إذا تم تعيين المحكم سواء كان عضواً في هيئة التحكيم أو رئيساً لها، فإنه لا يلتزم بالقيام بالتحكيم في الدعوى التحكيمية (القضية) التي اختير محكماً لها إلا إذا قبل القيام بهذه المهمة، وبهذا القبول ينعقد عقد بين المركز والمحكم يسمى عقد التحكيم تمييزاً له عن اتفاق التحكيم الموقع بين أطراف النزاع، ويستمر هذا العقد إلى حين الانتهاء من التحكيم بإصدار حكم التحكيم والانتهاء من النظر في طلب تفسير الحكم أو تصحيح الأخطاء المادية به والفصل فيما أغفل حكم التحكيم الفصل فيه. ويولد عقد التحكيم التزامات على المحكم بنظر الدعوى التحكيمية التي قبل التحكيم فيها بكل حيدة وحياد واستقلالية، وأن يراعي القواعد القانونية الإجرائية والموضوعية التي يجب عليه الالتزام بها، وألا يخالف المبادئ الأساسية في التقاضي، وأن يصدر الحكم المنهي للخصومة في الميعاد المحدد لذلك قانوناً أو اتفاقاً.
ويحق للمحكم أن يعتذر إذا طرأ له طارئ بعد قبوله المهمة يمنعه من مباشرتها، كما لو أصابه مرض يقعده عن ذلك، أو أضطر إلى سفر طويل كإعارة أو انتداب أو نقل إلى دولة أجنبية مما يحول دون قيامه بإداء مهمة التحكيم في الميعاد المحدد، أو إذا علم بعد قبوله التحكيم أو بعد بدء إجراءاته بتوافر سبب يؤدي إلى عدم حيدته أو حياده في القضية أو يشعره بالحرج في القيام بمهمته أو في الاستمرار فيها، وعندئذ يجوز للمحكم - بغير خلاف - التنحي عن نظر التحكيم، ويرتب ذلك التنحي أثره بمجرد إعلان الإرادة الصريحة للمحكم بالتنحي من دون حاجة إلى قبول المركز أو أطراف التحكيم أو باقي المحكمين في الهيئة، فيتم تعيين من يحل محله بنفس الطريقة التي عين بها. ولاشك أن تعيين بديل عن المحكم المتنحي هو الحل الأمثل لعلاج مشكلة التنحي احتراماً لهيئة التحكيم التي ارتضاها أطراف النزاع سواء بالنسبة لطريقة التشكيل أو بالنسبة لعدد أعضاء الهيئة.
وقد رصد المركز مؤخراً حالة خطيرة تعود إلى أحد أحكامه الصادرة في العام 2008 ميلادي يخشى انتشارها بين المحكمين المختارين من أطراف النزاع، إذ اعتبر المحكم نفسه وكيلاً عن الطرف الذي اختاره، وأن مهمته الدفاع عن مصلحة هذا الطرف وليس البحث عن الحقيقة للفصل في النزاع وفقاً لما يتبينه من وقائع القضية بعد التداول مع باقي أعضاء هيئة التحكيم، فلما تبين للمحكم بعد المداولة مع باقي أعضاء الهيئة أنها ستنتهي إلى قرار ضد مصلحة الطرف الذي اختاره، قام بتسريب فحوى المداولة إلى وكيل الطرف الذي اختاره، ليبدأ الأخير في إجراءات بقصد منع إصدار القرار أو تعطيل إصداره على الأقل والتمس إحالة النزاع إلى جهة قضائية بعينها، ومارس ضغوطاً على المحكم لوقف مشاركته إلى حين اتضاح الموقف بالاستمرار في التحكيم أو إحالة النزاع إلى الجهة القضائية الأخرى.
وعند استخلاصنا للوقائع ومن ظروف الدعوى التحكيمية ذاتها للتأكد من صحة توفر عنصر عدم مشاركة المحكم الذي يتمسك به الطرف الذي صدر الحكم ضده ومن أن الحكم صدر من البعض من دون أن يكونوا مأذونين بالحكم في غيبة الآخرين. فإنه قد ثبت لنا من ملف الدعوى التحكيمية أن المحكم قد وافق على مهمة التحكيم كتابياً، وأنه قد شارك في جميع مراحل التحكيم (عقد الجلسات، جلسات المرافعة، سماع الشهود، المداولة)، وأنه قد أُبلغ بقرار الأمين العام للمركز برفض طلب وكيل الشركة المطلوب التحكيم ضدها بإحالة النزاع إلى جهة قضائية بعينها واستكمال إجراءات نظر الدعوى التحكيمية. ثم بعد انتهاء رئيس الهيئة من كتابة الحكم الذي فوض بكتابته من قبل المحكمين، أرسل الحكم بطرد بريدي إلى المركز ودعا المحكمين للاجتماع في مقر المركز ليصار إلى توقيعه من قبلهم الثلاثة، فامتنع ذلك المحكم عن الحضور إلى مقر المركز، فثبت رئيس الهيئة في نهاية الحكم أن المحكم امتنع عن التوقيع. كما استخلصنا أيضاً أن المحكم الذي شهد أمام قضاء التنفيذ أنه قد انسحب من التحكيم، قد استلم الدفعة الأخيرة من أتعابه حاله حال رئيس وعضو هيئة التحكيم بعد صدور الحكم وانتهاء فترة التصحيح والتفسير، واستلم تلك الدفعة من الأتعاب التي تغطي مرحلة كتابة وإصدار حكم التحكيم والانتهاء من النظر في طلب تفسير الحكم أو تصحيح الأخطاء المادية به والفصل فيما أغفل حكم التحكيم الفصل فيه.
إقرأ أيضا لـ "أحمد نجم النجم"العدد 5097 - السبت 20 أغسطس 2016م الموافق 17 ذي القعدة 1437هـ
يجب غرس ثقافة التحكيم والحيادية
كلام خطير ، المحكم يجب ان يكون محايدا وإلا أدى ذلك انهيار كل الجهود التي بذلت لأعوام خلت من اجل خلق جيل قانوني وطني قوي ، يجب وضع هذه السابقة ومناقشتها من خلال ندوة يدعى لها المختصين ووضع توصيات من اجل التنوير