسيس مشاركة ممثلون من نشطاء البيئة في جوالة المالكية وجماعة العالم الجديد ومجموعة السلام 2000.
البعد الاستراتيجي للمشروع يتمثل في جوهر أهدافه، وجرى بالارتكاز على جوهر مضامينه في العمل على بناء منظمة أهلية مؤسسة في نشاطها البيئي للمساهمة في إنجاز اهداف المشروع الوطني البيئي وفي تنمية الوعي وبناء القدرات البيئية للمجتمع، وتبني نهج العمل المسئول في تنفيذ المشاريع البيئية المتنوعة الموجهة في تفعيل النشاط المدني البيئي والحرص في سياق ذلك التوجه على دعم السياسات البيئية للحكومة وبناء علاقة تفاعلية مع السلطة البيئية المختصة والقطاعات الحكومية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في المجال البيئي.
الجمعية كمشروع للعمل المدني البيئي مرت بمحطات متنوعة في مسارات عملها ورافق ذلك العمل منحدرات ومنعطفات تاريخية مهمة، البعض منها سلبي بيد أن الصفة العامة لمحدداتها اتخذ منحدراً ايجابيّاً بعيداً عن البهرجة الاعلامية عزز ضرورة العمل الواعي والمنظم والملتزم بثوابت القواعد القانونية والادارية والنظام المالي الذي ينظم العمل المدني، وشهد ذلك النهج منعطفاً استراتيجيّاً في نتائج الجمعية العمومية لدورة الانعقاد السابعة 2016 - 2018 المنعقدة في (25 فبراير/شباط 2016) تحت شعار: «العمل على تحديث السياسات، وتجديد المسار للمساهمة في إنجاز أهداف الإستراتيجية الوطنية للبيئة»، وتجسد ذلك المنعطف في التقييم المُؤسَّسَ لمسارات عمل الجمعية وتشخيص اتجاهات العمل في المرحلة المقبلة، ارتكزت بشكل رئيسي في العمل على الارتقاء بأسس العمل الإداري ورفد الجمعية بالعناصر الشابة والاحتفاء بالنخبة المؤسسة للجمعية وتعزيز اسهامات الجمعية في انجاز أهداف المشروع الوطني البيئي.
المنعطف المهم في التغيير تمثل في رفد مجلس إدارة الجمعية بالكوادر الشابة المتمرسة في مجالات العمل الاجتماعي والبحث البيئي والاعلام الاجتماعي وتقنية المعلومات والعمل الاعلامي وترك ذلك أثره في تطوير آليات عمل الجمعية وتفعيل علاقاتها المؤسسية والاجتماعية، وكان للقاء الذي جرى في (25 يونيو/ حزيران 2016) مع وزير العمل والتنمية اﻻجتماعية جميل محمد علي حميدان أثره في التخطيط لبناء أسس مرحلة متطورة في إدارة عمل الجمعية للمرحلة المقبلة.
الادارة الواعية والمسئولة في التزاماتها القانونية والأخلاقية والاجتماعية والإنسانية والوطنية البعيدة عن المصالح الشخصية مؤشر مهم وفعلي في مسارات العمل المدني بمختلف تجلياته، وذلك ما ينبغي إدراكه، والعمل به في إنجاز الأهداف الوطنية للتنمية المستدامة.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 5116 - الخميس 08 سبتمبر 2016م الموافق 06 ذي الحجة 1437هـ