من يتسنَّى له الذهاب إلى سوق المنامة المركزي (سوق الفواكه والخضار على وجه الخصوص) لشراء احتياجاته من الخضروات والفواكه، يجد عدداً من الحمّالين الكبار في السن، الذين دفعتهم الحاجة الماسة لهذا العمل الشاق والمتعب جسديّاً ونفسيّاً ومعنويّاً، أن يتحملوا حرارة الصيف الملتهب، في داخل السوق وخارجه، والله العظيم أيها القراء الكرام، الواحد منا يشعر بالخجل عندما يأتيه أحدهم وهو يجر عربته ببطء شديد، لعدم قدرته على الإسراع في المشي، لاعتبارات صحية تعرفونها جميعاً، ويقول له بكل أدب وبصوت حزين، هل تريد يا ولدي «حمّالي»؟ ولا نبالغ إذا ما قلنا إن بعضهم تفوق أعمارهم سن الستين سنة، وقد نجد أعمار بعضهم تقترب إلى سن السبعين، إذا لم يكن أكثر بقليل، بكل صراحة، في تلك اللحظات المؤلمة، تنحبس الكلمات في داخلنا وينعقد لساننا عن الكلام، لا ندري، هل نكلف على ذلك المسن الذي لا يقوى على حمل نفسه وناهيك عن حمل حاجاتنا؟ أو أننا نعتذر منه رحمة ورأفة بحاله المأساوي، فنجد أنفسنا واقعين بين محذورين أخلاقيين، الأول تحميل الرجل المسن أكبر من طاقته، ونكون بذلك سبباً مباشراً في إيذائه أو هلاكه لا قدر الله، والثاني هو الاعتذار منه الذي بسببه نحرمه من التكسب والاسترزاق وسد الجزء البسيط من حاجته المادية.
بعض المتبضعين رأيتهم وكأنهم يحاولون التخلص من هذا الحرج الإنساني والأخلاقي، بأن يقوموا بتحميل حاجياتهم ومشترياتهم على عربة الرجل المسن، الذي يرونه لا يقوى على حمل كيلوغرامات عدة من الحاجيات، ويجرونها هم نيابة عنه، فكأنما يستأجرون منه العربة من غير أن يكلفوه بحمل مشترياتهم من الخضار والفواكه وغيرهما من المواد الاستهلاكية، فبذلك يبعدون، من وجهة نظرهم، أنفسهم عن اللوم النفسي والإنساني الذي قد ينتابهم في داخلهم بسبب استخدامهم للرجل المسن، فيعتقدون بهذا الفعل أنهم قد قاموا بالواجب الأخلاقي والإنساني تجاه المسن، وتحقيق الجزء اليسير له من حاجته المادية من غير أن يكلفوه ببذل أي جهد، ومن دون أن يكسروا خاطره. كل مرتاد لسوق المنامة المركزي لا ريب أنه مطلع على الأوضاع المأساوية للسوق، التي يتحمل قساوتها في المقدمة، البائع الذي من شدة حرارة الجو يجد بدنه كله يتصبب عرقاً طوال اليوم، الذي يسيل من قرنه إلى أخمص قدميه كالسيل الجارف ومن دون توقف، فإذا استعان بالمروحة المحمولة، للتخفيف ولو قليلاً من قسوة الجو الحارق، للجلد والدهون والمضعف للصحة والمساعد لتمكين الأمراض المزمنة والخطيرة في بدنه، يجدها لا ترحمه وتزيد من معاناته بنسبة كبيرة، بسبب ما تخرجه له من هواء ساخن وجاف جدّاً، الذي يسبب له الجفاف العام في جسمه، لماذا يصبر البائع على كل تلك المعاناة؟ لاشك أنه يصبر على الجو اللاهب والرطوبة المرتفعة من أجل أن يؤمن لنفسه ولعائلته لقمة العيش، وأما المشتري الذي أتى إلى السوق من أجل التسوق وشراء ما يحتاجه من الخضروات والفواكه وبعض الحاجات الاستهلاكية، هو أيضاً يتحمل جزءاً من معاناة ومآسي السوق، نراه في حال تجواله وتنقله في أقسامه يسرع في الخطى، وكأنه يريد أن يفر بجلده منه كما يقولون، لأنه يشعر بالضيق الشديد في التنفس والاختناق الذي لا يُحتمل، بعد دقائق معدودة من دخوله إليه، من كثرة الأنفس وقلة الهواء النقي، فلهذا تجده يحاول إنهاء تجواله ومشترياته بسرعة فائقة، وأما فئة الحمّالين فإنها تقاسي الأمرَّين، وهي تعمل وتتنقل من أول السوق إلى آخره، لتبحث لها عن مشترٍ يريد حمل مشترياته إلى سيارته، وفئة كبار السن من البحرينيين الذين يمتهنون مهنة الحمالة، فمعاناتهم تفوق معاناة غيرهم من الحمّالين والباعة والمشترين، أبدانهم منهكة ومتعبة من كبر سنهم، بالإضافة إلى أنها تعمل في سوق ليس به تكييف، ومسقوف بصفائح تحتفظ بالحرارة لمدة طويلة، لتنزلها على رؤوس مستخدميها، من الباعة والحمّالين والمشترين بلا رحمة.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم تلتفت الجهات الرسمية المعنية بتحسين أوضاع الأسواق في البلاد، التي يرتادها المواطنون والوافدون والأجانب من مختلف محافظات البحرين؟ هل تحتاج الجهات المعنية بهذا الشأن أن يرفع إليها طلب بتحسين أوضاعها؟ أليس تعلم علماً يقينيّاً بحالتها المأساوية ومعاناة من يستخدمها ويرتادها ويعمل فيها؟ إذا كانت تعلم ومطلعة على كل حيثيات وتفاصيل المشكلة في داخل السوق وخارجه، ما الذي يجعلها تتغافل عن حل مشاكله جذريّاً قبل أن تحدث من وراء تغافلها انعكاسات وتداعيات صحية لا يحمد عقباها، والأمر الآخر الذي نريد قوله عبر هذه السطور المحدودة، نأمل أولاً، أن تمتد يد الرحمة والرأفة إلى الحمّالين المسنِّين البحرينيين، الذين أجبرتهم الحياة القاسية، وضعف حالهم المعيشي وحاجتهم الماسة للمال، لتعويضهم ماديّاً بالقدر الذين يجعلهم يعيشون فيما تبقى من أعمارهم، في حياة خالية من المنغصات ولو بنسبة معينة، نسأل الله أن يطيل أعمارهم ويمتعهم بالصحة والعافية، لن يكلفوا من يريد رحمتهم كثيراً من الناحية المالية، لأن عددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة كما نعتقد، وثانياً، إنهاء معاناة المشتغلين والعاملين فيه، والمترددين عليه (سوق المنامة المركزي)، والعمل على صيانته وتكييفه مركزيّاً، ليتلاءم مع المتطلبات العصرية والسياحية، وثالثاً، تنظيم عمل الحمّالين الأجانب الذين يملأون السوق من كثرتهم، وإفساح المجال للشباب البحريني وتشجيعهم للإشتغال في التجارة بالسوق المركزي وغيره من الأسواق المنتشرة في مختلف مناطق البحرين، وتقديم التسهيلات المادية والإجرائية لهم، لكي تساهم بصورة مباشرة في تقليل نسبة البطالة بين الشباب البحريني، التي تقلق الكثير من الأسر والعوائل البحرينية، التي تعاني كثيراً من بطالة أبنائها وبناتها سنوات ليست بالقصيرة.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5112 - الأحد 04 سبتمبر 2016م الموافق 02 ذي الحجة 1437هـ
أزيدكم من الشعر بيت
كثيراً ما أرتاد السوق المركزي في المنامة....بالإضافة إلى ما ذكره الكاتب مشكوراً ومعاناة المسنين ..... فإن العمالة (الفري فيزا)تزاحم هؤلاء في أرزافهم ......أين المسؤلين عنهم؟
.......
احترت شنو اكتب .نحتاج الي حل و مقترحات .ياريت الكل يكتب مقترح علشان نقدر نساهم فيه أو حتى نسعى أن يحققه .الوضع محزن .أشكر الكاتب على طرح هذا الموضوع الإنساني .
حقيقة مألمة وقهر لما يتعرض له ابناء هذا البلد من اطهاد وتهميش
البلد به خيرات انعمه الله علينا ولكن ما لكم كيف تحكمون
مقال رائع وشكرا للكاتب هذا الاهتمام لهذه الفئة من المواطنين ويجب على المسؤلين النظر لهذه المسألة هذا هو حال البحريني متبهدل
والله الموقف صعب ولاكن هناك ناس شغاوه لديه مصدر ولاكن.