لم يكن تراجع الدور الرسالي الزاهر الذي كان يلعبه الأزهر الشريف في التعبير عن الإسلام الوسطي العقلاني المعتدل، وليد الأحداث والزلازل السياسية العاصفة التي شهدتها وتشهدها المنطقة والعالم منذ مطلع العقد الحالي؛ بل بدأ هذا التراجع منذ عقود، وعلى وجه الخصوص في أوج صعود ما بات يُعرف سياسياً بالحقبة النفطية، حيث أخذت مراكز إسلامية أخرى تنازعه هذا الدور؛ لكن ليس بمنافسته في المنهج الوسطي المعتدل الذي تميّز به، بل من خلال تقديم نهج يجنح للغلو وإلغاء الآخر المختلف، ونشر ثقافة عدم التسامح والتكفير الباطن والظاهر باسم الإسلام، ووفق قراءات مغلوطة، ومبتسرة لنصوص الشريعة والفقه والآيات القرآنية، ولأن كان هذا النهج ارتد على أصحابه المُنظّرين له، فإنه لم يمنعهم من المراهنة بالمضي قُدماً فيه لارتباط نفوذهم ومركزهم الديني في العالمين العربي والإسلامي به فضلاً عن مصيرهم السياسي.
في أواخر الشهر الماضي أعلن في القاهرة عن أن مرصد الأزهر سيطلق حملة توعوية دولية لنقض وتقويض الفكر الداعشي الإرهابي بصحيح الإسلام، وستتصدى للحجج الفقهية التي يسوقها هذا الفكر، لتبرير جرائمه الوحشية بحق البشر المسالمين، ومنها استباحة القتل والتفجير والذبح والسحق بعجلات المركبات باسم آيات الجهاد، وستبرز الحملة المفهوم الصحيح لآيات الجهاد في الإسلام، وسيتم فضح الأسلوب الانتقائي الذي يلجأ إليه «الدواعش» في اختيار ما يناسبهم من نصوص دينية، وتجاهل النصوص الأخرى التي تبطل تمسكهم بها بمعزل عن هذه الأخيرة. الحملة الأزهرية ستكون تحت عنوان «مفهوم الجهاد في الإسلام» وستُنشر بسبع لغات عالمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وستستمر لمدة شهر واحد فقط! (الشرق الأوسط، 24 يوليو/ تموز 2016).
هنا يصح أن نطرح جملة من الملاحظات والتساؤلات أحسبها منطقية ومشروعة بشأن حملة الأزهر المراد منها أن تكون مضادة لفيروسات الفكر «الداعشي» الفتّاكة، من هذه الملاحظات عدم وضوح سبب تحديد المدى الزمني للحملة بشهر واحد فقط، بينما خطر الفكر «الداعشي» يتفاقم ومُرشح للاستمرار لسنوات قادمة غير قصيرة، كما أن نقض وتقويض الفكر «الداعشي» لن يكون مُجدياً في صورة تنظيرية من جانب واحد، بل ينبغي نقضه بإفحام على أيدي نماذج ولو محدودة ومنتقاة بعناية وتأهيل كبير مُسبق من الموبوئين به، عبر مساجلات ومجادلات موضوعية حرة. ومع أنها كثيرة هي الأخبار التي تردنا بوجود موقوفين ومحتجزين من «الدواعش» في الدول العربية التي استهدفها تنظيمهم باعتداءات إرهابية شاركوا بالتخطيط لها أو تنفيذها؛ لكن ليس مفهوماً حتى الآن هذا الإحجام عن الدخول في مساجلات معهم تلفزيونية علنية، تُعري بقوة أسس مفهومهم الساذج للإسلام والجهاد بخاصة. وكم سيكون مؤثراً في دحض الفكر الداعشي لو جاءت مجادلة «الداعشيين» على أيدي نماذج داعشية سابقة أمكن معالجتها من الوباء الداعشي، وغدت مؤمنة بضلالة هذا الفكر المريض، وأيقنت بقناعة وإيمان معمق بجرائم ما ارتكبوه وبراءة الإسلام منه.
وهكذا فإن المساجلات الفقهية مهما كانت مُفحمة، ومهما كانت تمتلك من الحجج الفقهية المتينة المُقنعة فهي لا تُشكل خطراً على الفكر «الداعشي»، ولا تحول دون اصطياده فرائسه الضعيفة المناعة فكراً وروحاً في صد فيروساته الإرهابية الفكرية؛ بل تغدو الحملات السجالية في هذه الحالة وهي خارج العالم الافتراضي لداعش أشبه بالديالوج.
وفي تقديرنا فإن الأزهر، علاوة على أنه بحاجة منذ أمد طويل إلى الإصلاح الداخلي، وتعزيز استقلالية سلطته عن السلطة التنفيذية ، لن يستطيع بمفرده أن يضطلع بهذه المهمة - الشائكة الكبيرة من دون تعاون وتنسيق مُحكمين مع مراكز وأوساط عربية إسلامية رسمية وأهلية نافذة، وبحيث تُوظف أيضاً وسائط التواصل الاجتماعي لإحداث اختراق مضاد في الوقت المناسب، لإعطاب فيروسات داعش الفكرية، وشل قدرتها على اختراق عقل المتلقي، وإغاثة مناعته الهشة بتقويتها للقدرة على صدها.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 5082 - الجمعة 05 أغسطس 2016م الموافق 02 ذي القعدة 1437هـ
الذي أنشأ الأزهر هم الشيعة الفاطميون.
و لكن الأزهر الآن اصبح مختطفا و يرفض وجود الفكر الشيعي بشكل واضح بل و يخفون في كتبهم أن منى بنى و أسس ابأزهر هم الشيعة الفاطيون.