العدد 5100 - الثلثاء 23 أغسطس 2016م الموافق 20 ذي القعدة 1437هـ

هل ينبغي أن تتنازل الأمم المتحدة عن عمليات حفظ السلام؟

الوسط - المحرر السياسي 

تحديث: 12 مايو 2017

النقد المرير الذي ينهال على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان هذا الشهر بسبب فشلها في حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني ليس شيئاً جديداً للأسف. لكنه يثير الآن سؤالاً عاجلاً: هل يعد نظام حفظ السلام التابع للأمم المتحدة صالحاً لهذا الغرض؟

ففي مطلع عام 2014، وبعد وقت قصير من اندلاع الحرب الأهلية الوحشية في جنوب السودان، كان المسؤولون في إدارة الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام يشعرون بالضغط إزاء قدرتهم على حماية أكثر من 60,000 من مواطني جنوب السودان الذين نزحوا بسبب أعمال العنف واتخذوا لأنفسهم مأوي في مخيمات الأمم المتحدة. وكان هذا عدداً غير مسبوق في ذلك الحين، حسبما نقل موق "ايرين" الإخباري.

وقال المتحدث باسم إدارة عمليات حفظ السلام في ذلك الوقت كيران دواير: "نحن لا نستطيع حماية أولئك الأشخاص من الاجتياح بينما نقوم في نفس الوقت بتسيير دوريات في منطقة بحجم فرنسا". وأضاف أن هذه ليست مهمة قوات حفظ السلام؛ "أن تقف في طريق القوات المناهضة للحكومة التي تقاتل القوات الموالية للحكومة".

وكان دواير يتحدث بعد فترة وجيزة من منح مجلس الأمن الدولي الإذن بزيادة حجم بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، من 7,000 إلى 12,500 جندي. وعلى الرغم من إيفاد 5,500 جندي إضافي من ذوي الخوذات الزرقاء، فقد كان واضحاً بشأن محدودية دورهم. وعلى الرغم من امتلاكها الولاية اللازمة بموجب الفصل السابع، الذي يجيز استخدام القوة القاتلة، فقد أكدت إدارة عمليات حفظ السلام أن جنودها يفتقرون إلى التجهيز الكافي لإنقاذ الأرواح في خضم حرب أهلية.

وفي أعقاب القتال في العاصمة جوبا هذا الشهر الذي أسفر عن سقوط مئات القتلى وعدد لا يحصى من ضحايا العنف الجنسي، صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرة أخرى لصالح زيادة حجم بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان. وفي 12 أغسطس، وافق دبلوماسيون على نشر قوة حماية إقليمية قوامها 4,000 جندي، وتم تكليفهم بتسهيل الحركة في جوبا، وحماية مطارها، والاشتباك مع "أي جهة" يُعتقد أنها تُعد أو تشن هجمات على الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية والمدنيين.

وتجدر الإشارة إلى أن انتشارها - الذي لا تزال شروطه وكذلك التشكيل المحدد للجنود عندما يصلون، أو حتى أماكن إيوائهم، غير مؤكدة إلى حد كبير - يهدف إلى إعطاء الأمم المتحدة قوة يمكنها أن تتدخل بطرق كانت قوات حفظ السلام، التي يبلغ قوامها 13,000 جندي والموجودة بالفعل على الأرض، غير راغبة أو غير قادرة على اتباعها.

ويأتي قرار مجلس الأمن لنشر قوة الحماية إلى حد كبير كاستجابة لأعمال العنف التي تشنها الحكومة التي كان من المفترض أصلاً أن تتعاون بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان معها، مما يؤكد مدى حساسية وجودها واحتمال تفجره.

كما يدل على البيئة المتغيرة التي تجد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة نفسها فيها: من مالي، حيث تقاتل قوات حفظ السلام ضد المتمردين الإسلاميين، إلى شرق الكونغو، حيث تتعقب المتمردين بالتعاون مع القوات الحكومية التي لديها سجل شنيع من انتهاكات حقوق الإنسان، إلى دارفور، حيث ظلت متعثرة لعدة سنوات وواجهت اتهامات بالتستر على الجرائم المرتكبة من قبل الحكومة، بما في ذلك بعض الجرائم ضد قوات حفظ السلام نفسها.

نموذج عفا عليه الزمن؟

ما يحدث في جنوب السودان يمكن أن يلقي بعض الضوء على الدور الذي يمكن أن تقوم به قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المستقبل: ما إذا كانت تستطيع حقاً حماية المدنيين في خضم الحرب؛ أو ما إذا كانت الأمم المتحدة بطيئة جداً وتنفر من المخاطر أكثر مما ينبغي، وما إذا كان ينبغي بدلاً من ذلك أن تستعين بمصادر خارجية لفرض السلام، مثل المنظمات الإقليمية التي تعمل بتفويض من الأمم المتحدة.

أشخاص يحتمون من القتال في جوبا

وقد تركت المعارك التي اندلعت في 8 يوليو بين القوات الموالية للرئيس سلفا كير وزعيم المعارضة رياك مشار اتفاق السلام في حالة يرثى لها. وكان الاتفاق قد نجح لفترة وجيزة في إنهاء عامين من الصراع بين جيشي الرجلين، الذي أدى إلى مقتل أكثر من 100,000 شخص، ومهد الطريق لتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تولى فيها مشار منصب نائب الرئيس. إنه الآن يعيش في المنفى، وما سيحدث بعد ذلك أبعد ما يكون عن الوضوح.

وقد سلطت أعمال العنف الضوء على القيود المفروضة على نموذج حفظ السلام الحالي التابع للأمم المتحدة. وبينما كانت القوات الموالية لكل من كير ومشار تتقاتل في جوبا، وجدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن قذائف الهاون والمدفعية قد تم إطلاقها "على أو فوق" مواقع الحماية المدنية (PoC)، في تجاهل واضح لحياة الناس الذين لجؤوا إليها، وفي تحد مباشر للأمم المتحدة.

ووفقاً لتحقيقات نشرتها وكالة أسوشيتد برس، تم اغتصاب عشرات النساء من قبيلة النوير- الجماعة العرقية التي ينتمي إليها مشار -  "خارج" معسكر الأمم المتحدة الذي فررن إليه بحثاً عن مأوى في خضم القتال. وذكر عدة شهود عيان أنهم شاهدوا جنوداً من قوات حفظ السلام الصينية والنيبالية تجر امرأة بعيداً.

وجاءت أعمال العنف التي اندلعت في شهر يوليو بعد أسابيع قليلة فقط من انتهاء لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة من التحقيق في تقاعس قوات حفظ السلام خلال هجوم نظمته الحكومة على موقع حماية المدنيين في ملكال في شهر فبراير الماضي وأسفر عن مقتل 30 نازحاً. وتمثل أحداث ملكال وأوجه القصور في جوبا ما يشبه نمطاً لسلوك بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان.

وفي هذا الشأن،  قال بول وليامز، الأستاذ في جامعة جورج واشنطن والخبير في عمليات حفظ السلام الدولية، أن قوات حفظ السلام يمكنها "فقط حماية نسبة صغيرة من المدنيين السودانيين في أفضل الأوقات - وهم أولئك الموجودون في مواقع حماية المدنيين أو بالقرب منها - وفي أسوأ الأحوال، لا تستطيع حماية المدنيين في موقع حماية المدنيين".

وأضاف قائلاً: "هذا مطلب صعب جداً على البلدان التي تساهم بقوات أو رجال شرطة، لأن الكثيرين منهم لا يريدون أن يموتوا من أجل الأمم المتحدة في جنوب السودان".

وكانت أعمال العنف التي اندلعت في شهر يوليو في جوبا دليلاً على ذلك. فقد ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن عاملات إغاثة أجنبيات تعرضن للاغتصاب والاعتداء على بعد أقل من ميل واحد من مواقع تمركز قوات حفظ السلام، عندما هجم ما لا يقل عن 100 من جنود الحكومة، قيل أن بعضهم كانوا في حالة سُكر، على مجمع فندق تيرين في 11 يوليو.

وعلى الرغم من توجيه نداءات متكررة ومحمومة إلى الأمم المتحدة، فقد مرت ساعات طويلة دون إرسال جندي واحد من قوات حفظ السلام. وشاهد عمال الإغاثة إعدام صحفي ينتمي إلى قبيلة النوير دون محاكمة، وقالت إحدى العاملات في المجال الإنساني أنها تعرضت للاغتصاب من قبل 15 جندياً. ولم تتوقف أعمال الإرهاب إلا عندما اتصلت السفارة الأمريكية بالحكومة التي أرسلت قوة الرد السريع.

من جانبه، قال تشارلز بيتري، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة السابق، الذي اختير مؤخراً كعضو في فريق الخبراء المعينين من قبل الأمين العام بان كي مون لاستعراض جهود بناء السلام التي تضطلع بها الأمم المتحدة: "كانت المشكلة منذ البداية هي أن المجتمع الدولي وجد صعوبة في تجريد نفسه من القصة الخيالية التي أرادها لدولة جنوب السودان. ونتيجة لذلك، فإن الإشارات المتعددة التي تناقضت مع هذه الرواية تم تجاهلها تماماً".

والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة، التي دفعت مجلس الأمن لقبول القرار الصادر هذا الشهر في أقل من أسبوع، قد اختارت في نهاية المطاف للمرة الثانية عدم إدراج حظر توريد الأسلحة في النص - وهو العنصر الذي نادى به بان ومسؤولو حفظ السلام والعديد من الحلفاء الرئيسيين.

ويقال أن هذا التردد هو نتاج رفض بعض كبار المسؤولين في إدارة أوباما، وبالتحديد مستشارة الأمن القومي الحالية سوزان رايس. وكانت رايس سفيرة بلادها لدى الأمم المتحدة عندما حصل جنوب السودان على استقلاله في عام 2011، ولديها علاقات وثيقة مع العديد من أفراد النخبة السياسية في البلاد. والقلق الرئيسي الذي يساور الأميركيين هو أن حظر توريد الأسلحة من شأنه أن يمنع الحكومة من الدفاع عن نفسها ضد المتمردين، الذين يمكن أن يستمروا في تلقي الأسلحة من الخارج، بما في ذلك من السودان. ولكن في أعقاب أعمال العنف التي ارتكبت في جوبا، لم يقبل حتى أقرب حلفاء واشنطن هذه الحجة.

من جهته، قال نائب السفير البريطاني بيتر ويلسون: "اليوم كانت لدينا أيضاً فرصة لوقف العنف عن طريق تنفيذ حظر فوري على توريد الأسلحة إلى جنوب السودان، وقد فشلنا في ذلك". وقال ممثل فرنسا أن القرار "كان يجب أن يستمر إلى نهاية المطاف عن طريق فرض حظر فوري على توريد الأسلحة".

وكان أحد مسؤولي حفظ السلام أكثر وضوحاً حيث قال أن "قوة النيران المتاحة للجيش الشعبي لتحرير السودان ساحقة من حيث تفوقها على ما تمتلكه البعثة، وذلك بفضل عدم فرض حظر على توريد الأسلحة" كما فاد المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.

وبحسب تحليل حديث نفذه مشروع مسح الأسلحة الصغيرة، من شأن حظر توريد الأسلحة أن يؤثر بشكل خاص على المروحيات الهجومية المرعبة من طراز Mi-24 التي تمتلكها الحكومة، لأن الشركات الأجنبية التي تعمل على استمرار تحليقها ستصبح محظورة.

لكنه لن يكون حلاً سحرياً، إذ تدعي بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان أن حكومة جوبا تمنعها بشكل روتيني من تسيير دوريات إما عن طريق الحواجز الأمنية التي تقيمها أو بمجرد الإعلان أن منطقة ما غير آمنة. في حالة هجوم ملكال، سعت قوات حفظ السلام لسبب غير مفهوم إلى الحصول على "إذن كتابي" للاشتباك مع القوات التي هاجمت مخيماً هناك يضم حوالي 40,000 نازح.

وفي السياق نفسه، قالت أكشايا كومار، نائبة مدير شؤون الأمم المتحدة في منظمة هيومن رايتس ووتش، أن "حظر توريد الأسلحة هو الحلقة المفقودة في اللغز الأكبر، لكنه لن يحل مشكلة الأداء الضعيف لقوات حفظ السلام"

الحاجة إلى بدائل

ويرى بيتري أن هناك سؤالاً أكبر على المحك في جنوب السودان: هل قوات حفظ السلام، وزيادة عددها، هو الحل لهذا النزاع المستعصي والدموي، الذي لا تعتبره القوى العالمية إحدى أولوياتها؟

وأضاف بيتري أن "مصدر القلق الرئيسي هو أن عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ستبدو على نحو متزايد وكأنها أصبحت الاستجابة الافتراضية للنزاعات الثانوية بالنسبة للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. بطريقة ما، هذا انعكاس للتدهور السريع للتعددية، التي تم استبدالها منذ أحداث 11 سبتمبر بتحالفات الراغبين".

وفي حين تقوم أربعة من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن - باستثناء الصين - بقصف الإسلاميين بنفسها في سوريا أو العراق، فإنها في جنوب السودان، تمنح تفويضاً لقوات تتألف في المقام الأول من جنود من بلدان أكثر فقراً.

في البداية، رفضت حكومة جنوب السودان قوة التدخل الإقليمية. وإذا ما أصرت على هذا الموقف، فمن غير المرجح أن يتم نشر تلك القوات. ولا يتصور أحد يُذكر أن تشن الأمم المتحدة قتالاً للوصول إلى جوبا.

والجدير بالذكر أن أقرب نظير لقوة الحماية الإقليمية المقترحة هو قوة لواء التدخل (FIB) التي نشرتها الأمم المتحدة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية لتعقب الجماعات المتمردة. ولكن في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تتمتع الأمم المتحدة بدعم رسمي من الحكومة.

ويقول وليامز، الذي عمل لسنوات على تحليل استجابات حفظ السلام المتنوعة التي تنظمها الأمم المتحدة، أن القوة الإقليمية تنتمي إلى اتجاه متزايد في مجال نشر القوات، بما في ذلك دارفور وبوروندي، حيث ترفض الحكومة المضيفة التعاون معها. في بوروندي، قبلت الحكومة في نهاية المطاف قوة صغيرة من الشرطة فقط، وكانت مهمة الأمم المتحدة في دارفور واحدة من أكثر المهام تعرضاً للفضائح.

وأضاف وليامز أن "قوة الحماية ليست حلاً حقيقياً للمشكلة الأساسية. إن القوة العسكرية التي ليست جزءاً من استراتيجية قابلة للتطبيق لحل النزاع والتحرك نحو سلام مستقر يمكنها فقط تخفيف أسوأ أعراض سياسة النخبة السامة في جنوب السودان."

وبعد مرور خمس سنوات على استقلال جنوب السودان، لم يتحقق شيء يُذكر لتبرير كل هذا الأمل الأولي: مؤشرات التنمية تسير في الاتجاه المعاكس، والأزمة الإنسانية تتصاعد بشكل كبير، والطبقة السياسية الفاسدة لم تظهر حماساً يُذكر لرأب الانقسامات التي دفعت البلاد إلى طريق الحرب من جديد.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً