العدد 509 - الثلثاء 27 يناير 2004م الموافق 04 ذي الحجة 1424هـ

العراق... والخوف من الديمقراطية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

من بين الحلول المطروحة لتجاوز مأزق الانتخابات العراقية توسيع قاعدة مجلس الحكم الانتقالي ليصبح أكثر شرعية وتمثيلية لمختلف فئات المجتمع، وتقوية صلاحيات المجلس حتى يستطيع اتخاذ قرارات بمعزل عن نفوذ إدارة الاحتلال، وأخيرا تمديد فترة مجلس الحكم إلى نهاية السنة الجارية والاتفاق خلالها على تحديد موعد لإجراء الانتخابات قبل نهاية السنة وبعد خروج قوات الاحتلال.

وتأتي هذه الحلول الجزئية المطروحة أمام العراقيين على خلفية دعوة المرجع الديني السيدعلي السيستاني اجراء انتخابات مباشرة وفورية ورفض «مجلس علماء السنة» المشاركة في أية انتخابات تجري أثناء وجود القوات الأميركية في البلاد.

الآن ينتظر العراقيون وصول فريق الأمم المتحدة لاستطلاع إمكان اجراء الانتخابات قبل موعد نقل السلطة إلى حكومة مؤقتة في نهاية يونيو/ حزيران المقبل. وبغض النظر عن النتائج النهائية التي سيعلن عنها فريق الأمم المتحدة من الناحية التقنية والإجرائية فإن القرارات ستكون لها انعكاساتها السياسية التي ستهدد مستقبل دولة العراق ان تمسك كل فريق بمواقفه. فالقرارات التقنية (الإجرائية) التي يراد للأمم المتحدة اصدارها هي في النهاية تؤشر على سلوك سياسي دولي يتعلق بشأن عراقي داخلي.

وحتى لا تفلت الأمور وتخرج على السيطرة لابد من المراجع العليا في مختلف الطوائف والمذاهب والمناطق ان تلعب دورها لضبط الانفعالات ومنع ضعفاء النفوس والإيمان من ممارسة نفوذهم لإثارة الشبهات والنعرات بغية تفخيخ تجربة يراهن الكل على ضرورة نجاحها ومرورها بسلام.

وأهم نقطة يمكن ان تتفق المراجع عليها هي محاولة تبديد الكثير من الأوهام عن الديمقراطية. فالديمقراطية في النهاية ليست حلا سحريا، وانما هي مجرد وسيلة للحل وهي اجراء تنظيمي لاحتواء المشكلات وإعادة انتاجها في تسوية تسهم في اختيار أدوات للحكم والسلطة.

هناك الكثير من الأوهام عن الديمقراطية وكذلك هناك الكثير من المخاوف (الحذر) من الانتخابات وآليات انتاجها للسلطة (التسوية) في بلد عاش ثلاثة عقود في ظل الاستبداد.

لذلك لابد من تنبيه كل المشاركين والمقاطعين على ان الديمقراطية وسيلة وليست حلا وهي واسطة لاحتواء الازمات ولا تملك الحلول العملية للمشكلات. فالحلول يضعها رجال الدولة استنادا إلى القانون واعتمادا على الدستور. فالدستور هو الأهم والاتفاق عليه يضمن بقاء الانتخابات ويحصن الديمقراطية من التلاعب بها ويمنعها من الانهيار بعد التجربة الأولى. ولا شك ان أصعب تجربة هي الأولى وبعدها تتحول ممارسة الانتخابات الى نوع من العادة... وتكرار العادة يرسخ تقاليد الديمقراطية كجزء لا يتجزأ من الدستور المشترك.

والنقطة الثانية من حيث الأهمية هي محاولة تأكيد ان الغالبية العددية في المجتمع لا تعني بالضرورة اكتساح «الغالبية» كل المقاعد البرلمانية. فالغالبية في النهاية مسألة نسبية وهي تخضع دائما لاعتبارات موضعية تتحكم في انتاجها آليات محلية تخضع لحساسيات المناطق والطوائف والمذاهب والعشائر... إلا ان تلك الحساسيات ليست معزولة عن المصالح والمنافع والطموحات، والأخيرة ليست مرتبطة أو محكومة بدائرة المنطقة أو المذهب أو العشيرة. فالمناطق العراقية في معظمها - باستثناء بعض النواحي - مختلطة قوميا ومذهبيا ومن الصعب التحدث عن مناطق صافية الا في بعض الاطراف الريفية التي قد يتجانس فيها السكان على أسس العشيرة أو المذهب أو القوم. وهذه المناطق قليلة المساحات مقارنة بالكثافة السكانية في المدن والبلدات الكبيرة التي تتركز فيها القطاعات الانتاجية ومصادر الرزق.

التنوع العراقي يخضع للاختلاط وتداخل المصالح، والتعايش الاهلي في المدن الكبرى (الموصل، بغداد، والبصرة) الأمر الذي يفرض على المقترعين سلسلة اختيارات سياسية غير متوافقة مع المذهب أو العشيرة كذلك يفرض على المترشحين برامج منفتحة وأوسع بكثير من النظرة الضيقة الخاضعة لاعتبارات العشيرة والمذهب والقرية.

اخطر ما يواجه الشعب العراقي اليوم (وبعد خروج الاحتلال) هو الانقسام والدخول في شُعب الحرب الأهلية وعدم الاتفاق على دستور مشترك يحدد آليات الانتخابات ويضمن بقاء الدولة الموحدة والواحدة والعادلة.

وهذا الامر لا يتم اذا لم تتبدد الكثير من الأوهام عن الديمقراطية والمخاوف من الانتخابات في وقت يتم التركيز على وحدة الدولة وعدم إهمال قاعدتها الدستورية. فهذه الأمور أساسية واذا لم تحصل الآن وقبل خروج الاحتلال فإن المخاوف ستتجدد وربما تتكرر مأساة الهند في العراق. فالهند كانت موحدة ضد الاستعمار البريطاني وانقسمت بعد خروجه في بدايات فترة الحرية والاستقلال

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 509 - الثلثاء 27 يناير 2004م الموافق 04 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً