في كتابه «العادات السبع للناس الأكثر فعالية»، طرح ستيفن كوفي مفهوماً آخر لتنظيم الوقت، مشيراً إلى أن هناك أربعة أجيال مرَّت بها علوم الإدارة حول هذا الموضوع، وأن الجيل الرابع هو الأهم، وذلك لأنه يتعدَّى كونه وسيلة لتنظيم الوقت وينتقل إلى دور أكبر يتمثل في «القيادة الذاتية». وشرح بأن القيادة الذاتية تتطلب أن يكون الشخص مبادراً، وأن يحدد رسالته ورؤيته في الحياة، وأن يقوم بـ «إدارة الأولويات» عبر «مصفوفة» تصنف المهمات بين «مهم وعاجل»، «مهم لكنه غير عاجل»، «غير مهم لكنه عاجل»، و»غير مهم وغير عاجل».
وأشار كوفي إلى أن الجيل الرابع من إدارة الوقت يتمثل في إدارة المهمات من صنف «مهم وغير عاجل»، وهي مهمات تتعلق بأمور مثل الاستعداد والتخطيط للمستقبل، تطوير الذات وتقوية النفس، منع حدوث مشكلات متوقعة، استجلاء قيم هامة في حياتنا، بناء علاقات صحية مع الآخرين، الخ. ولكن لو أجرى شخص ما تقصِّياً للمهمات التي ينشغل بها، فربما تكون في الغالب واقعة في صنف «مهم وعاجل»، والذي يشمل معالجة الأزمات الطارئة، وحل المشكلات الضاغطة، وتنفيذ مهمات المشروعات والاجتماعات التي تتطلب تسليم شيء ما في وقت نهائي محدد، الخ. والفرق هو أن من يركز على «مهم وعاجل» ينفذ ما تتطلبه منه بيئته التي تضغط عليه، بينما المنشغل بالمهمات من صنف «مهم وغير عاجل» ينفذ المهمات التي يبادر إليها على أساس رؤيته ورسالته في الحياة، والتي من شأنها أن تغير مجرى حياته بصورة استراتيجية، وإلى الأفضل.
هذا الفرق توضحه مقولة منسوبة للفيلسوف برنارد شو: «هناك أناس يلومون ظروفهم دائماً على ما هم فيه، أما أنا لا أؤمن بالظروف... فالناس الذين ينجزون هم الذين يستيقظون كل يوم ويبحثون عن الظروف التي يريدونها، وإذا لم يتمكنوا من العثور عليها، قاموا بإيجادها».
يطرح ستيفن كوفي بأن الفرق بين الجيل الرابع والأجيال الأخرى من إدارة الوقت هو أن المهمات يتم تصنيفها على أساس قيمتها في تطوير العلاقات مع الآخرين، في حين أن الأجيال السابقة تركز على النتائج والجداول الزمنية بغض النظر عن جانب العلاقات الإنسانية. وبمعنى آخر، فإن كوفي يطرح بأن إدارة الوقت تنتقل إلى مستوى «قيادة الذات» بالاعتماد على الرؤية الملهمة التي يحددها الإنسان لنفسه، والتي تتأسس على المبادئ والحاجات الأساسية والملكات داخل النفس البشرية.
الحاجات الأساسية التي تحرك الإنسان نحو العمل تطرق إليها كثيرون، ولكن كوفي يلخصها في أربع حاجات، وهي سعي الإنسان إلى أن يعيش، وسعيه الى أن يحب، وسعيه الى أن يتعلم، وسعيه الى أن يترك الأثر الطيب. كما أن الأهداف والمهمات التي يجعلها الإنسان الفعال نصب عينيه يجب أن تعكس الملكات الأساسية داخل النفس البشرية، والتي يحددها كوفي بأربع ملكات، وهي: الوعي بالذات، حيوية الضمير، تثبيت الإرادة المستقلة، واستخدام الخيال المبدع.
ويأتي بعد ذلك تقاطع الحاجات مع الملكات، وفي وسط التقاطع تتشكل «بؤرة التركيز»، وهي تمثل جذوة الاشتعال من الداخل، لتدفع بطاقات الإنسان نحو تحقيق المهام التي يعتبرها مهمة لمستقبله، رغم أنها قد لا تكون عاجلة في الوقت الحالي.
إن الأهداف التي يضعها الشخص لنفسه إما أنها تعهدات، عليه أن يلتزم بإنجازها مهما كانت الظروف (وهي تضع كرامة وسمعة الشخص في الميزان)، أو أنها تطلعات، وهي تعبر عن رغبات يسعى المرء لتركيز جهوده عليها بغرض الوصول إليها من دون وضع كرامته أو سمعته على المحك.
ولكي ينجح الإنسان في وضع الأهم ثم الأهم، فإن عليه أن يوزع ما يقوم به في أدوار منفصلة (الإنسان العادي قد تكون له سبعة أدوار في أي فترة زمنية، كأب مثلاً، وكموظف، وكرئيس نادٍ، وكباحث، الخ) وأن يحدد لنفسه نحو هدفين أو ثلاثة لكل دور بصورة أسبوعية، وبالتالي فإنه يستطيع أن ينقل ثقل جهوده من صنف المهمات الطارئة إلى صنف المهمات المهمة وغير الطارئة.
أما ما يمنع الإنسان من الاعتماد على ملكاته (رؤية الذات، الضمير، الإرادة المستقلة، الخيال المبدع)، وبالتالي تلبية احتياجاته الأساسية، فقد يعود إلى الخوف أو إلى التكبر... ولذلك فهو بحاجة إلى الشجاعة والتواضع والثقة بالنفس لرسم أهدافه وصوغ رسالته في الحياة وتحديد مهماته لصنع المستقبل الذي ينشده، وبذلك تتحقق القيادة الذاتية، بحسب ستيفن كوفي.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 5109 - الخميس 01 سبتمبر 2016م الموافق 29 ذي القعدة 1437هـ
مقال ممتاز
مقال رائع
أحسنت أبو علي وبورك قلمك النابض بكل جديد
مقال رائع يستحق القراءه
موضوع شيق ومحفز ،،، صبحك الله بالخير