من تفشّي الأمراض الحيوانية المَنشأ حول العالم، إلى ازدياد سمّية المحاصيل الزراعية بسبب تغير المناخ، يتناول تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) مجموعة من القضايا البيئية الناشئة في العالم.
يطرح تقرير «حدود يونيب 2016» حلولاً لستِّ قضايا ناشئة، بما فيها الكمية المقلقة للنفايات البلاستيكية في المحيطات وأخطارها على صحة البشر، والدور الرئيسي الذي يمكن أن يؤديه القطاع المالي العالمي في الوصول إلى مستقبل منخفض الكربون ومقتصد بالموارد.
سمّية المحاصيل
لتغير المناخ تأثير كبير على سلامة الغذاء وأمن الغذاء. ويوضح التقرير كيف يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في تراكم مركبات كيميائية في المحاصيل هي سامة للحيوانات والبشر. القمح والشعير والذرة والدخن هي من المحاصيل الأكثر عرضة لتراكم النيترات مثلاً، نتيجة جفاف يستمر فترة طويلة. وتسمم المواشي الحاد بالنيترات يمكن أن يؤدي إلى إجهاضها واختناقها وموتها، ما يقوض حياة صغار المزارعين والرعاة.
والأمطار الغزيرة التي تقطع موجة جفاف طويلة يمكن أن تتسبب في تراكم خطير لمادة سامة أخرى تدعى سيانيد الهيدروجين أو الحمض البروسي، في محاصيل مثل الكتان والذرة والسرغوم والكرز والتفاح.
أما الأفلاتوكسينات، فهي سموم فطرية يمكن أن تسبب السرطان أو تعوق نمو الأجنّة. ويزداد خطر تلوث المحاصيل بها، وخصوصاً الذرة، في الأماكن المرتفعة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة. وهذه مشكلة زراعية ناشئة. وتتوقع دراسة حديثة أن يصبح هذا السم قضية من قضايا سلامة الغذاء في أوروبا، وخصوصاً في السيناريو الأكثر احتمالاً وهو ارتفاع معدل درجات الحرارة العالمية درجتين مئويتين.
الأمراض الحيوانية المَنشأ
تزداد الأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر. ويرتبط هذا الارتفاع ارتباطاً وثيقاً بصحة النظم الايكولوجية. فالنشاطات البشرية التي تعتدي على الموائل الطبيعية تتيح لمسببات الأمراض في الأحياء البرية فرصة الانتشار بسهولة أكبر إلى الماشية والبشر.
شهدت السنوات الأخيرة ظهور عدة أمراض حيوانية المنشأ احتلت العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام، ومنها إيبولا وزيكا وإنفلونزا الطيور وفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية. ولمسببات هذه الأمراض «خزّانات» في الأحياء البرية التي تستضيفها على المدى الطويل. وخلال العقدين الأخيرين، بلغت التكاليف المباشرة للأمراض الحيوانية الناشئة أكثر من 100 مليار دولار. ولو تفشت هذه الأمراض كأوبئة بشرية، لارتفعت الخسائر إلى تريليونات الدولارات وفق التقرير.
الميكروبلاستيك يغزو البحار
يتسابق المجتمع العلمي لمعرفة أثر الكمية المتنامية لجزيئات البلاستيك في المحيطات على مختلف الكائنات الحية، وعلى صحة الإنسان من خلال استهلاك غذاء ملوَّث. هذه القطع البلاستيكية الدقيقة، التي تراوح بين حجم نملة وفيروس، موجودة في النظم المائية حول العالم وفي بطن كل حي، من العوالق الحيوانية إلى الحيتان.
تتفكك النفايات البلاستيكية في البيئة البحرية إلى قطع صغيرة بفعل عوامل مثل الإشعاعات فوق البنفسجية والرياح والأمواج والحرارة العالية. وقدرت دراسة علمية أن كل كيلومتر مربع من محيطات العالم يحوي في المعدل نحو 63 ألف قطعة ميكروبلاستيك عائمة. وهي تدخل إلى أجسام الكائنات البحرية، من العوالق الحيوانية واللافقاريات إلى الأسماك والطيور البحرية والحيتان، إما مباشرة من خلال الابتلاع المباشر للمياه وإما بشكل غير مباشر كمفترسات للحيوانات التي ابتلعتها. ومن التأثيرات المحتملة تسمم الجهاز المناعي واختلال عمل الغدد الصماء والاضطرابات التناسلية وتشوه الأجنة.
القطاع المالي يدعم الاستدامة
لا يقتصر دور القطاع المالي على تعزيز النمو الاقتصادي، فله أيضاً دور حاسم ليؤديه بالاستثمار في أصول جديدة منخفضة الكربون ومقتصدة بالموارد وسليمة بيئيّاً. ويمكنه أيضاً نقل رؤوس الأموال بعيداً عن الأصول التقليدية التي تضر بالبيئة.
ويقدم تقرير «يونيب» عدداً من المبادرات المالية والصناعية الناشئة التي توفر حلولاً مبتكرة يمكنها أن تُحدث تغييراً مستداماً. من ذلك على سبيل المثال «خطة العيش المستدام» لشركة «يونيليفر» العالمية العملاقة التي تعهدت بخفض تأثير الشركة المضر بالبيئة إلى النصف بحلول العام 2020، مع التعهد أيضاً بتحسين صحة مليار شخص. ومع نهاية 2014، كانت «يونيليفر» خفضت كمية انبعاثات غازات الدفيئة التي تنتجها مصانعها بنسبة 37 في المئة مقارنة بمستويات 2008، ما يؤكد قدرة القطاع المالي والصناعي على تحقيق تغيير بيئي إيجابي.
تغير المناخ
يسلط التقرير الضوء على قضيتين حاسمتين ترتبطان بتغير المناخ، هما الخسارة والضرر. وبالنظر إلى تأخر دول العالم في العمل الفعلي للحد من مسببات تغير المناخ والتخفيف من تأثيراته التي شهدتها السنوات الـ25 الأخيرة والتكيف معها، تشير الأدلة العلمية إلى أن لا مفر من الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، مع عواقب وخيمة على النظم الإيكولوجية والناس والأصول والاقتصادات. وهذا ما يحدث بالفعل. وموجات الحر الكارثية التي حصلت العام 2003 هي مثال صارخ على ما يحدث عندما تفشل جهود مكافحة التغيرات المناخية والتكيف معها. ففي تلك السنة توفي نحو 30 ألف شخص، وتقلصت الأنهار الجليدية، وذابت التربة الجليدية، وخسر القطاع الزراعي في الاتحاد الأوروبي نحو 15 مليار دولار.
التجارة غير المشروعة بالحياة البرية
أحدث القضايا الناشئة هي التجارة غير المشروعة بالحياة البرية، التي تشكل خطراً جسيماً على النظم الإيكولوجية وأعداد الأحياء البرية. وتتنامى التجارة غير المشروعة بالحيوانات البرية الحية و«الأليفة» حتى أصبحت قطاعاً مزدهراً يجتذب شبكات إجرامية. وذلك لا يعرض بقاء الأنواع للخطر فحسب، بل يعرض البشر أيضاً لأمراض حيوانية المنشأ ترتبط بالأنواع التي تشملها هذه التجارة.