يستخدم هذا المقال مصطلحي «المبادئ» و«القيم» لوصف القيادة التي تتصف بصفات مشتركة. «المبادئ» تعني قبول شيء ما كحقيقة غير قابلة للنقاش، أو الاعتقاد بأن هذا المعيار أو ذاك من الركائز الثابتة في حياة الإنسان. ويمكن للشخص أن يؤمن بمبادئ معينة بصفته الفردية، وإذا وافقت جماعة أكبر على هذ المبادئ فتصبح ملزمة لهم. ولذا فإن القوانين التي تجعل من القتل والسطو والاحتيال أعمالاً غير قانونية، إنما تستند على الرأي الجماعي للمجتمع الذي يرى أنه من الخطأ القيام بمثل هذه الأعمال.
أما «القيم» فهي تعبّر عن المعتقدات الشخصية التي توجّه الإنسان للوقوف مع أمرٍ ما، أو ضده، وهذه خاضعة للفهم الزمني، إذ إنها قد تتغير مع الزمن. فمثلا العبودية (تحت أي شكل من الأشكال) قد تكون مقبولة في السابق، ولكنها تعتبر حاليا جريمة ضد الإنسانية.
ومن الواضح أن كل الناس لديهم قيم، حتى المجرمين لديهم قيم محدّدة. والقيم بحد ذاتها قد تكون صحيحةً، وقد لا تكون كذلك. كما أن هناك من لديه قيم اجتماعية محافظة، بينما هناك من يؤمن بقيم اجتماعية أكثر ليبرالية. وهناك من الأفراد من يعطي قيمة أكبر لتحصيل الثروة والسلطة، بينما هناك من يعتبر استقلاله الذاتي قيمةً أهم من كل شيء آخر.
القيادة المبدئية التي يتحدث عنها هذا المقال، هي تلك القيادة المبنية على القيم المرتبطة بالنزاهة والمصداقية والأخلاق، وهي القيادة التي تتمكن من تحقيق التوازن بين: المخاوف والمتناقضات مع أصحاب المصلحة، والمستهلكين، والعاملين والموردين والمجتمع ومتطلبات حماية البيئة، وغيرها من الأمور الأخرى الملازمة.
القيادة المبدئية ايضا هي التي تتسم بالانسجام في السلوك، إذ إن القادة المبدئيين لا يهيجون أو يخمدون بشكلٍ متذبذب، ولا يراوحون بين الإيجابية والسلبية، ولا يتلوّنون بأعمال الصالحين والشريرين في الوقت ذاته.
القادة المبدئيون يتصفون بالشرف في التعامل مع الآخرين، بما يعطي أفضل الصور عن المجتمع الذي ينتمون إليه، وهم خير من يمثلون الجوانب الحضارية وكل ما يليق بنمط الحياة الكريمة واللائقة.
القادة المبدئيون يتسمون بالاستقامة في مسلكهم ولا ينحدرون بتصرفاتهم إلى الحيل القذرة والمكر والخديعة، ولا يقدّمون بيانات مضللة عما يقومون به، ولا يتبعون تكتيكات مشكوكاً في أمرها.
القادة المبدئيون معروفون بالإنصاف، ويعاملون الجميع على قدم المساواة، ويمارسون العدل عند اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات.
القادة المبدئيون لديهم أخلاق عالية ويعرفون الصح من الخطأ، ويلتزمون بالجانب الصحيح من مسيرة الحياة. إنهم يلتزمون بقول الصدق وعدم الازدواجية في الطرح، ويبتعدون عن المسارات المضللة، أو غير الشريفة.
كما ان التوازن بين العمل والحياة العائلية يميّز القادة المبدئيين الذين يتمسكون بعلاقات المودة والاحترام في كل جانب، ولديهم أوقاتٌ للعمل الجاد وأوقات أخرى للترفيه عن النفس. فوق كل ذلك، فإن القادة المبدئيين يمكن الاعتماد عليهم؛ لأنهم أناسٌ عند كلمتهم، ويتمسكون بالتزاماتهم، ولا ينكثون عهودهم، ولا يفعلون شيئا مخالفا لما طرحوه وتحدثوا به أمام الآخرين.
وبحسب بحثٍ نشره في العام 2008 الباحث مايكل ماكادي (من جامعة فالبارايسو، بولاية إنديانا الأميركية)، فإن القائد المستند إلى القيم (Values-Based Leader) يسعى إلى تحقيق توازن عادل بين العمل لتحقيق مصلحته الذاتية، وبين خدمة المجتمع الأوسع. وعلى أساس ذلك فإن الشخص الذي يلتزم بمبادئ سلبية سيسعى لتحقيق مصالحه الأنانية والانتهازية على حساب الآخرين، مهما كانت كلفة ذلك على المجتمع.
أما الشخص المبدئي الذي يضحّي من أجل الآخرين، فإنه يدخل في الصنف المتقدم جدا من القيادة المبدئية، والتي يطلق عليها مصطلح «القيادة الخدومة» Servant Leader.
القائد المبدئي يمكن النظر إليه من مفهوم «الإشراف الصالح» Stewardship، وهذا المفهوم يؤمن بأن الشخصيات القيادية تحافظ -من تلقاء نفسها- على الموارد والأصول التي تقع تحت تصرفها، وأن هذا النوع من القادة لن يقدّموا مصالحهم الذاتية على حساب مصالح المجتمع والمساهمين والعاملين، كما أنهم سيقومون بالواجب وبكل ما هو ضروري لتحقيق المصلحة الأكبر التي يتوقعها الآخرون منهم.
ومن أبرز المنظرين للقيادة المبدئية Principle-Centered Leadership مؤلف كتاب «العادات السبع للأشخاص الأكثر فعالية» (الذي نُشر لأول مرة في 1989)، ستيفن كوفي. وبحسب كوفي، فإن الشخص الذي يتمحور حول المبادئ يضع أساساً قويّاً وصلباً لتنمية 4 مصادر داعمة للحياة، وهي: الأمن، الإرشاد، الحكمة، القوة. ويشرح كوفي هذه المصادر الداعمة لحياة القائد المبدئي كما يلي:
«الأمن»: الشخص المبدئي يشعر بالأمن على أساس المبادئ الثابتة التي لا تتغيّر، بغضّ النّظر عن الظّروف المحيطة. كما يستخدم الشخص المبدئي هذه المبادئ كمقياس للتّطوير والتعلم المستمر، والنظر إلى الظروف المتغيّرة كفرصة لتحقيق إسهامات ذات مغزى.
«الإرشاد»: يسترشد الشخص المبدئي ببوصلة من المبادئ التي توجهه لرؤية المسار الذي ينبغي أن يسير عليه، وتحدّد له هذه المبادئ كيفية الوصول إلى الغايات، وكيف يفصل المواقف عن المشاعر والعواطف، وكيف ينظر إلى الأمور بصورة متوازنة.
«الحكمة»: الشخص المبدئي ينظر إلى طيف واسع من الخيارات والعواقب بعيدة المدى، وينعكس ذلك على طمأنينته وتصرفاته من دون انفعالات.
«القوّة»: الشخص المبدئي يدرك قوته ومهاراته، ويعرف كيف يبادر للعمل والعطاء وفقاً لمبادئ ثابتة تنظر إلى الأمور بتدفق وحيوية.
وعليه، فإن الشخص ذا الفعالية العالية هو شخصٌ يعرف نفسه ويحدد أهدافه وقيمه الشخصية العميقة، ولديه رؤيةٌ وتصوّرٌ لأدوار حياته المتعدّدة وعلاقاته المختلفة.
وفي مقال نشر في مجلة «فوربس» بتاريخ 24 أبريل/ نيسان 2011، تطرق أستاذ الإدارة بجامعة نورث ويسترن الأميركية هاري يانسن كريمر إلى موضوع «القيادة الملتزمة بالقيم»، وأشار إلى أنها ترتكز على 4 خصائص، يمكن تطبيقها من قبل أي شخص، سواءً كان رئيساً كبيراً أو صغيراً، ويمكن أن يطبّقها في حياته وعائلته، وبينه وبين نفسه.
وقال كريمر إن الخصائص الأربعة هي: التأمل الذاتي (أو الوعي بالذات)، التوازن في وجهات النظر، الثقة بالنفس، والتواضع.
وشرح خاصية «التأمل الذاتي»، بأن كل شخص يجب أن تكون لديه القدرة على التفكير في أمره وتحديد موقفه بحسب القيم التي يؤمن بها، وأن يكون على استعدادٍ للنظر في نفسه بصورةٍ منتظمةٍ لزيادة الوعي الذاتي. فالشخص الذي لا يعرف نفسه لا يمكنه معرفة وقيادة الآخرين.
أما خاصية «التوازن» فتتطلب من الشخص المبدئي أن تكون لديه القدرة على رؤية الحالات من وجهات نظر متعددة، ووجهات نظر متباينة؛ للحصول على فهم أفضل، وذلك بعد النظر إلى جميع الزوايا، والاستماع إلى الآراء المتنوعة بعقلية منفتحة.
«الثقة بالنفس» مهمة جدا، وتنطلق هذه الخاصية من قبول الشخص لنفسه أولاً، بمعنى أن الشخص يعرف ذاته، ويمكنه التعرف على مواطن القوة والضعف في داخله، وأن يسعى للتحسين المستمر. الثقة بالنفس تعني أن الشخص يعرف أنه سيكون هناك دائماً من هو أكثر موهبةً منه، وأكثر إنجازاً ونجاحاً، ولكنه موافق ومتوافق مع ذاته، ويسعى دائماً إلى التحسّن المستمر من خلال التعلّم من المهد إلى اللحد.
أما خاصية «التواضع» فهي ترتبط أيضا بمعرفة الشخص بذاته، وبثقته بنفسه، وهو لذلك يعلم من أين أتى، وكيف بدأ مضمار حياته، وهو لذلك يتواضع ويساعد الآخرين باستمرار، ويقدّرهم ويعاملهم باحترام.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 5095 - الخميس 18 أغسطس 2016م الموافق 15 ذي القعدة 1437هـ
قيادة مبدئية ومُتمسكة بحكمة مُتكاملة وقيم ثابته إنسانية ووطنية هي مطلب هذا البلد الخير الذي انهكته الاطروحات المادية او الدينية المتشددة. انهكته بصراعات الفتنة على الأموال والثروة و انهكته بصراعات مذهبية سيئة.
القيادة المبدئية المطلوبة حقا هي تلك التي تستطيع ان تحرك العواطف والمشاعر والهمم باتجاه التكامل والتقارب وباتجاه الإبداع في وحدة الوطن ورفعة الوطن وسلامة الوطن.
هذا الوطن العزيز، هذا البلد الطيب، هذا الشعب الكريم يستحق حقا قيادة مبدئية تعمل على وحدته وسلامته وازدهاره.
المرتكز الأساس لقبول القيادة المبدئية هو تقدير الفضيلة واحترام الخير.
أُناشدك يا سعادة الدكتور أن تبادر بطرح مبادرة وطنية تحت عنوان (لم الشمل) بين جميع أطياف المجتمع البحريني للخروج من هذا النفق المظلم الذي يعصف بالبلاد منذ خمس سنوات ونصف.
غاندي ونلسون مانديلا اجتمع على حبهم جميع سكان بلديهما بجميع ألوانهم وكذلك جميع شعوب العالم وسيرتهم ستبقى مخلدة للأجيال القادمة
هناك قادة مبدئيون وأصحاب ايدي وقلوب بيضاء وكانوا وما زالو ينادون بالاصلاح والتطوير وتصحيح الاخطاء من قبل الشعب والحكومة ولكن للاسف يهانون ويتهمون زورا وبهتانا وحسبنا الله ونعم الوكيل وكفى.