لم تُنجب فلسطين الشاعر الراحل محمود درويش، وحده ليتغنى بالقمح وسنابله في دواوينه الشعرية، بل كانت ولاّدة لآخرين تفننوا بخيرات الأرض فأبدعوا صُنعاً، مثلما فعل "حسام عدوان" ابن قطاع غزة الذي حوّل بدوره سنابل القمح إلى لوحات فنية.
فـ"درويش" ابن قرية "البروة" شمالي فلسطين، أبدع بالقمح شعراً، فقال في إحدى قصائده "إنّا نحبّ الورد لكنّا نحبّ القمح أكثر..ونحبّ عطر الورد لكن السنابل منه أطهر.. اقبض على عنق السنابل مثلما عانقت خنجر"، أما "عدوان"، فنسج من عيدان سنابله (القش) لوحات تلمع ذهباً في فن من نوع مختلف، لكنه يجسد للفنان نفسه "قضية".
وبحسب تقرير لوكالة "الأناظول" التركية إن داخل منزله الكائن في مدينة رفح جنوبي القطاع، يتخذ "عدوان" من إحدى غرفه مرسماً للوحاته التي زينت جدران المكان.
على منضدة صغيرة بدأ يرص عيدان سنابل القمح داخل أحرف كلمات آية قرآنية، خطّها بيده على ورقة كرتونية بيضاء، سريعاً ما تحولت إلى لوحة ذهبية أنيقة.
وللوهلة الأولى تبدو اللوحة وكأنها صُنعت داخل ماكينات حديثة، لكن ما أن تقترب منها وتتمعن فيها، تكتشف احترافية أنامل الإنسان في صف وترتيب أعواد السنابل في أبهى حلتها.
ساعات طويلة يقضيها "حسام" متنقلاً بين لوحاته المرصوصة بقش القمح، منها ما هي آيات قرآنية كُتبت بالخط العربية، أو مجسمات متنوعة من الطبيعة، وشخصيات مشهورة.
لا يأبه "حسام" للإرهاق الذي يعتريه خلال تلك الساعات، كيف لا وهو الذي بدأ يعشق هذا الفن منذ الصغر كما يقول: "تجربتي بالرسم بالقش بدأت منذ سِنٍ مبكرة، أنتجت لوحات قليلة وبإطار محدود، لكن الآن أصنع كل شيء يروق لي".
ويرى الرسام الفلسطيني أن هذا النوع من الفن "شيء جديد يرغبه الجميع لما فيه من إبراز الجانب الإبداعي والجمالي"، مشيراً أنه أيضاً "فن نادر ومن الصعب إيجاد شخص يتقنه بالشكل الصحيح المتقن".
كما أن "الرسم بقش القمح ليس سهلاً، ويحتاج إلى مجهود كبير وممارسة مستمرة، وسنوات طويلة من الخبرة لإتقانه"، وفق ما لفت إليه "حسام".
وللوقوف على طريقته في هذا الفن يأتي "حسام" بورق ويرسم عليه ما يجول في خاطره بقلم رصاص، من ثم يضع عيدان القش المخمرة بالماء سابقاً على الخطوط المرسومة على لوحته، ويبدأ بالقص بشكل دقيق مستخدماً المقص والشفرة الحادة، من ثم يضع الغراء اللاصق على الورقة، وبعد ذلك يثبت قشة القمح، مع إمكانية تلوين حسب الرغبة.
منها ما هي آيات قرآنية كُتبت بالخط العربية، أو مجسمات متنوعة من الطبيعة، وشخصيات مشهورة.
وعلى قدر الحماس الذي يظهره الرسام من خلال محاولته توفير حاضنة لكل موهوب ليخوض فكرته في هذا المجال، كما يقول، إلا أنه يشتكي من إهمال كبير من الجهات الرسمية بحق كل الفنانين، رغم أنه يرى أن الفن يمثل "جزء كبيرا في التعبير عن القضية الفلسطينية".
ويضيف "كل سنبلة من القمح أقطفها من حدود غزة تجسد قضيتي"، لا سيما وأنه "لا يتوفر لي الحصول على القش إلا في يوم حصاد المزارعين للقمح من على الحدود الإسرائيلية، وهو اليوم الذي يوافق 30 من مايو/آيار من كل عام".
وإلى جانب ممارسته هذا الفن كهواية يجد من خلالها فرصة للترفيه عن نفسه وتفريغ إبداعه وطاقته في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر للعام العاشر على التوالي، وندرة فرص العمل، يتخذ حسام عابد منه "مصدر رزق" له ولعائلته المكونة من 5 أفراد.
ويعيش حوالي 1.9 مليون مواطن في قطاع غزة واقعاً اقتصادياً وإنسانياً قاسياً، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي.
ووفقا لتقارير أعدتها مؤسسات دولية، فإن 80٪ من سكان قطاع غزة باتوا يعتمدون، بسبب الفقر والبطالة، على المساعدات الدولية من أجل العيش.
وتفرض إسرائيل حصارًا على قطاع غزة، منذ نجاح حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية في يناير/كانون ثاني 2006، وشدّدته في منتصف يونيو/حزيران 2007، إثر سيطرة الحركة على القطاع.