مساء الجمعة 22 يوليو/ تموز 2016، وقف العالم أجمع مذهولاً أمام هجوم إرهابي على مركز أولمبيا التجاري في ميونيخ، (عاصمة بفاريا، وثالث أكبر مدن ألمانيا)، وأصيب بالحادث الإجرامي أكثر من 27 شخصاً، بينهم 10 قتلى وعدد من الجرحى، 3 منهم في حال حرجة، وعُثر على جثة رجل على مسافة كيلومتر من موقع الحادث، قيل إنه المهاجم، الذي فضّل الانتحار على تسليم نفسه إلى الشرطة. وقالت الشرطة الألمانية إن المهاجم هو ألماني من أصل إيراني ويبلغ من العمر 18 عاماً، وقد استخدم مسدساً لإطلاق النار العشوائي.
ويعيد هذا الحادث الإجرامي إلى الأذهان، القاتل النرويجي أندرس بهرنغ بريفيك، الذي قام بهجوم مماثل في أوسلو قتل فيه نحو 92 شخصاً في 22 يوليو 2011.
الشاب الذي تعرّفت إليه الشرطة بعد مصرعه، لم يكن معروفاً لديها من قبل، وليس له سوابق. وقالت إنه كان يتلقى علاجاً نفسياً من مرض الكآبة. أمّا دوافع الهجوم، فهي حتى الآن لاتزال غامضة وغير واضحة، فهل هناك علاقة له بالإرهاب الدولي، سواء بتنظيم «داعش» أو»القاعدة» أو غيرهما؟ أي هل تم تجنيد «المهاجم» من جماعات إرهابية؟ أم أن الأمر له علاقة بأوضاع نفسية واجتماعية وسلوكية دفعته لارتكاب هذه الجريمة؟ حتى الآن ليس هناك قول فصل في هذا الموضوع، ولم تعلن أي جهة مسئوليتها عن الحادث الإرهابي – الإجرامي.
ويأتي هجوم مدينة ميونيخ بعد أيام من الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة نيس الفرنسية يوم 14 يوليو 2016، وراح ضحيته 84 شخصاً، حين قام سائق شاحنة بدهس الناس المحتفلين في اليوم الوطني الفرنسي، كما يأتي بعد أسابيع من العمل الإرهابي الذي أودى بحياة 50 إنساناً في ملهى ليلي بمدينة أورلاندو في الولايات المتحدة في 12 يونيو/ حزيران 2016.
وفي الحالات الثلاث إضافة إلى حادثة أوسلو، فإن الإرهابيين لم يستخدموا وسائل تقليدية، مثل السيارات المفخخة أو المتفجّرات أو الأحزمة الناسفة أو غيرها، بل تم استخدام أسلحة خفيفة، إضافة إلى شاحنة عادية، وهو ما يذكّر باستخدام سكاكين وأمواس حلاقة حين تم خطف طائرتين لصدم برجي التجارة العالمية في نيويورك العام 2001، الأمر الذي يعني أن الوسائل الإرهابية من التنوّع بمكان لدرجة لا يمكن حصرها، وبالتالي، فإنه إذا أريد مكافحة الإرهاب حقيقة، فالأمر يتجاوز الوسائل الأمنية والعسكرية، ويحتاج إلى وسائل أخرى غير تقليدية.
وكانت الشرطة الألمانية قد نفت وجود دلائل تثبت تورّط «مسلمين» في حادث إطلاق النار في ميونيخ، وهو ما تردّد في بداية الأمر، ونقلت بعض المصادر أن أحد المسلحين الثلاثة (اتضح أنه واحد) كان قد ردّد عبارة: الله أكبر، وهو يقوم بإطلاق النار، ولم يكن ذلك سوى دعاية سوداء جاهزة واتهامات مسبقة الصنع، يُراد لها توجيه الأنظار والسخط إلى العالم العربي والإسلامي، باعتباره منبع الإرهاب، فما أن يحدث أي شيء في العالم، إلاّ ويكون وراءه «مسلمون» أو عرب من البلدان الإسلامية والعربية أو من الجاليات المسلمة والعربية في الخارج، مثلما تصوّر الدعاية المعادية. ونتذكّر حين تم اتهام المسلمين بتفجيرات أوكلاهوما في 19 أبريل/ نيسان العام 1995 في الولايات المتحدة، الأمر الذي اتّضح زيفه وتلفيقه، لكن الاتهام ذهب بعيداً وحلّق في كل الأماكن.
وعلينا من باب الاعتراف بالحقيقة القول إن الإرهاب كظاهرة عالمية موجود في كل مكان، وأن العالم العربي والإسلامي، ليس استثناء، ففيه «إرهابيون» وقام هؤلاء بأعمال إجرامية، كما حدث في هجوم 11 سبتمبر/ أيلول العام 2001، أو الهجوم على أنفاق إسبانيا (مدريد) في 11 مارس/ آذار 2004، أو تفجيرات بريطانيا (لندن) في 7 يوليو 2005، أو في الحوادث المتكرّرة في فرنسا، كما حصل الاعتداء على مقرّ صحيفة شارلي إيبدو في باريس 7 يناير/ كانون الثاني 2015، وبعدها هجمات باريس الإرهابية في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، والتي شملت إطلاق نار جماعي وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن.
وإذا كان الإرهاب خطرٌ أخذ يهدّد أوروبا، فإن العالم العربي والإسلامي عانى منه الأمرّين على مدى عقود من الزمان، سواء كان إرهاباً دولياً «حكومياً» أو جماعياً أو فردياً، ولايزال الشعب العربي الفلسطيني يدفع الفاتورة كل يوم، حيث يعاني الاحتلال والعدوان، ويُحرم من أبسط حقوقه، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره. ومازال العراق يعاني من تأثيرات الاحتلال الأميركي العام 2003 ولحد الآن، حيث بدأ بيض المنظمات الإرهابية يفقّس فيه، وخصوصاً تنظيم «القاعدة» وتنظيم دولة الخلافة «داعش» وأخوانهما، تلك التي تمتد إلى سورية، وخصوصاً في الرقة ودير الزور.
ومنذ احتلال الموصل في 10 يونيو 2014، فإن الإرهاب اتسعت رقعته وامتدت جغرافيته، ناهيك عن انتشاره بطريقة زئبقية من المشرق العربي إلى المغرب العربي، ومنه إلى الجنوب العربي، ومن ليبيا ومروراً بتونس ومصر وصولاً إلى عدن وصنعاء. وشهدت المملكة العربية السعودية 3 هجمات إرهابية حديثا في 29 رمضان الماضي (4 يوليو/ تموز 2016)، في المدينة المنوّرة والقطيف وجدّة، مثلما تزامن ذلك مع الحادث الإرهابي المروّع الذي شهدته منطقة الكرادة ببغداد.
الإرهاب لا وطن له ولا جنسية ولا لغة ولا دين ولا منطقة جغرافية. إنه يضرب في جميع أنحاء العالم، وألحق ضرراً كبيراً بشرياً ومادياً ومعنوياً بالسكان والتنمية والعلاقات الإنسانية، وهو ظاهرة مستمرّة، على رغم صدور 3 قرارات دولية بعد أحداث 11 سبتمبر العام 2001، و4 قرارات دولية بعد احتلال «داعش» الموصل، ونحو 13 اتفاقية وتصريحا دوليا منذ العام 1963 وحتى أحداث 11 سبتمبر 2001، لمكافحته، لكنه ينتعش حين يجد تربة خصبة يتغذى عليها، وقد ارتفعت خطورته، باستخدامه نتائج الثورة العلمية – التقنية وتكنولوجيا الإعلام والاتصالات والمواصلات والطفرة الرقمية «الديجيتال» ومواقع التواصل الاجتماعي.
إن تجفيف منابع الإرهاب والقضاء على مصادره واجتثاث جذوره، بما فيها الفقر والعنصرية والتمييز بكل أشكاله وعدم المساواة، يتطلّب أولاً وقبل كل شيء البحث في أسبابه ودوافعه، وخصوصاً الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية والدينية والتربوية والنفسية، وغيرها.
وبعد كل ذلك، فالإرهاب لا يقتصر على أصوليات «إسلامية» متطرّفة ومتعصّبة، كما تذهب إلى ذلك الدعاية الصهيونية والإمبريالية، بل يشمل أصوليات دينية أخرى، يهودية ومسيحية وغيرها، وفي جميع المجتمعات والبلدان والأديان والقوميات، وهو ما ينتعش اليوم في أوروبا والغرب عموماً، في موجة العداء للاّجئين والأجانب بزعم تهديد الحضارة الغربية، حتى قيل إن الإرهابي كان يردّد عبارات ضد الأتراك وهو يطلق النار. وسواء كان الأمر صحيحاً أو نُسب إليه، فإن ذلك قد يكون وجهاً آخر للإرهاب.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسين شعبان"العدد 5082 - الجمعة 05 أغسطس 2016م الموافق 02 ذي القعدة 1437هـ