عندما دخل الرئيس الأميركي باراك أوباما البيت الأبيض في مستهل ولايته الأولى قبل نحو سبع سنوات ونيّف لم يكمل بعد عقده الخامس، ولم تكن تتخلل شعره الأسود ربما سوى بضعة شُعيرات بيضاء قليلة خجولة لا تُكاد تُرى، لكن يبدو الحال قد اختلف وهو الآن على وشك مغادرة البيت الأبيض بعد شهور قليلة، وهذا ما عبّر عنه هو نفسه في مؤتمر صحافي عقده بعد اجتماع له دام ساعتين مع قياداته العسكرية في مقر «البنتاغون»، إذ أعرب عن خيبة أمله وإحباطه الشديد من الوضع المتردي في سورية: «معظم الشيب في شعري جاء بسبب الاجتماعات حول سورية، ودائماً نفكر هل هناك أي شيء يمكننا القيام به لم ندرسه».
ذكرتني شكوى الرئيس أوباما حاله من «المشيب» بشكوى مماثلة عبّر عنها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر ذات مرة في خطاب له في ستينيات القرن الماضي، فمما جاء في هذا الخطاب المسجل على «اليوتيوب»: «بالنسبة لينا إحنا بعد الثورة كانت العملية تبقى سهلة إن إحنا نعيش في مجتمع النصف في المئة، ولا نعذّب نفسنا ولا نحتاج جُهد ولا نقول خطة ولا استثمار ولا ادخار... أبداً، نريّح أنفسنا، ونقول لكوا مالناش دعوة حَ نحكمكوا وننضم للطبقة وهم لكانوا يرحبوا بينا قوي، ومجتمع هو كويس ومجتمع طري وكويس ومريح مش مجتمع شقى وعذاب وغُلب»، ويضيف منتقداً بشدة مجتمع الطبقة التي كانت تتسلط على رقاب الشعب المصري قبل الثورة: «مجتمع سهر، ورقص... ولعل الواحد عاوز يريح نفسه كان بعد الثورة لو كان الواحد راح انضم إلهم كان استريّح...»، ثم يضيف وهو يقهقه ضاحكاً مشيراً إلى الشيب الذي خط زلفيه: «ما كانش شاب».
لكن ما أشد الفارق بين الرجلين في شكوى الحال من سبب المشيب، فقد كان مشيب عبدالناصر يُعبّر عن حمله هموم شعب وأمة بأكملها، وهي هموم وطنية وقومية متعددة متشعبة تنأى عن حملها الجبال، حتى أنها قصمت ظهر الرجُل إثر هزيمة يونيو/ حزيران 1967، ولم تكن القضايا الخارجية لشعبه وأمته إلا جزءاً وامتداداً لتلك الهموم الداخلية لوطنه، في حين لم تكن سورية التي شكا أوباما من ظهور مشيبه بسببها إلا قضية خارجية لا صلة لها البتة بصميم المشاكل والتحديات الآنية التي يواجهها شعبه كالبطالة والفقر والتمييز العنصري بقدر ما كانت تتصل بتدخلات نظامه السياسي لصالح طبقة حاكمة تسعى دائماً للتوسع الإمبريالي للهيمنة الكونية على مقدرات شعوب العالم بما يخدم مصالحها الأنانية الضيقة.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 5096 - الجمعة 19 أغسطس 2016م الموافق 16 ذي القعدة 1437هـ